رمضان غزة... إفطار على القصف وسحور على العتمة

29 مارس 2024
إفطار بين الخيام (جهاد الأشرفي/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الأسر الفلسطينية في غزة تواجه ظروفاً مأساوية خلال رمضان، مع صعوبات في تأمين المواد الغذائية وإعداد الطعام، خاصة النازحين الذين يعيشون في خيم تفتقر للكهرباء ومصادر الطاقة.
- النازحون يعانون من نقص حاد في المتطلبات الأساسية وغياب مصادر الطاقة، مما يجعل حياتهم أكثر صعوبة في شهر رمضان، وسط الانفجارات والقصف الذي يزيد من الآثار النفسية السلبية.
- رغم الظروف القاسية، يحاول النازحون الحفاظ على طقوس رمضان ويحتفظون بالأمل في العودة إلى حياتهم الطبيعية وإعمار بيوتهم المدمرة، مترقبين أي أنباء عن مفاوضات أو اتفاقات للعودة.

تستمر مأساة النازحين في قطاع غزة والتي زادت حدتها خلال شهر رمضان. ويعاني هؤلاء لإيجاد المواد الغذائية وإعداد الطعام.

تُسابق الفلسطينية علياء تيسير الوقت لتجهيز وجبة الإفطار الرمضانية قبل حلول الظلام في خيمة النزوح التي لجأت إليها برفقة أسرتها، فيما تفتقد أدنى مقومات الحياة، وفي مقدمتها التيار الكهربائي، أو أي من مصادر الطاقة البديلة. ويُحرم الفلسطينيون في مُختلف مُحافظات قطاع غزة من التيار الكهربائي منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، الذي بدأ في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بفعل قطع خطوط الكهرباء الإسرائيلية، وإغلاق المعابر، ومنع دخول مُشتقات البترول، التي تساعد على تشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة التي كانت تُساهِم بوصول الكهرباء لمدة 8 ساعات يومياً، علاوة على التأثيرات السلبية لشح الوقود على إمكانية توفير مصادر الطاقة البديلة. وتتزايد حدة الأزمة بين النازحين الفلسطينيين الذين يعيشون ظروفاً معيشية صعبة، إذ تنعدم المتطلبات الأساسية من مواد غذائية، ومياه صالحة للشرب والاستخدام الآدمي اليومي، بالإضافة إلى مُختلف مصادر الطاقة والإنارة. كما ينعدم الشعور بالأمن والاستقرار، إذ يتناولون وجبة الإفطار على وقع الانفجارات والقصف الذي يتركز في ساعات المساء بهدف زيادة الآثار النفسية السيئة، كما يتناولون وجبة السحور في العتمة، الأمر الذي يزيد من شعور الخوف والقلق. 
تقول النازحة علياء تيسير لـ "العربي الجديد" إنها تعيش ظروفاً صعبة ومُعقدة تجتمع فيها الأزمات، في ظل النقص الشديد في الإمكانات والمُتطلبات الأسرية اليومية، والتي تزداد في شهر رمضان، وانعدام الشعور بالأمان نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل، واستمرار ارتكاب المجازر حتى في المناطق التي يدّعي الاحتلال أنها "مناطق آمِنة". وتلفت تيسير التي فقدت بيتها لحظة القصف المُركز والأحزمة النارية التي استهدفت منطقة المقوسي شمال مدينة غزة، إلى أن حدة الوضع المأساوي تزايدت مع حلول شهر رمضان بسبب الاحتياجات المُتزايدة، في ظل خروجهم من بيوتهم تحت القصف والتهديدات الإسرائيلية، من دون أن يتمكنوا من اصطحاب أي من احتياجاتهم الأساسية، في ظل عدم قدرتهم على توفير مصدر طاقة بديلة أو حتى الإضاءة ليلاً، فيما يعتمدون على ضوء النهار بشكل أساسي في الإنارة.

وتوضح تيسير أنها تشعر بالقلق والخوف نتيجة القصف وأصوات الانفجارات خلال فترة الليل، عدا عن الحرمان نتيجة فقدان المواد الأساسية وغلاء الأسعار. وكثيراً ما يغالبها الشوق للعودة إلى مدينة غزة وإعمار بيتها والعودة إلى حياتها الطبيعية، ما يضعها وأسرتها تحت ضغط نفسي متواصل.
يقول الفلسطيني أنس أبو العجين، وهو نازح من مُخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين نحو مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، إنه لم يشعر حتى اللحظة بأجواء شهر رمضان التي اعتاد عليها بسبب غياب مُختلف الطقوس الرمضانية، في الوقت الذي يعيش وأسرته أوضاعاً غير مُستقرة، بعدما ترك الغرفة التي استأجرها نتيجة زيادة بدلات الإيجار للضعف واضطراره إلى صنع خيمة صغيرة. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن أصوات القصف والانفجارات المُترافقة مع التحليق المتواصل للطائرات الحربية، وعدم مُغادرة طائرات الاستطلاع (الزنانات) المُزعجة للأجواء، والانقطاع الكامل للكهرباء، يتسبب في خلق حالة من التوتر المُتواصل، وهو الجانِب الأقسى على الفلسطينيين خلال الحرب.

لا تنوع في الأغذية (سعيد الخطيب/ فرانس برس)
لا تنوع في الأغذية (سعيد الخطيب/ فرانس برس)

ويلفت أبو العجين إلى صعوبة تحضير وجبة الإفطار المُتواضعة على وقع الانفجارات، وتناول وجبة السحور وسط الظلام الدامِس. ويقول: "نضطر إلى اضاءة الجوال علماً أن الإضاءة مُزعجة وغير مُريحة للنظر، ولا تُتيح الرؤية بشكل طبيعي، ما يتسبب بزيادة التوتر الموجود أصلاً بسبب طول أمد الحرب، وتضارب الأنباء حول التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف اطلاق النار".
أما الفلسطيني إسماعيل أبو الهدى، والذي انشغل بإشعال نار الحطب لزوجته لإنضاج قدر من الفول لأُسرته التي تنتظر أذان المغرب، فيوضح أن الأوضاع الحالية هي الأقسى والأصعب عليه وعلى أسرته التي اضطرت إلى ترك مدينة غزة بفعل التهديدات الإسرائيلية المُتواصلة، والتي ترافقت مع المجازر المُروعة بحق المدنيين، وجلهم من الأطفال والنساء.

ويُشير أبو الهدى في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أنه لم يتخيل في يوم من الأيام أن تتبدل حياته الهانِئة إلى توتر وقلق دائمين، بفعل حالة النزوح القسري، والخطر القائم طوال الوقت، مع انعدام كافة مقومات الحياة، سواء بالنقص الحاد في احتياجات أُسرته، أو الانقطاع الكامل للكهرباء، والذي يدفعهم إلى الإفطار والسحور وسط الظلام الذي يُفاقم مُعاناتهم ويزيد من سوء أوضاعهم النفسية.
وكغيره من الفلسطينيين النازحين، يترقب أبو الهدى الأنباء المُتعلقة بالمفاوضات الجارية حول إتمام صفقة التبادل، ويقول: "على الرُغم من فقداننا لبيوتنا والتدمير الكبير في مناطق سكننا وتغير ملامحها بسبب شراسة القصف الإسرائيلي، إلا أننا لا زلنا نرقُب أي خبر يفيد بعودتنا نحو الشمال حتى لو اضطررنا إلى إنشاء خيمة فوق رُكام بيوتنا المُدمرة". وعلى غرار أبو الهدى، تعيش مئات آلاف الأسر الفلسطينية، من بينهم أطفال ونساء وكبار سن وفئات هشة، ظروفاً قاسية واستثنائية مُنذ ما يزيد عن 173 يوماً، حرموا خلالها من أبسط حقوقهم المعيشية، فيما تضاعفت أزماتهم مع حلول شهر رمضان في ظل حالة النقص الشديد بمُختلف اللوازم الأساسية.

المساهمون