رفح.. مخيمات النزوح ورحلة البحث عن الأمان المستحيل

04 مارس 2024
تدفئ النار الفلسطينيين النازحين إلى رفح وتضيء قليلاً من ليلهم (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحوّلت رفح الواقعة في أقصى جنوب القطاع إلى ما يشبه مخيّماً كبيراً للنازحين من مناطق أخرى من القطاع المحاصر والمستهدف، وقد ظنّ الفلسطينيون المهجّرون أنّ في هذه المدينة الحدودية مع مصر قد يجدون شيئاً من الأمان.

وتُعَدّ رفح من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في قطاع غزة راهناً، بعد إجبار قوات الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين من سكان خانيونس في الجنوب وسكان شمالي القطاع على النزوح إليها بذريعة أنها منطقة آمنة.  

الصورة
نازحون فلسطينيون في مخيم في رفح جنوبي قطاع غزة 2 (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
طائرة ورقية تكسر بعضاً من رتابة مشهد الخيام العشوائية في رفح (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

لكنّ السؤال يُطرَح: هل رفح آمنة بالفعل؟ فالتهديدات الإسرائيلية تتصاعد حدّتها في ما يخصّ هجوما محتملا على رفح، وسط مناشدات دولية رسمية وأخرى صادرة عن الأمم المتحدة ووكالاتها وكذلك عن منظمات إنسانية وحقوقية، بعدم الإقدام على تلك الخطوة الكارثية. 

وتأتي تهديدات إسرائيل بشنّ هجوم على رفح، في حين تلازم طائرات الاستطلاع الأجواء، ناشرةً الرعب والتوتّر وساط النازحين في المخيّمات. أزيز تلك المسيّرات وحده كفيل بإثارة الخوف. 

ويعاني النازحون الفلسطينيون في المخيّمات التي نُصبت في رفح أشدّ معاناة، فظروفهم قاسية والتحديات كبيرة، في حين أنّ البرد قارس في مثل هذا الوقت من السنة، والظلام حالك في الليل.

ومع غروب الشمس، يتفاقم الوضع في المخيمات، إذ يتسلّل البرد القارس إلى داخل الخيام الصغيرة مستهدفاً أجسادهم التي لا تغطّيها إلا ملابس خفيفة أو مهترئة.

يُذكر أنّ البرد يفاقم إنهاك أجساد الفلسطينيين المهجّرين، نتيجة قلّة الغذاء والمياه والتهجير المتكرّر والصدمات والضغوط النفسية، علماً أنّ هؤلاء يبحثون عن أمان مفقود في ظلّ الحرب الإسرائيلية المستمرّة الماضية في تدميرها من دون قيود، في حين أنّها لا تلتزم بتحذيرات ولا بقانون إنساني.

وتتجمّع العائلات الفلسطينية النازحة في المساء حول موقد أُشعلت النار فيه بجوار الخيام. ويرنو أفرادها، في محاولات يائسة، إلى تدفئة أجسادهم المنهكة، فترتفع ألسنة اللهب الحمراء وسط الظلام المسيطر على المكان، لتبعث شيئاً من الدفء والأمل في نفوس النازحين الذين هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية.

الصورة
نازحون فلسطينيون في مخيم في رفح جنوبي قطاع غزة 4 (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
يحاول المهجّرون الصغار اللهو بما توفّر لهم في مخيّمهم في رفح (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

كذلك يعاني النازحون من نقص في الأغطية والملابس الثقيلة ووسائل التدفئة التي يحتاجونها لمواجهة الأجواء الشتوية وظروف الطقس الصعبة، وهو أمر يزيد من صعوبة الأوضاع الإنسانية وتعقيدها.

ويتشارك النازحون وأطفالهم، في أثناء تجمّعهم حول النار، أطراف الحديث وضحكات خافتة، في محاولة لنسيان مرارة الظروف القاسية والمخاوف الشديدة.

ويمكن للمراقب أن يلحظ كيفية بحث أفراد العائلة الواحدة، بعضهم في أعين بعض، عن أمل وسط واقعهم المرير، فيما يحاولون جاهدين تقديم دعم معنوي بعضهم لبعض.

الصورة
نازحون فلسطينيون في مخيم في رفح جنوبي قطاع غزة 3 (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
لحظة تأمّل في حين يكبر أطفال غزة على غفلة (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

ويحلم النازحون بوقف الحرب الإسرائيلية المدمّرة وانتهاء هذا الكابوس المستمرّ لليوم 150، حتى يتمكّنوا من العودة إلى منازلهم أو إلى مناطقهم السكنية على أقلّ تقدير.

ناصر الخطيب (46 عاماً) هُجّر من حيّ الشجاعية شرقي مدينة غزة (شمال) برفقة عائلته المؤلّفة من ثمانية أفراد. يخبر: "خرجنا من منزلنا من دون ملابس ثقيلة"، مؤكداً أن "الأوضاع صعبة ومأساوية، الأمر الذي يدفعنا إلى إشعال النار لتدفئة أطفالنا".

يضيف الخطيب أن "البرد شديد ولا خيار لدينا سوى موقد النار". ويشير إلى أن عائلته تعاني كما آلاف العائلات في قطاع غزة من نقص في المال والغذاء.

الصورة
نازحون فلسطينيون في مخيم في رفح جنوبي قطاع غزة 5 (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
وسط أسواق رفح نُصبت خيام النازحين كذلك (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

بدوره، هُجّر فايز حسنين (41 عاماً) من مدينة غزة، ليستقرّ راهناً في مدينة رفح. يقول: "عائلتي مؤلفة من ستّة أفراد ولا أملك أغطية ولا فرشا في الخيمة. لذلك نلجأ إلى تدفئة أنفسنا بحرق الخشب والكرتون".

ويتمنّى حسنين أن "تنتهي الحرب ونعود إلى بيوتنا سالمين، فقد أرهقتنا أيام الحرب ولا نعرف مصيرنا بعد". ويحكي كيف يجلس مع أفراد عائلته في ساعات المساء أمام خيمتهم، فيتسامرون ويضحكون قليلاً لـ"نسيان آلام خلّفتها الحرب، فيما النار مشتعلة في الموقد".

يُذكر أنّ رفح تُعَدّ، في الوقت الراهن، المنطقة الأكثر اكتظاظاً في العالم، بحسب بيانات للأمم المتحدة، ولا سيّما أنّها تؤوي أكثر من نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون