استمع إلى الملخص
- **تحديات العمل في بيئة النزوح:** يواجه الصيادلة تحديات كبيرة في العمل داخل الخيام والأسواق المفتوحة، مثل توفيق المجايدة وإيهاب انعيم الذين اضطروا لافتتاح صيدليات مؤقتة لتلبية احتياجات السكان.
- **تأثير العدوان على مهنة الصيدلة:** العدوان الإسرائيلي دمر البنية التحتية للصيدليات، مما أجبر الصيادلة على العمل في ظروف غير ملائمة، مما أثر على جودة الأدوية وغياب الرقابة النقابية والحكومية.
لم تعد خيام النازحين في غزة مراكز إيواء فقط، حيث أصبحت مستشفيات وصيدليات ومراكز لكسب العيش في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على القطاع، كما هو الحال مع الصيدلاني الفلسطيني توفيق المجايدة الذي استعاض عن الرفوف الزجاجية الخاصة بصيدليته التي حَوّلتها الطائرات الحربية الإسرائيلية إلى رُكام، بأُخرى خشبية، داخل خيمة متواضعة، أنشأها إلى جانب خيمة النزوح التي تضم أسرته غربي مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة.
واتجه عدد من الصيادلة الفلسطينيين إلى افتتاح الصيدليات الصغيرة وبسطات بيع الأدوية الأساسية والمتوفرة، بعد تدمير الاحتلال لصيدلياتهم خلال العدوان المتواصل للشهر العاشر على التوالي، في مُحاولة لمواصلة العمل، وتوفير متطلبات عوائلهم بأبسط الإمكانات.
وتسبب العدوان الإسرائيلي والذي بدأ على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، باستشهاد وفقدان ما يزيد عن 48 ألف فلسطيني، واصابة 87 ألفا بجراح مُختلفة، إلى جانب تدمير أكثر من ثُلثي المباني والمُنشآت السكنية، والأبراج، والمُجمعات التي تضم مئات الصيدليات التي تُقدم خدماتها لنحو 2.3 مليون فلسطيني، يعيشون في القطاع الأكثر اكتظاظا في العالم.
وانتشرت ظاهرة افتتاح الصيدليات الصغيرة داخل الخيام، ومفترقات الطرق، وداخل الأسواق ومراكز الإيواء، في ظل النقص الحاد في الأدوية، نتيجة الإغلاق الإسرائيلي الكامل للمعابر المؤدية إلى القطاع، ومنع دخول المواد الأساسية، وأولها الكهرباء، والماء، والأدوية والمُستهلكات الطبية وزيادة التأثيرات السلبية للإغلاق بعد السيطرة الإسرائيلية الكاملة على معبر رفح مُنذ شهرين.
خيام النازحين في غزة.. صيدليات مؤقتة
ويوضح توفيق المجايدة أنه كسر حاجز الخجل، والإحراج، وافتتح صيدليته الصغيرة داخل خيمة مصنوعة من الأخشاب والأقمشة، بعد تدمير الصيدلية الخاصة به في حي النصر وسط مدينة غزة، والتي كانت تتميز بالحداثة، كما كانت تضُم أقساما للرعاية الأولية، ومختلف أصناف الأدوية العادية، والخاصة بالأمراض المُزمنة، والمضادات الحيوية والمراهم ومستحضرات التجميل، إلى جانب تقديم خدمات الصيدلة والحقن والتغيير في الجروح.
ويلفت المجايدة لـ "العربي الجديد" إلى أن إقامة الصيدلية بشكلها الحالي جاء بعد الطلب المُتكرر من جيرانه في النزوح بإقامتها، وذلك لسببين رئيسيين، يرجع الأول إلى عدم قدرتهم على الحصول على الأدوية لحظة احتياجها، بفعل انعدام وسائل النقل، بينما يتمثل الثاني في حاجته لإيجاد مصدر دخل يعينه على أعباء النزوح، خاصة في ظل الارتفاع الحاد بالأسعار.
ويلفت المجايدة والذي اضطر للنزوح برفقة عائلته، من مدينة غزة بفعل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة بضرورة النزوح نحو المناطق الوسطى والجنوبية، إلى مدى صعوبة العمل في بيئة مُختلفة عن البيئة الطبيعية للعمل الصيدلاني، "إلا أن التدمير شبه الكامل للمدينة اضطرنا إلى إيجاد حلول بديلة، وإن كانت أكثر قساوة، وأقل نجاعة".
وينشغل الصيدلاني إيهاب انعيم في تصفيف أنواع الأدوية على بسطة في سوق دير البلح، قام بتظليلها بمظلة محمولة لحمايتها إلى حد ما من أشعة الشمس المباشرة، ويقول إنه افتتح البسطة منتصف شهر يونيو/ حزيران الماضي، بعد تعطله عن العمل مُنذ بداية الحرب، بفعل تدمير منزله وصيدلته في حي الرمال وسط مدينة غزة، ونزوحه مع أسرته على وقع القصف والانفجارات.
وعلى الرغم من ثقته بأن إقامة الصيدليات داخل المحال أفضل بكثير، سواء على جودة الأدوية، وفاعليتها، كذلك على بعض الأصناف التي تتطلب رعاية خاصة، في خزانات مُغطاة، وبعيدة عن أشعة الشمس والحرارة والضوء، إلا أن الوضع العام للنزوح، وانعدام وجود حواصل للإيجار، أو الارتفاع الخيالي في أسعار الإيجارات دفعه إلى افتراش إحدى جنبات السوق، مع أخد أقصى درجات الحيطة، حفاظا على جودة الأدوية والمستلزمات التي يعرضها.
في الإطار ذاته، تحدث مسؤول منتدى الصيدلي الفلسطيني سلامة شلّح عن الفرق الكبير بين بيع الأدوية في نقاط طبية بإشراف صيادلة مختصين، وبين التجمعات العشوائية التي يقيمها باعة متجولون لبيع الأدوية بطريقة غير مُناسبة، بحجة خدمة الناس، وهو أسلوب غير صحي ويطعن في جودة الأدوية، وتقديم الخدمة الصحية والطبية للناس، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، وتأثُر مجموعة من المُستحضرات بالحرارة وأشعة الشمس، إذ تعتمد في الوضع الطبيعي على أساليب تخزين صحيحة للحفاظ على فعالية الدواء.
ويلفت شلّح في حديث مع "العربي الجديد" إلى اجتهاد بعض الصيادية الذين فقدوا صيدلياتهم في إنشاء الخيام لتقديم الخدمة الصيدلانية، في ظل الارتفاع الشديد بأسعار الإيجارات، علاوة على انعدام وجود أماكن مناسبة، فيما اقتسم الجزء الآخر الخيام التي ينامون فيها لتقديم الخدمة، وإحياء صيدلياتهم التي دمرتها قوات الاحتلال خلال الحرب.
ويوضح شلّح أن العدوان الإسرائيلي تسبب بتجريد مهنة الصيدلة في الوقت الحالي من أصولها، حيث كانت تحتكم إلى قانون مزاولة المهنة، وشروط مُحددة لهيئة ومساحة الصيدلية، إلى جانب مُساهمة الحرب في ذوبان كل المؤسسات والأمور القانونية وغياب الرقابة النقابية والحكومية، وقد باتت المهمة تحتكم إلى ضمير كل صيدلي وأخلاقه.