في خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة، تحديداً في الثاني عشر من مايو/ أيار الجاري، استهدف الاحتلال الإسرائيلي برج الوقائي الواقع في وسط شارع المخابرات غربي مدينة غزة، فدمّره. أغلق ركام البرج الشارع، لكنّ ذلك لم يمنع هشام الجاروشة (33 عاماً) من استقبال زبائنه الراغبين في الحلاقة بالقرب من صالونه الذي دُمّر بدوره. ولأنّ صالون الحلاقة الذي كان مقصوداً بكثرة من قبل سكان المنطقة، يُعَدّ مصدر رزق الجاروشة الوحيد، قرّر استئناف عمله على الرغم من الدمار بعد أسبوعَين من استهدافه. فهو أب لولدَين، زينة (ثمانية أعوام) وعمر (أربعة أعوام)، وفي حاجة إلى تأمين لقمة عيشهما.
هكذا، وضع الجاروشة كرسيّاً ومرآة إلى جانب لافتة صالونه المتضرّرة بشكل كبير، وراح يستقبل زبائنه فوق الركام. ويستعيد محطات من العدوان الإسرائيلي، لا سيّما عندما استُهدف صالون الحلاقة. ويخبر: "قبل عيد الفطر بيوم واحد، دُهشت صباحاً من إقبال الزبائن على الصالون من أجل التهيؤ لعيد الفطر. كثر لم يظنّوا حينها أنّ العدوان سوف يستمرّ لأيام وأنّه سوف يدمّر مباني وأبراجاً كثيرة. بالنسبة إليهم، كان الأمر تصعيداً إسرائيلياً كالمعتاد في خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بالتالي لن يدوم أكثر من يومَين أو ثلاثة قبل أن تُعلَن هدنة". يضيف الجاروشة "لكنّ الصورة تغيّرت عند ظهر ذلك اليوم. فقد أبلغنا حارس البرج بأنّه تلقّى اتصالاً من ضابط إسرائيلي طلب منه تحذير الناس لإخلاء منازلهم وأماكن عملهم في مهلة أقصاها 10 دقائق". ويتابع "كان الصالون ممتلئاً. طلبت من الشاب الذي أحلق له أن يهرب سريعاً، وتوجّهت إلى المنزل لاصطحاب زوجتي وولدَينا. وقفنا في الشارع بعيداً عن البرج، وإلى جانب الشاب الذي طلبت منه الفرار. كان صابون الحلاقة ما زال على ذقنه، في حين كان يبكي ويترقّب ما سوف يحصل. وبعد ساعة، وقع الدمار".
ويقول الجاروشة إنّه من غير السهل أن "تنظر إلى حلمك ومصدر رزقك وهو ينهار"، علماً أنّ عشرات يعتمدون على ما يؤمّنه الصالون من مدخول. يضيف "فيه كنّا نقضي وقتاً أكثر من ذلك الذي كنّا نقضيه في منازلنا. وما أسهل على الضابط الإسرائيلي أن يحدّد الهدف بدقيقة فيقضي على أحلامنا كلّنا. حتى منزلي المجاور للمبنى المدمّر، تضرّر وتحطّم الزجاج والأبواب وبعض الأثاث والأجهزة الكهربائية".
يُذكر أنّه لم يمضِ أكثر من عام تقريباً على تجديد الجاروشة صالونه. هو قام بذلك بعد عيد الفطر في العام الماضي. صحيح أنّه يسكن بالإيجار ولا يملك المال لشراء منزل، لكنّه حينها جدّد صالونه بهدف جذب الزبائن أكثر. أمّا اليوم، فيقدّر خسارته في الصالون بأكثر من 15 ألف دولار أميركي، إذ لم يعثر على أيّ من أدواته تحت الركام، بل فقط على اللافتة الأمامية المتضررة.
بعد أسبوعَين من العدوان، قرّر الجاروشة العودة إلى العمل فوق الركام، ليثير مفاجأة. فهو لا يرغب في البقاء في المنزل المتضرر من دون عمل، مؤكداً أنّ "العودة إلى العمل على الرغم من الدمار هي رسالة تحدّ، وتعبّر عن عزيمة أفرضها على نفسي أمام الجميع وأمام الاحتلال". وعودته تلك لفتت أنظار زبائنه ومن يرغب في دعمه، فقصده كثيرون للحلاقة فوق الركام.
وكان الجاروشة قد عمل في صالونات حلاقة عدّة، علماً أنّه بدأ بتعلم المهنة قبل 15 عاماً قبل أن يصير معروفاً في المنطقة وكذلك في حيّ الشيخ رضوان وحيّ النصر ويقصده زبائنه من مناطق مختلفة مثل مخيم الشاطئ ومناطق شمال قطاع غزة. وقبل خمسة أعوام، بدأ يعمل في الصالون الذي دُمّر مع أربعة حلاقين آخرين، وهم جميعهم يعتمدون كلياً على ما يجنونه فيه.
وعندما قرّر الجاروشة استئناف العمل فوق الركام، وفّرت له زوجته آسيا البهتيني عدداً من الأدوات اللازمة من صالون تعمل فيه، وساندته في خطوته تلك. من جهة أخرى، عرض عليه صديق له يملك سوبرماركت بالقرب من البرج المدمّر، أن يستقبل زبائنه في مساحة يخصّصها له في متجره. بذلك يدعمه لمواصلة عمله في حال بدأت لجان الإعمار في غزة بإزالة الركام.
ويؤكد الجاروشة "أقوم بعملي وأنا فخور بنفسي، ولن يهزمنا الاحتلال الإسرائيلي حتى لو أرعبنا. فأنا أب ومن الطبيعي أن أخاف على ولدَيّ". واليوم، ينتظر التعويض لإعادة بناء الصالون وينوي تخصيص يوم مجاني للحلاقة لكلّ من دعمه ويدعمه في الفترة الحالية، لكنّه لا يخفي في الوقت نفسه شعوره بخوف كبير. فأصدقاء له دُمّرت منازلهم في العدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2014 وانتظروا أعواما قبل إعادة إعمار ما تهدّم، لأنّ الاحتلال كان يفرض رقابة شديدة عليهم.