جامعات أفغانستان... إقالة موظفين وانخفاض كبير في عدد الطلاب

27 سبتمبر 2021
فصل الصفوف بستار حلّ مثالي لـ"طالبان" (أمير قريشي/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يتفق الجميع داخل أفغانستان وخارجها على أن إجراءات حركة طالبان الخاصة بالتعليم، وأهمها على صعيد التدابير المتخذة في تعليم الفتيات، تقيّد عمل الجامعات، وبالتالي وضع الطلاب والموظفين فيها.

مضى نحو أسبوعين على إعلان حركة طالبان فتح الجامعات الخاصة في العاصمة الأفغانية كابول، واعتماد حكومتها لتصريف الأعمال آلية خاصة تجعل عملية التعليم في الجامعات "تستند إلى الشريعة الإسلامية". وكان وزير التعليم العالي الملا عبد الحق حقاني، قد أعلن في مؤتمر صحافي عقده في 12 سبتمبر/ أيلول الجاري أن الجامعات الرسمية ستفتح أبوابها قريباً بعد ترتيب أمورها المالية، واتخاذ تدابير في شأن مناهجها وترتيبات عملها.

ورفض الملا حقاني نظام التعليم المختلط، ووصفه بأنه "غير مقبول"، مشدداً على أن "الجامعات تملك 3 خيارات حالياً، أولها وجود البنين والبنات في مبانٍ مختلفة، والثاني تغيير أوقات الدروس، وتوزيع البنات في حصص صباحية والبنين في حصص مسائية. أما الخيار الثالث، فيشمل وضع ستار بين البنين والبنات داخل الفصل الواحد، علماً أن القرارات تعود إلى الجامعات التي تطبق نظام التعليم المختلط، فيما نعلم أن الوضع المالي العام للجامعات لا يسمح بتطبيقها الخيار الأول والثاني".

وبعيداً عن تعليقات الخبراء والمهتمين على الآلية الجديدة لـ "طالبان" من أجل مواصلة التعليم في الجامعات، تواجه الجامعات مشكلات جمّة بسبب التحولات الأخيرة الناتجة من سيطرة الحركة على البلاد خلال فترة وجيزة جداً، ويعتبر بعضها فعلياً على هاوية الانهيار التام بسبب تعثرها الكبير اقتصادياً. وقد لجأ عدد منها إلى إقالة عدد كبير من الموظفين والمدرسين، حيث بلغت نسبتهم 50 في المائة في بعضها.

الصورة
بعض الجامعات الخاصة لم تتقيّد بعد بأوامر "طالبان" (أمير قريشي/ فرانس برس)
ثمّة جامعات خاصة لم تتقيّد بعد بأوامر "طالبان" (أمير قريشي/ فرانس برس)

وربطت الجامعات الخاصة مستقبل موظفيها والعاملين فيها بوضعها المالي الذي يحدده بالدرجة الأولى عدد الطلاب والطالبات الذين تستقبلهم، ومقدار التزامهم حضور حصص التدريس، علماً أن نسبة الحضور قليلة جداً حالياً، ولا تتجاوز 50 في المائة، ما يجعل مستقبل عدد كبير من موظفي الجامعات في خطر، باعتبار أن الرسوم التي يدفعها الطلاب والطالبات تشكل مصدر الدخل الوحيد للجامعات. 

حالياً، يكتفي عبد الكريم، الموظف في جامعة "سلام"، بتقاضي نصف راتبه، فيما وعدته إدارة الجامعة بدفع باقي راتبه بعد استكمال العدد الإجمالي للطلاب والطالبات. لكن المشكلة الأساس تتمثل في أن عدد الطلاب لن يكتمل حالياً، لأن قسماً كبيراً منهم هرب من البلاد، أو خرجوا مع أسرهم خلال عمليات الإجلاء إلى دول أخرى. ويقول عبد الكريم لـ"العربي الجديد": "أعلنت طالبان مطلع الشهر الجاري أنها ستفتح الجامعات، فاعتقدنا أن الأمور ستعود إلى طبيعتها فيها، ونواصل العمل كما الحال في السابق، لكننا اكتشفنا أن عدد الطلاب الذين حضروا إلى الصفوف قليل جداً، ما جعلنا نعيش حالة من القلق من المخاطر الكبيرة المحدقة بمستقبل كل الجامعات الخاصة وموظفيها ومدرسيها".

يضيف عبد الكريم: "واضح أن الجامعات الخاصة تواجه ظروفاً صعبة تمنعها من دفع مستحقات موظفيها والعاملين فيها الذين يواجهون أيضاً مشكلات جمّة، بينها عدم استدعاء بعضهم للعمل في انتظار تحسن الأحوال. أما أولئك الذي استأنفوا العمل، فأبلغوا أنهم سيمنحون نصف الراتب، في وقت يعاني فيه جميع الأفغان من الارتفاع المتواصل في أسعار الاحتياجات الأولية. أما الطلاب والطالبات فيواجهون مشكلات من نوع آخر مع هروب قسم منهم من البلاد، وتخطيط آخرين للمغادرة، ما يعني أنهم لا يريدون مواصلة الدراسة حالياً. ويضاف إلى هذه المشكلات تفاقم معاناة أولياء الأمور من موظفي الإدارات الرسمية  وعامليها من عدم دفع الحكومة السابقة رواتبهم في الشهرين اللذين سبقا سيطرة طالبان على كابول، وهو ما جعل مئات الآلاف منهم أيضاً بلا عمل، خصوصاً أولئك في المؤسسات الأمنية والأجنبية".

تروي طالبة الحقوق في إحدى الجامعات الخاصة، منيزه إبراهيم، أن "إدارة الجامعة طالبت الطلاب والطالبات في اليوم الأول لعودتهم إلى الصفوف بتسديد كل الرسوم المستحقة. وحين عدت إلى المنزل أبلغني زوجي الطبيب في مستشفى أبو علي سينا الحكومية أنه لم يحصل على راتبه منذ ثلاثة أشهر، وطالبني بترك الدراسة حالياً بسبب عدم القدرة على دفع الرسوم، وهو ما فعلته".

الصورة
مقاتل من "طالبان" خلال المؤتمر الصحافي لوزير التعليم (أمير قريشي/ فرانس برس)
مقاتل من "طالبان" خلال المؤتمر الصحافي لوزير التعليم (أمير قريشي/ فرانس برس)

وحذا الطالب عبد الستار، حذو منيزه في عدم الذهاب إلى الجامعة، لأن والده الضابط في وزارة الدفاع بات بلا عمل. وبدأ عبد الستار بتشغيل سيارة يملكها والده كوسيلة نقل بالأجرة من أجل الحصول على المصروف اليومي للأسرة. يقول عبد الستار لـ"العربي الجديد": "تؤثر الحالة المعيشية الصعبة للأفغان بوضع التعليم، خصوصاً الطلاب الذين يدرسون في جامعات خاصة، التي تعتمد على رسوم الطلاب والطالبات لتسيير أمورها. وحالياً لا يستطيع كُثر مواصلة الدراسة في الجامعات الخاصة، في وقت لا يعرف أحد مصير مستقبل عملية التعليم في البلاد".

وأخيراً، أبلغ حقاني صحافيين أن "الحكومة المؤقتة لطالبان ستواصل مشاوراتها مع الجامعات الخاصة وتعمل معها لخفض الرسوم، لأن الأفغان شعب فقير، ولا يستطيع الطلاب والطالبات حالياً دفع رسوم التحصيل العلمي بالوتيرة السابقة نفسها". وأكد أن "وزارة التعليم لا تفرض أي آلية على الجامعات الخاصة، بل أبلغتها فقط بأن شؤونها يجب أن تتقيّد بالشريعة الإسلامية، بينما اقترحت هذه الجامعات آليات لمواصلة عملية التعليم. واتفقنا بعد النقاش على كيفية تسيير الأمور من أجل تحقيق الأهداف المنشودة من التعليم".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) قد أكدت في تقرير أصدرته في 13 سبتمبر/ أيلول الجاري أن عملية التعليم في أفغانستان في خطر. وحددت التهديدات التي تواجهها هذه العملية "بالنزوح الداخلي والخارجي، والقيود الشديدة التي تفرض عليها، وفقدان كوادر التعليم النسائية".

المساهمون