حرب على العصابات في السلفادور

31 اغسطس 2022
تتواصل حملات اعتقال أفراد العصابات في السلفادور (ألكس بينا/الأناضول)
+ الخط -

عمق انقلاب 1979 العنف الاجتماعي في السلفادور بعد أن كان لسنوات قاصراً على حركة التمرد "فابوندو مارتي" التي كانت تتصارع مع جيش وشرطة البلاد، فضلاً عن مجموعات من المرتزقة القادمين من الخارج.

ونتج عن ذلك العنف المجتمعي تحولات قاسية، منها انتشار عنف العصابات، ليزيد ذلك من مشكلات البلد الذي قتل أكثر من 75 ألفا من سكانه، إضافة إلى عشرات آلاف المختفين والمفقودين، في النزاع المسلح الذي اندلع في 1980، وانتهى بتوقيع اتفاقية بين الأطراف في المكسيك عام 1992.
في إبريل/ نيسان الماضي، بدأت سلطات السلفادور بقيادة رئيسها المثير للجدل نجيب بوكيلة (40 سنة) وهو من أم سلفادورية وأب فلسطيني الأصل، ما يمكن اعتباره "إعلان حرب على العصابات"، بعد أن حصد عنفها أرواح المئات.
اتهم الرئيس بوكيلة في أواخر العام الماضي، من قبل وزارة الخزانة الأميركية بأن لديه علاقة خفية مع أشهر عصابات البلاد، وأنه استفاد منها في حملاته الانتخابية، الرئاسية ثم البرلمانية، وفرضت الحكومة الأميركية عقوبات على العصابات، والمرتبطين بهم وفق "قانون ماغنيتسكي".
من أخطر التهم التي وجهت إلى بوكيلة عرضه على كبريات عصابات الشوارع حوافز مالية لخفض عدد جرائم القتل بهدف مساعدة حزبه "نويفاس آيدياس" على الفوز في الانتخابات البرلمانية، وبالفعل هيمن الحزب على البرلمان. 
وسارع بوكيلة إلى النأي بنفسه عن الاتهامات، منتهجاً سياسة متشددة إزاء العصابات، تشبه تلك التي نفذها الرئيس الفيليبيني السابق، رودريغو دوتيرتي، بهدف "تطهير البلاد من العصابات وتجارة المخدرات"، وشملت عمليات تصفية خارج القانون على يد رجال الشرطة. 
واستغل بوكيلة الغضب الشعبي بعد مقتل نحو 80 شخصا نتيجة عنف العصابات في 27 مارس/ آذار الماضي، وأعلن حالة الطوارئ التي تسمح للشرطة باعتقال الأشخاص من دون مذكرة اعتقال، وقدر عدد المعتقلين منذ ذلك الحين، بنحو 46 ألفا. ومن الغريب، أن الرجل فاز بانتخابات الرئاسة في 2019، بنسبة 53 في المائة من الأصوات، وتقدر التقارير حالياً نسبة مؤيديه في الشارع بنحو 85 في المائة.
لكن لم يكن كل من ألقي القبض عليهم من أفراد العصابات، بل توسعت الشرطة في عمليات الاعتقال لتشمل الآلاف، والتقديرات الإعلامية والحقوقية تذهب إلى أن 16 ألف فرد من أفراد العصابات كانوا فعلياً في السجون، وجرى خلال فترة قصيرة اعتقال نحو 9 آلاف آخرين.

الصورة
سجون السلفادور مكتظة بالمدانين (سانلي استرادا/ فرانس برس)
سجون السلفادور مكتظة بالمدانين (سانلي استرادا/ فرانس برس)

قد يبدو الرقم كبيراً في مجتمع تعداده صغير، لكن نظراً لعمق عالم العصابات في السلفادور، وكونها الأعنف في منطقة أميركا الوسطى والكاريبي، فإن عمليات "الحرب على العصابات" تستمر في جلب مزيد من المعتقلين من عناصر عصابات صنفت على أنها "تشكل تهديداً للأمن القومي"، ويطلق عليهم بوكيلة وصف "إرهابيون". 
وقبل فترة، عرض الرئيس عبر حسابه في موقع "تويتر" مقطعاً مصوراً يوثق بناء "مركز مكافحة الإرهاب"، ويظهر الشاحنات التي تحمل مواد البناء إلى المنطقة المقفرة الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي من الدولة، حيث يواصل العمال بناء أكبر السجون، والمقرر أن يتسع لـ 40 ألف معتقل، سيكونون منعزلين تماماً عن العالم الخارجي، ووعد بأن يكون جاهزاً في شهر سبتمبر/ أيلول. 

ولعل المثير في حالة السلفادور أن سنوات الحرب الأهلية (1980-1992) وفترة الانتقال من الديكتاتورية العسكرية لم تشكل فقط تربة خصبة للعصابات المحلية، بل ساهمت في احتضان أكبر العصابات الإجرامية الدولية، وأبرز عصابتين متنافستين هما "مارا سالفاتروشا" المعروفة اختصارا باسم "إم إس 13"، والتي تأسست في لوس أنجليس الأميركية على أيدي اللاجئين السلفادوريين والنيكاراغويين والغواتيماليين الفارين من الحروب الأهلية في بلادهم، وعصابة "باريو 18" التي يتميز منتسبوها بالوشوم الخاصة على الجسم والوجه، واستخدام لغة إشارة خاصة للتفاهم، وتعتبر الأخطر بسبب فروعها الدولية، ويقدر أنها تضم نحو 7 آلاف عضو دولي.
ومنذ صنفت واشنطن عصابة "إم إس 13" باعتبارها "منظمة إرهابية"، جعل بوكيلة الحرب عليها هدفاً يتجاوز الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب في السلفادور، حيث تهيمن العصابات على أحياء وضواح عدة، من بينها مناطق داخل العاصمة سان سلفادور. 

ويشير تشييد سجن كبير في فترة قياسية إلى أن عالم الجريمة والعنف بات مستفحلاً بوجود ما لا يقل عن 70 ألف عضو في العصابات، والتي لا تتنافس فقط على تجارة المخدرات، بل على فرض إتاوات، والاتجار بالبشر، وجرائم الخطف بهدف طلب فدية، والعمل كقتلة لمن يدفع المال لتصفية الخصوم، وغيرها من الجرائم.
ويظهر بعض أفراد العصابات في الأحياء الفقيرة باعتبارهم "حماة الفقراء"، وهو أسلوب تنتهجه معظم عصابات أميركا اللاتينية، وذلك لكسب التعاطف الشعبي، وإجبار السكان على العمل كوشاة للعصابات حين يلاحظون تنفيذ حملات أمنية.
وشددت سلطات السلفادور الأحكام على كل من يشتبه في انتمائه لعصابة، أو العمل لمصلحتها، فرفعت العقوبة من 9 إلى 45 عاماً في السجن.  
ومنذ اندلعت حروب عصابات الشوارع في السلفادور في عام 2012، لم ينخفض معدل جرائم القتل اليومية، لتسجل 14 جريمة قتل يومياً في المتوسط.
وعلى الرغم من كل مظاهر التشدد، تشكك منظمات دولية ومحلية بقدرة سلطات السلفادور على التخلص من العصابات التي باتت جذورها عميقة ومتشابكة مع الفساد الكبير الذي يعانيه البلد. 

المساهمون