هائلٌ هو حجم الركام الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. في بعض المناطق التي تبعد عن الشوارع العامة، نصبت عائلات غزية دمّر القصف الإسرائيلي منازلها، خياماً فوق الركام بشكل مؤقت رغبة منها في البقاء على مقربة من أرضها. وساعدها على ذلك الطقس الصيفي.
دمّر منزل أم عبد الله الزوارعة (39 عاماً)، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير في منطقة الشيخ زايد، شمال قطاع غزة، بعدما قصفت الطائرات الإسرائيلية عدداً من المواقع بالقرب من منزلها. تقول إن رؤية منزلها كانت مشهداً محزناً. والمحزن أكثر أن زوجها إبراهيم الزوارعة (53 عاماً)، أسير في السجون الإسرائيلية، وقد بقيت خمس سنوات على خروجه من السجن. لكن المنزل دمر قبل أن يراه.
توجهت الزوارعة إلى منزل عائلتها المؤلفة من سبعة أفراد، حيث لجأ أقارب آخرون أيضاً. لم يكن الجو مريحاً، فعادت إلى منزلها، ونصب نجلها الأكبر عبد الله خيمة صغيرة بالقرب من المنزل الذي بقيت منه غرفتان يمكن قضاء الليل فيهما، وبعض الأشياء الخاصة. تقول لـ"العربي الجديد": "للأرض قيمة عظيمة بالنسبة لنا. صحيح أن الركام يذكرنا باليوم الذي أخلينا فيه المنزل قبل أن يدمر، لكننا متمسكون بالبقاء في الأرض. لن أجد الراحة إلا وسط منزلي. وحتى لو أزيل الركام، سننصب خيمة أكبر ونقيم فيها حتى نبني منزلنا من جديد، فذلك أفضل من التنقل بين منازل للإيجار أو المبيت عند أحد".
في بلدة بيت حانون، يجلس سمير المصري (37 عاماً)، داخل خيمة نصبها على مقربة من ركام منزله. في الحي نفسه، دمرت بيوت أربعة من جيرانه، واحد منهم فقط نصب خيمة على مقربة من بيته الذي بقيت منه غرفة واحدة، ووضع النايلون والأقمشة قرب الركام.
لا يفضل المصري وأسرته ترك المنطقة، على الرغم من كل المعاناة. يشير إلى أن جيرانه الذين لم تتضرر منازلهم أتاحوا له استخدام الحمام. وأحياناً، يقيمون مائدة طعام جماعية. يقول لـ"العربي الجديد": "البعض يعتبر وجودنا فوق الركام مؤذياً نفسياً. لكن لا يمكننا ترك البيت والذهاب إلى أحياء أخرى. في أي لحظة، قد تصير غزة كلها عبارة عن عائلات مشردة في حال اشتد القصف الإسرائيلي. ولا أملك المال لاستئجار شقة أسكن فيها مع أطفالي الأربعة ووالدتي وأشقائي الأربعة". يضيف: "لا أريد الاعتماد على سكن بالإيجار وعلى مانحين. سكان غزة لا يثقون في أحد. أنتظر إزالة الركام لأنصب خيمة أكبر في المنزل الذي كان مكوناً من ثلاثة طوابق".
مشهد الركام والخيام ليس غريباً على الغزيين. خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في ديسمبر/ كانون الأول عام 2008 ويناير/ كانون الثاني عام 2009، منحت منظمات دولية الغزيين خياماً كبيرة للإقامة فيها داخل تجمعات بالقرب من أحيائهم المدمرة، وخصوصاً في شمال قطاع غزة، بعدما تعمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي تدمير مناطق بأكملها لإتمام العملية البرية حينها. وهدمت قوات الاحتلال أكثر من 4100 مسكن بالكامل، فيما تضرر 17 ألف مسكن جزئياً، بحسب إحصائيات لجنة توثيق الحقائق التابعة للحكومة الفلسطينية، والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وفي العدوان الثاني عام 2012، هدمت 200 منزل بالكامل و1500 جزئياً. وفي العدوان الثالث عام 2014، دمرت 12 ألف مسكن بالكامل، فيما بلغ عدد تلك المهدمة جزئياً 160 ألف وحدة.
وخلال العدوان الأخير، الشهر الماضي، بلغ عدد الوحدات السكنية المتضررة 16.800 وحدة سكنية. أما تلك التي تعرضت للهدم الكلي ولأضرار كبيرة ولم تعد صالحة للسكن، فبلغ عددها 1800 وحدة سكنية، منها 1000 دمرت بالكامل، فيما دمرت خمسة أبراج سكنية بالكامل.
خلال العدوان الإسرائيلي الثالث عام 2014، منح عدد من الدول الخارجية كرفانات من الصفيح الحديدي للأسر التي دمرت منازلها بالإضافة إلى الخيام. لكن نتيجة عدم ثقة الغزيين بالمانحين، اضطر الغزيون إلى نصب خيام بأدوات بسيطة لحماية أنفسهم من أشعة الشمس والبقاء قرب ركام منازلهم.
أبو يحيى اللوح (50 عاماً)، يقيم في منطقة الدحدوح، غرب مدينة غزة، وقد دمر منزله في منطقته الزراعية. يرفض مغادرة منزله، ويقف على الركام مع أبنائه، هو الذي يود البقاء في المنطقة إلى جانب شجرة الزيتون التي صمدت في منزله. نصب خيمة صغيرة صممها بواسطة بعض الأقمشة والحصائر لتحميه وعائلته من أشعة الشمس. ذلك أفضل بالنسبة إليه من البقاء وسط مدينة غزة والازدحام.
لكن اللوح لا يثق بسرعة إعادة الإعمار، وخصوصاً بعدما دمر منزل شقيقه في المنطقة نفسها خلال عدوان 2014، واحتاج لأكثر من ثلاث سنوات لإعادة إعماره. بقي يتنقل بين بيوت الإيجار وينتظر الحصول على بدل مادي من الجهات المانحة أشهراً عدة. لذلك، لا يأمل بسرعة إعمار منزله رغم الأخبار التي تنتشر عن وجود نية لإعادة الإعمار بسرعة برعاية مصرية.
يقول لـ"العربي الجديد": "أقف قرب منزلي فوق الركام، إلى أن يأتوا لإزالته. لا أرغب في ترك المكان، وسأبني غرفة صغيرة نجلس فيها أنا وأسرتي على أن أترك المكان. أحب الهدوء والزراعة والشجر، حتى لو أن العدوان الإسرائيلي قضى على كل شيء، على الرغم من أن كثيرين من عائلتي استعدوا لاستقبالي. لكن هذا حالنا كفلسطينيين من النكبة حتى اللحظة. لذلك، أنا باق في الأرض".