في خضمّ الصراع بين السلطات التشريعيّة المصريّة من جهة، والحقوقيّين من جهة أخرى، حول مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، صدر حكم قضائي قد يحدث فرقاً في المستقبل القريب، وهو حكمٌ يجيز للأم استخراج شهادة ميلاد لأبنائها.
وقضت المحكمة الإدارية العليا المصرية، في يونيو/ حزيران الجاري، بعدم الطعن بحكم محكمة القضاء الإداري في الإسكندرية، بأنّه "لا يجوز للزوج وأهله إهانة زوجته وحرمانها من حقها في استخراج شهادة ميلاد المولود، والخلافات الزوجية أثناء الحمل لا تحرم الزوجة من حق المولود في أوراقه الثبوتية". وصدر الحكم القضائي بعدما أقامت الزوجة وتدعى "ر.أ." دعوى قضائية ضد زوجها "أ.ع." على خلفية نشوب خلافات بينهما أثناء فترة حملها. وكانت عرضة للإذلال والإهانة من قبل زوجها وأهله خلال تلك الفترة، وصبرت حتى فاض بها الكيل. ثم تركت منزل الزوجية وهي حامل، وذهبت إلى بيت أهلها وأنجبت ابنها "ن". إلاّ أنّ زوجها أبلغ مكتب الصحة في دمنهور (شمال شرقي محافظة البحيرة الواقعة أقصى شمالي البلاد) أنّ تسجيل المولود يجب أن يكون عن طريقه وحده من دون زوجته، فحررت له محضراً بالواقعة، وتوالت الإجراءات القانونية حتى صدور هذا الحكم.
ويثبت النسب في مصر طبقاً للمادة 15 من قانون الأحوال الشخصية رقم 100 لعام 1985، بالفراش وهو الزواج الرسمي. والبينة في حالة الزواج العرفي هي أن يقرّ الأب بالنسب. ولا يثبت النسب في حالة الزنا، لأنّه ناتج عن علاقة غير شرعية، وتحليل البصمة الوراثية يقوم مقام الشهود في حالة الزواج العرفي. وفي حالة إنكار الأب ورفضه إجراء التحليل الجيني، يعتبر القضاء الأمر إقراراً ضمنياً بالنسب.
واستندت حيثيات الحكم إلى العديد من النصوص القرآنية والسنّة النبوية، بالإضافة إلى نصوص الدستور والقانون المصري والدولي في هذا الإطار. وتفيد المحكمة أنّ "الدستور ارتقى بحقوق الطفل وجعل لكلّ طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية وألزم الدولة في جميع أجهزتها أن تعمل على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل في الإجراءات كافة التي تتخذ حياله، ولكلّ طفل الحق في أن يكون له اسم يميزه. ويسجل هذا الاسم عند الميلاد في سجلات المواليد وفقاً لأحكام هذا القانون. كما يجب التبليغ عن المواليد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الولادة، كما أنّ التبليغ عن المولود ليس حكراً فقط على والد الطفل إذا كان حاضراً، بل تشاركه أيضاً والدة الطفل شرط إثبات العلاقة الزوجية". وهذا يعني أنّ امتناع الجهة الإدارية عن إثبات واقعة ميلاد الطفل "ن" في السجلات المعدة لقيد المواليد مخالف مخالفة جسيمة لأحكام الدستور وعدوان صارخ على ما هو ثابت للطفل من حق دستوري.
وفي الوقت الذي ينتصر القضاء المصري للمرأة المعيلة، ما زال مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد يواجه رفضاً مجتمعياً واسعاً في الأوساط السياسية والحقوقية، ودعوى قضائية تدفع بعدم دستورية بعض نصوصه، أولها من المقرر أنّ ينظر في جلسة 11 يوليو/ تموز المقبل. وترى جهات حقوقية ونسوية ومواطنون أنّ القانون الجديد "لا يرى المرأة شخصية قانونية من الأساس" و"فلسفة القانون لا ترى النساء شخصيات قانونية مستقلة" بحسب مراقبين. وطبقاً لمسودة القانون الجديد، "رُفعت ولاية المرأة عن أولادها. ولم تعد لها صفة قانونية بالتوقيع على إجراء عملية لأطفالها، أو صفة قانونية لاستصدار جواز سفر لأبنائها حتى في حالة سفر الزوج، أو استصدار بطاقة رقم قومي (هوية للأبناء)، ولا التقديم لهم في المدارس".
بالتالي، فإنّه كان يمكن لقصة الطفل نور أن تكون ضمن أكثر من 20 ألف قضية طفل مجهولي النسب في مصر، لم تستخرج لهم شهادات ميلاد، طبقاً للأرقام الصادرة عن الائتلاف المصري لحقوق الطفل، فقط نتيجة تعنت الأب في إثبات نسب ابنه، مكايدة لطليقته.
وتشير إحصائيات وزارة التضامن الاجتماعي، إلى أنّ في مصر 448 دار أيتام، تضم أكثر من 10 آلاف طفل، من بينهم 82 في المائة مجهولو النسب، قبل الحديث عن الأطفال خارج تلك الدور، ممن يعيشون في الشوارع غالباً.
من هنا، تتعالى الأصوات الحقوقية المطالبة بضرورة تطبيق البصمة الوراثية للأطفال بمجرد ولادتهم، سواء في إخطار الولادة المستخرج من المستشفيات والعيادات ووضع في شهادات الميلاد وتسجيلها في قواعد بيانات الميلاد، إذ يحقّ للأطفال مجهولي الأبوين الحصول على الاعتراف بالشخصية القانونية، ولهم الحق في الاسم الجزافي، واستخراج بطاقة الرقم القومي، حرصاً على إنسانيتهم وحفاظاً على آدميتهم من التشرد والضياع.
وتنص المادة رقم 20 من قانون الطفل المصري، أنّه "على كلّ من عثر على طفل حديث الولادة في المدن أن يسلمه فوراً بالحالة التي عثر عليه بها إلى إحدى المؤسسات المعدة لاستقبال الأطفال حديثي الولادة أو أقرب جهة شرطة التي عليها أن ترسله إلى إحدى المؤسسات، وفي الحالة الأولى يجب على المؤسسة إخطار جهة الشرطة المختصة".
وسبق أن أعلنت أكثر من 300 منظمة نسوية وشخصية عامة، رفضها التام تعديلات قانون الأحوال الشخصية المقترحة من الحكومة، والمعروضة على مجلس النواب تمهيداً لإقرارها. وقالت إنّه شمل تعديلات "تم إعدادها في الظلام من خلف ظهر المجتمع المدني، خصوصاً المنظمات النسوية والحقوقية. وهي سياسة متعمدة اتبعتها كلّ الحكومات والمجالس النيابية في السنوات السبع الأخيرة، إزاء كلّ مشاريع القوانين الحيوية ذات الصلة بتطور المجتمع المصري".
وجاء في البيان أنّ "إقرار حق الولاية للنساء على أنفسهن وأطفالهن ضرورة ومطلب أساسي، ومشروع قانون الأحوال الشخصية المقدم إلى البرلمان في فبراير/ شباط 2021، جاء به العديد من النصوص التمييزية التي تنفي عن النساء الأهلية القانونية بالمخالفة للدستور وللواقع المعاش للنساء المصريات في القرن الواحد والعشرين". أضاف الموقعون على البيان: "نحن الآن في أمس الحاجة إلى قانون يحقق العدالة لجميع أفراد الأسرة ويحافظ على المصلحة الفضلى للأطفال، قانون يقر بولاية المرأة الرشيدة على نفسها وأطفالها، قانون ينظم إجراءات الزواج والطلاق والنفقة والحضانة أمام المحكمة على أساس العدل والرحمة وعدم التمييز".