سكان شمال غزة ذبحوا مصادر رزقهم لإطعام أسرهم

30 ابريل 2024
تحسنت الأوضاع في شمال غزة بعد دخول المساعدات (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سكان شمال غزة عانوا من جوع كارثي، مضطرين لتناول الحشائش وأعلاف الحيوانات بسبب الحصار الإسرائيلي الذي حال دون وصول المساعدات الغذائية، مما أجبرهم على ذبح مواشيهم للنجاة.
- تحسن مؤقت في الوضع الإنساني بغزة بعد إدخال مساعدات غذائية وانسحاب إسرائيلي جزئي، لكن ذكريات الجوع الشديد لا تزال تؤرق السكان، مع استمرار الحصار واستهداف شاحنات المساعدات.
- قصص مثل قصة رزق افريج وعزت حمد تبرز الأزمات النفسية والمادية لسكان غزة، حيث اضطر البعض لذبح حيواناتهم المصدر الرئيسي لرزقهم لإطعام عائلاتهم، مما يعكس اليأس والتحديات الكبيرة لإعادة بناء حياتهم.

عايش الآلاف من سكان مناطق شمال غزة ظروف جوع كارثية أثناء الأشهر الماضية، واضطر بعضهم إلى تناول الحشائش والأعلاف للبقاء أحياء.

يعيش سكان محافظتي غزة وشمال القطاع حالة تحسن مؤقتة، مع إدخال كميات من المساعدات الغذائية بعد الانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق، والإبقاء على المنطقة التي يعتبرها جيش الاحتلال منطقة عازلة في شرق القطاع وشماله، وكذلك على "شارع 749" الذي يفصل القطاع إلى نصفين، لكنهم لا ينسون أسابيع الجوع الصعبة التي قضوها أثناء الحصار، والتي اضطروا خلالها إلى ذبح مواشيهم وأحصنتهم التي كانت مصدر رزق لهم.

وكان الاحتلال يشدد الحصار على سكان المنطقة الشمالية، ويمنع وصول المساعدات إليهم، ويستهدف شاحنات نقل المساعدات القليلة، واضطر كثيرون منهم إلى الاعتماد على حشائش الأرض وأعلاف الحيوانات كطعام، وعلى اصطياد الطيور، قبل أن يضطروا إلى ذبح حيواناتهم وخيولهم لتناول لحومها. من بين هؤلاء رزق افريج (48 سنة) الذي يقيم في قرية أم النصر البدوية، والتي تضم منازل بسيطة مكونة من أسقف اسبستية وصفائح حديدية، وحين قصفت القرية، تطايرت أسقف المنازل، فنزح مع آخرين إلى مدرسة في بلدة بيت لاهيا المحاذية للقرية، ثم تكرر نزوحه لاحقاً.

نزح افريج رفقة حصانه الذي يعمل عليه منذ ست سنوات، والذي كان بمثابة صديق له، حتى إنه كان يتحدث معه عن كل ما يشعر به، كما استخدمه خلال الفترة الأولى من العدوان في نقل المصابين الغزيين إلى مستشفيات شمال غزة ونقل معداتهم وأغراضهم، لكن خلال فترة الحصار الطويلة وجد نفسه مضطراً إلى التضحية به لإطعام ابنته التي أنجبت في تلك الظروف الصعبة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

يقول لـ"العربي الجديد": "أنجبت ابنتي سلمى طفلها البكر، والذي سمّوه جواد، في 13 مارس/ آذار الماضي، لكن ابنتي البالغة من العمر 21 سنة كانت تعاني من نقص الغذاء الذي أصابها بالهزال، وأغمي عليها أكثر من مرة، بعد أن خسرت من وزنها ما لا يقل عن 15 كيلوغراماً، وكنت أركز مع زوجها على توفير الطعام لها، وكنا عادة نظل جائعين حتى تأكل في ظل نقص الطعام المتوفر، وفي وقت لاحق نفد الطعام تماماً، فقررت التضحية بالحصان لأنقذ ابنتي، وذبحته لأطعمها لحمه".

ويضيف: "ترددت عدة مرات قبل ذبح الحصان، لكنني كنت جائعاً، وكل أسرتي مثلي، فلم يكن أمامي حل بديل، وعندما مرضت ابنتي بعد إنجاب طفلها، كان يجب أن أوفّر لها البروتين، فمن عاداتنا وتقاليدنا عندما تلد المرأة أن يتم إطعامها اللحوم حتى تعوض الدماء التي نزفتها، وابنتي كانت هزيلة، وكانت في خطر بسبب قلة الغذاء. عندما ذبحت الحصان بكيت كثيراً، وطلبت من ابني نبيل متابعة تقطيع اللحم، لكن في المقابل شعرت ابنتي بالقليل من التحسن بعد أن كنت أبحث عن أي مصدر لتغذيتها".

عايش سكان شمال غزة أشهراً من الجوع (داود أبو القص/الأناضول)
عايش سكان شمال غزة شهوراً عدة من الجوع (داود أبو القص/ الأناضول)

ويؤكد افريج أنه ليس الوحيد الذي أقدم على هذه الخطوة، وأنه يعرف أن أشخاصاً آخرين ذبحوا حماراً لتناول لحمه، لكنه يعيش حالياً أزمة نفسية صعبة، فهو لا يعرف ماذا سيفعل بعد انتهاء العدوان، فقد أصبح يمتلك العربة الخشبية لكنه لا يمتلك حصاناً أو حتى حماراً. تكرر الأمر نفسه مع عزت حمد (43 سنة)، وهو من سكان بلدة جباليا شمال غزة وقد نزح إلى مخيم جباليا، ثم إلى مدينة غزة. كان عزت يملك فرساً، لكنه اضطر إلى ذبحها كي يوفر لأبنائه وزوجته الطعام، وهم حالياً في إحدى مدارس مخيم جباليا الذي عادوا إليه، بعد أن دمّر جيش الاحتلال جميع المنازل في محيط مجمع الشفاء الطبي، وألحق أضراراً كبيرة بمدارس ومراكز الإيواء القريبة منه.

وكان حمد يعيش صراعاً نفسياً كبيراً، إذ يطلب أطفاله الطعام يومياً بينما ظلّوا يعانون من الجوع على مدار شهرين، وكان ابنه زين الدين (5 سنوات) قد دخل المستشفى بسبب سوء التغذية. يقول: "في بداية الأمر، كنت أرفض ذبح الفرس، لأنها مصدر رزقي، لكن عندما اشتد الجوع على أطفالي وزوجتي اضطررت إلى ذلك حتى لا أفقد أحداً منهم. كنت عاطلاً عن العمل لسنوات، وقبل نحو عشر سنوات بدأت العمل على العربة التي أصبحت مصدر رزقي، لكني فقدت حصاناً قبل خمس سنوات نتيجة عدم وجود علاج ملائم له في ظل الحصار الإسرائيلي، ثم اشتريت الفرس". ويضيف: "كانت فرساً جميلة وقوية، واخترتها لأنها أنثى على أمل أن تنجب لي حصاناً، وكان لدي مُهر صغير، لكن خلال الحرب أصابته شظايا صاروخ في رأسه، وظل لفترة ينازع للبقاء، ولم يكن لدي سبيل لأعالجه، لأنه لا يوجد مكان للعلاج في شمال غزة ففقدته، ثم اضطررت بسبب الجوع إلى ذبح الفرس كي نتناول لحومها بدلاً من أن نموت جوعاً".

المساهمون