قبل أسبوع من انطلاق امتحانات شهادة البكالوريا، تحدث وزير التربية التونسي فتحي السلاوتي في مؤتمر صحافي عقده لتوضيح الاستعدادات والإجراءات التي اتخذتها الوزارة لمكافحة الغش الذي ارتفعت معدلاته خلال السنوات الأخيرة، عن أن "أي تلميذ لا يمكن أن يبدأ حياته بالغش. وإذا فعل ذلك يصعب أن ينجح في المراحل التالية، لذا لا بدّ من التعويل على النفس، لأنّ الغش ظلم مضاعف، ويسمح لشخص بالفوز باختصاص جامعي على حساب غيره".
وتقدم 134,950 تلميذاً لامتحانات البكالوريا، انقسموا بين 105,738 من المعاهد العمومية و20,459 من المعاهد الخاصة و8753 مرشحاً فردياً. وأكد السلاوتي تشديد إجراءات مراقبة المجموعات التي تسهّل عمليات الغش، ومنع استعمال الهواتف الخليوية والساعات الرقمية والأقلام الإلكترونية، إلى جانب منع الاساتذة نفسهم من استعمال الهواتف الخليوية. لكن ذلك لم يحل دون حصول عمليات غالبيتها باستخدام سمّاعات الكترونية يستعملها التلاميذ بطرق خفية لسماع الأجوبة، علماً أن تجارة السمّاعات تزدهر في الأسواق خلال الأيام التي تسبق امتحانات البكالوريا، وتتضمن أجهزة صغيرة الحجم يبلغ سعر الواحدة منها مائة دولار.
وقبل سنتين، اضطرت وزارة التربية إلى استعمال أجهزة تشويش داخل المعاهد للتصدي لعمليات الغش، لكن فعّالية هذه الأجهزة ظلت محدودة.
وكان السلاوتي كشف تورط أطباء في زرع سمّاعات بأذن تلاميذ، ووصف ما يحصل بأنه "أمر محرج يعرقل محاولات القضاء بالكامل على الغش في ظل تطور الأساليب المستخدمة". لكنه شدد على أن الوزارة تستخدم كل الوسائل المتوفرة للتصدي للغش، وأنها اعتقلت بالتعاون مع وزارة الداخلية مجموعات تقف وراء عمليات غش ينفذها تلاميذ داخل قاعات الامتحانات باستعمال لاقط التنصت.
وأوضح أن "هذه المجموعات تضم تلاميذ وأساتذة وخريجي تعليم عال يتقاضون مبالغ مالية قد تصل إلى 500 دولار لتوفير أجوبة للمادة الواحدة، وأن أفراداً منها يوقفون سنوياً، لكن ذلك لا يثني تلاميذ البكالوريا عن المجازفة بتنفيذ طريقة الغش نفسها سنوياً، رغم أنّ العقوبات قد تتراوح بين الحرمان من اجتياز امتحانات البكالوريا لمدة خمس سنوات والسجن".
يقول مختار (اسم مستعار) التلميذ في شعبة رياضيات لـ"العربي الجديد": "تتكرر عمليات الغش سنوياً، ويتبادل التلاميذ معلومات حول أماكن بيع أفضل أنواع لاقط التنصت وأصغره حجماً. وتباع أحياناً أنواع صغيرة جداً لا يمكن اكتشافها بسهولة بأسعار باهظة قد تتجاوز مئتي دولار. ويجري تأمين شخص لتلقين التلميذ أجوبة عن الأسئلة مقابل مبلغ مالي يتفق عليه مسبقاً".
من جهته، يقول سيف الدين التلميذ في شعبة الاقتصاد لـ"العربي الجديد": "بات الأمر أصعب من السابق، لكن بعضنا يبحث عن طرق وحيل جديدة للغش. يمكن استخدام طرق تقليدية عبر إخفاء ورقة صغيرة تتضمن أجوبة عن أسئلة، وأخرى عصرية مثل استعمال سماعات إلكترونية، وجميعها قد تنجح رغم كل الاجراءات التي تعتمدها وزارة التربية لتشديد الرقابة".
وشملت غالبية حالات الغش التي جرى ضبطها في امتحانات البكالوريا أوراقاً تضمنت أجوبة عن أسئلة الامتحانات، كما جرت أحياناً مصادرة هواتف خليوية ومعدات إلكترونية وسمّاعات.
وفتحت وزارة التربية تحقيقات في مسألة تسريب الامتحانات، فيما استنكرت الجامعة العامة للتعليم الثانوي عمليات الغش التي تتكرر سنوياً، وانتقدت فشل الوزارات خلال السنوات الأخيرة في التصدي للظاهرة، لا سيما في ما يتعلّق بتسريب الامتحانات إلى خارج أسوار المعاهد، ومواقع التواصل الاجتماعي.
ويشير المتخصص في علم اجتماع التربية سفيان الفراحتي في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "سلوك التلاميذ بات يميل إلى تحقيق النجاح بطرق سهلة رغم أنهم يعرفون جيداً أنهم يغامرون بمستقبلهم. وتأثرهم ببعضهم البعض قد يؤدي إلى استفحال الظاهرة ليس لدى صفوف التلاميذ الكسالى بل حتى لدى المتفوقين منهم الذين يطمحون في النجاح بأعلى تحصيل سنوي للدخول إلى اختصاصات معينة في الجامعات". ويرى الفراحتي أنّ "العائلة تلعب دوراً كبيراً في توعية الأبناء، خصوصاً بعدما أعلنت وزارة التربية منع إدخال الهواتف الخليوية إلى المعاهد خلال الامتحانات. ولا تأخذ غالبية الأسر هذه الهواتف، وتتجاهل تحذير أبنائها من تنفيذ عمليات غش. كما يجب أن تقوم الإطارات التربوية بعدّة حملات للتوعية من مخاطر الظاهرة داخل المعاهد".