حي الزيتون... أكبر أحياء مدينة غزة يتعرض للإبادة

غزة

أمجد ياغي

avata
أمجد ياغي
27 فبراير 2024
حي الزيتون بغزة.. تاريخ شاهد على حضارة فلسطين ووحشية الاحتلال
+ الخط -

يشهد حيّ الزيتون، أكبر أحياء مدينة غزة، حملة إبادة جماعية إسرائيلية متواصلة، يستخدم فيها جيش الاحتلال القصف الجوي والمدفعي، وتكرار الاجتياح عبر الآليات العسكرية التي تنتشر على طول الشريط الشرقي للحيّ القريب من السلك الفاصل عن مستوطنات غلاف غزة.
وتعرّض الحيّ لمجازر متعددة، ودُمِّرَت مربعات سكنية كاملة داخله، ما أدى إلى استشهاد العشرات ممن أمكن حصرهم، أو وصلت جثامينهم إلى المستشفيات عبر طواقم الإسعاف والدفاع المدني، في حين لا تزال جثامين شهداء آخرين تحت الأنقاض. كذلك أعدم جنود الاحتلال الكثيرين أمام ذويهم، بمن فيهم أطفال، كما حصل مع الطفل هاني عزام (19 شهراً)، الذي أُعدِم أمام والدته في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
واجتاح جيش الاحتلال حيّ الزيتون لأول مرة في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ودمّر العديد من المنازل والمنشآت الصناعية والتجارية، وجرف الأراضي الزراعية، وأجبر بعض السكان على النزوح، فتوجهوا إلى وسط مدينة غزة التي كانت أولى وجهات النزوح، ثم أعاد الاحتلال الهجوم على الحيّ في الشهر التالي، لكنه شهد الهجوم الأكبر في نهاية العام الماضي، وفي هذا الاجتياح جرت مجازر كبيرة.
وصل عبد الحميد أبو حمد من حيّ الزيتون إلى مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة، صباح السبت 24 فبراير/ شباط، حاملاً شقيقه من ذوي الإعاقة، وكان معه زوجته وابنتاه، بعد أن نجا من تدمير الاحتلال الشوارع المؤدية إلى شارع وادي العرايس، وكذلك منازل الشارع، وحصر خروج الغزيين في نقاط محدودة، كذلك اعتقل المئات منهم.
يقول أبو حمد (50 سنة) لـ"العربي الجديد"، إنه أحد الذين نزحوا إلى وسط مدينة غزة في نهاية العام الماضي بعد ارتكاب الاحتلال مجازر في حيّ الزيتون، لكنه عاد إلى الحيّ مجدداً في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد انسحابات جزئية للاحتلال. يضيف: "حين عدنا إلى الحيّ، شاهدنا مشاهد فظيعة، إذ كانت جثامين العديد من الشهداء متحللة في الشارع، وداخل البنايات، ومعظم المنازل متضررة جزئياً، وبعضها مدمرة كلياً، وارتكب جيش الاحتلال مجازر بحق عائلات كاملة، وبعض العائلات استشهدت تحت أنقاض منازلها، ولم يكن من الممكن استخراج الجثامين من تحت الركام".

دمر الاحتلال الإسرائيلي مربعات سكنية كاملة داخل حيّ الزيتون

يتابع: "هربت الكثير من العائلات من الحيّ بعد تكرار المجازر، إذ أصبح واضحاً أن الاحتلال يريد إفراغه واحتلاله بالكامل، وحين كنا نحاول النزوح، كانت الطائرات المسيَّرة (كواد كابتر) موجودة بكثرة في سماء منطقة الشمعة في الجزء الغربي من الحيّ، وكانت تطلق النار باتجاهنا في بعض الأحيان، واستُشهد بعض من دخلوا إلى تلك المنطقة هرباً من القصف المدفعي. تعرّض سكان حيّ الزيتون لجرائم بشعة، وقد خدعنا الاحتلال بانسحابه الجزئي من بعض المناطق، وعندما عدنا إلى الحيّ، عاود مهاجمتنا".
ومن حيث المساحة، يعتبر حيّ الزيتون أكبر أحياء مدينة غزة على الإطلاق، إذ تبلغ مساحته 9.156 ملايين متر مربع، وهو ثاني أكبر الأحياء من حيث عدد السكان، وهو يقع في قلب المدينة في المنطقة المعروفة محلياً باسم البلدة القديمة، التي كان اسمها قديماً "تلة غزة". وحسب مركز المعلومات الفلسطيني الرسمي، فإن الحيّ أحد أقدم مناطق المدينة المتجذرة في عمق التاريخ الفلسطيني، التي تعاقبت عليها حضارات عدة، وتضمّ الآثار التي عُثر عليها في الحيّ أدلة على وجود الحضارات الكنعانية والرومانية واليونانية والبيزنطية والمملوكية والآشورية. 

فقد الآلاف منازلهم في أحياء مدينة غزة (فرانس برس)
فقد الآلاف منازلهم في أحياء مدينة غزة (فرانس برس)

وكان جزء من الحيّ يضم أسواقاً تاريخية، والحي القديم جزء من حيّ الدرج التجاري في المدينة التاريخية، وكانا خلال الحرب العالمية الأولى يمثلان كتلة عمرانية واحدة، قبل تقسيم الشوارع الرئيسية مع تمركز الجيش الإنكليزي في مدينة غزة عقب انتهاء الحقبة العثمانية.
وخلال الأيام الثلاثة الأخيرة، دمر قصف الاحتلال العديد من المباني السكنية، من بينها منزلا عائلتي الغرابلي والعايدي في منطقة أرض بركات المقابلة لشارع صلاح الدين، ومنازل تعود لعائلات دلول ورحيم والراعي.
نزح محمد دلول (40 سنة) إلى مدينة دير البلح بأعجوبة، وهو لا يعلم إن كان شقيقاه حسام وعبد الله حيَّين أو شهيدين، وقد استشهد سابقاً عدد من أفراد عائلته. يقول لـ"العربي الجديد": "نجوت مع طفلَيَّ الاثنين وزوجتي، وعلمت أن والدتي وشقيقتي وصلتا إلى مجمّع الشفاء الطبي في وسط مدينة غزة، وقد دمر الاحتلال كل المنازل القريبة من الشارع العام، وخلال نزوحي شاهدت الكثير من النازحين من مناطق حيّ الزيتون، وشاهدت الآليات العسكرية تملأ الحيّ، وتدمير أغلب المنازل الواقعة بمحاذاة الحدود الشرقية وصولاً إلى شارع صلاح الدين، وقد أصبحت الكثير من المناطق فارغة من شدة الدمار".
يضيف: "غادر سكان المنازل القريبة من الحدود الشرقية في حيّ الزيتون منذ الشهر الأول للعدوان، لكن الاحتلال لاحقنا بمجازر متعددة، حتى وصل إلى شارع صلاح الدين، ودخل من اتجاه الغرب، ودمر المنطقة بالكامل، والمجازر الأخيرة فاقمت حجم الدمار في الحيّ. مسح الاحتلال المنازل والمصانع وجرف الأراضي الزراعية. كل شيء بات مدمراً".

دمار لا يمكن وصفه طاول أحياء مدينة غزة (فرانس برس)
دمار لا يمكن وصفه طاول أحياء مدينة غزة (فرانس برس)

ويعتبر حيّ الزيتون أحد أبرز الأحياء التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي خلال الانتفاضة الثانية التي اندلعت في عام 2000، وطاوله الدمار خلال مرات العدوان المتكررة، وتعرّض لاجتياحات متكررة، ويشتهر الحيّ بمزارع الزيتون المنتشرة على طول الخط الشرقي، والكثير من الأراضي الزراعية المتاخمة له معروفة بخصوبتها، وتُعَدّ الأنسب لأشجار الزيتون، لكن عدوان الاحتلال كان يستهدف مزارع الزيتون في كل مرة، ويدمر معها معاصر الزيتون التي تعتبر من أقدم معاصر قطاع غزة.
ينتمي المسن الفلسطيني معين عياد (70 سنة) إلى إحدى العائلات "الزواتنية" المعروفة في قطاع غزة، والتي تُشتهر بأنها أصحاب المنطقة منذ عدة قرون، ويعتبر أحد رجال حيّ الزيتون الذين يحظون بالاحترام والتقدير، لكنه اليوم نازح في إحدى مدارس الإيواء بمدينة رفح. يتمتع الجد معين بذاكرة جيدة، ويتذكر الانتهاكات الإسرائيلية التي عايشها طوال السنوات الماضية، وهو يملك أرضاً تضم عشرات أشجار الزيتون، الذي كان على مدار عقود يجمعه ويبيعه في موسم الحصاد في بداية الخريف، وقد ألحق الاحتلال به الكثير من الخسائر سابقاً، لكنه ظل صامداً رغم ذلك.
يقول عياد لـ"العربي الجديد": "يحاول الاحتلال منذ حرب النكسة أن ينهي وجود حيّ الزيتون، وتدمير مناطق المزارعين في غزة، فهو لا يريد للثروة الزراعية أن تستمر، وشجرة الزيتون تحديداً تثير غضب الجنود لأنها مرتبطة بالحق في الأرض، ومرتبطة بالنضال الفلسطيني، وهي شعارنا الدائم. والحيّ ملاصق للحدود المزعومة مع غلاف غزة، والاحتلال لا يريد أن يقوم فيه أي تكتل سكاني".

يضيف: "واجه الاحتلال دائماً مقاومة من سكان حيّ الزيتون، وقد عايشت هذا طوال حياتي، والحيّ هو الأكبر في قطاع غزة، وبالتالي فهو لقمة صعبة في حلق الاحتلال، ويحاول التخلص منه على مدار سنوات، وفي كل عدوان كان يتعمد إدخال آلياته عبر الحدود، ويحاول طردنا من المنطقة حتى يسيطر عليها، لكننا كنا نقاوم دائماً".
وحيّ الزيتون أحد أبرز أحياء قطاع غزة التي شهدت تكرار المجازر الإسرائيلية، وكانت أولى المجازر في العدوان الأول، في الرابع من يناير 2009، وجرت بحق عائلة السموني، وراح فيها 42 شهيداً، وفي العدوان الثاني عام 2012، قصف الاحتلال عدداً من منازل الحيّ، ما أوقع عدداً من الشهداء، وتكرر الأمر في عدوان عام 2014، وفي عدوان 2021، لكن الاحتلال يحاول خلال العدوان الحالي تدمير الحيّ تماماً، وجعله منطقة غير صالحة للسكن في المستقبل.
وأُطلق على الحيّ هذا الاسم لكثرة أشجار الزيتون التي كانت تغطي معظم أراضيه الجنوبية، والتي دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي مساحات كبيرة منها خلال الاجتياحات التي تكررت قبل الانسحاب من غزة في عام 2005، وطاولها الدمار خلال مرات العدوان المتكررة على القطاع، لكن بقيت أعداد كبيرة من الأشجار قائمة، وبعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دمر الاحتلال الكثير منها خلال تجريف الأراضي الزراعية.

ذات صلة

الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
الصورة
فرق الدفاع المدني في غزة/2 أكتوبر 2024(الأناضول)

مجتمع

أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة، مساء الأربعاء، توقف عمله بالكامل في محافظة شمال القطاع، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني هناك بات كارثياً.
الصورة
جنود الاحتلال في مدينة غزة شمالي القطاع / 27 يناير 2024 (Getty)

سياسة

وقع 15 جندياً على رسالة أعلنوا فيها أنهم سيرفضون مواصلة الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي دون إبرام صفقة لتحرير المحتجزين في غزة.
الصورة
واجهة زجاجية مهشمة في إحدى غرف مستشفى بيروت الحكومي (حسين بيضون)

مجتمع

تواجه المستشفيات في لبنان تهديدات إسرائيلية تذكر اللبنانيين بما شهدوه في قطاع غزة على الشاشات، ويسعى المعنيون إلى مناشدة المسؤولين الدوليين لتحييدها
المساهمون