استمع إلى الملخص
- شهدت تونس زيادة في عدد المدارس الخاصة بين 2015 و2022، لكن الأزمات المعيشية أجبرت العديد من الأسر على العودة إلى التعليم الحكومي، الذي يظل أقل كلفة رغم أنه لم يعد مجانياً تماماً.
- أشار رئيس منظمة "إرشاد المستهلك" لطفي الرياحي إلى تراجع الهجرة نحو التعليم الخاص بسبب العوامل المادية، مع توقع زيادة هذه الظاهرة. كما كشف وزير التربية عن مغادرة 30 ألف تلميذ سنوياً مقاعد الدراسة.
تواجه آلاف الأسر التونسية صعوبات في مواصلة الالتزام بدفع رسوم تعليم أبنائها الملتحقين بالمدارس الخاصة، ما يدفعها إلى ما يمكن أن يوصف بالهجرة العكسية نحو التعليم الحكومي، والذي سبق أن هجره آلاف التلاميذ بخيار من أهلهم الباحثين عن تعليم أفضل لأبنائهم.
ويقدر عدد تلاميذ المرحلتين الابتدائية والثانوية في تونس بما يزيد عن 2.3 مليون تلميذ، وفق أرقام رسمية، ويصل معدل إنفاق أسرهم سنوياً لتأمين الحد الأدنى لدراسة التلميذ الواحد إلى أكثر من 1600 دينار (ما يزيد عن 533 دولاراً)، في حين لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور 430 ديناراً (نحو 143 دولاراً).
وخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت تونس ارتفاعاً في عدد مؤسسات التعليم الخاص نتيجة الطلب المتزايد عليها من قبل العائلات التي اختارت التخلي عن التعليم الحكومي المجاني، والتحول نحو المدارس الخاصة هرباً من رداءة البنى التحتية بالمدارس الحكومية، والتوتر المستمر بين وزارة التربية والمعلمين، والذي يتسبب في انقطاع الدروس لفترات نتيجة تكرار الإضرابات.
إلا أنّ خيار الهجرة نحو التعليم الخاص لم يدم طويلاً بالنسبة لشريحة واسعة من التونسيين، فالأزمات المعيشية فرضت نفسها على الواقع.
تقول عبير الهمامي (41 سنة)، إنها سحبت ملفي طفلتيها من مدرسة خاصة في نهاية العام الدراسي الماضي، وأعادت تسجيلهما في مدرسة حكومية قريبة من مقر عملها، وتؤكد لـ"العربي الجديد"، أن طفلتيها قضتا أربع سنوات في مدرسة خاصة، وكانت تدفع رسوماً شهرية تزيد عن 800 دينار (نحو 280 دولارا)، لكن إدارة المدرسة أعلمتها بقرار زيادة الرسوم بنحو 15% خلال العام الدراسي الجديد، ما أجبرها على نقلهما إلى مدرسة حكومية، وتوضح أن "التعليم الحكومي لم يعد مجانياً كما يقال، إلا أنه يظل أقل كلفة من المدارس الخاصة التي تحولت إلى تجارة مربحة".
وخلال الفترة الفاصلة ما بين عامي 2015 و2022، تضاعف عدد المدارس الخاصة في تونس استجابة لزيادة الطلب. فارتفع عدد المدارس الابتدائية الخاصة من 324 مدرسة في العام الدراسي 2015 - 2016 إلى 736 في العام الدراسي 2022 - 2023، ما يمثل نحو 13% من إجمالي المدارس الابتدائية في البلاد.
ويؤكد رئيس منظمة "إرشاد المستهلك" لطفي الرياحي أن طفرة الهجرة من التعليم الحكومي إلى التعليم الخاص بدأت تتراجع نتيجة عوامل مادية بالأساس، ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المنظمة رصدت عودة ملحوظة إلى مدارس القطاع الحكومي خلال العامين الماضيين"، متوقعاً أن "تتزايد وتيرتها خلال هذا العام مع تسجيل زيادة في الرسوم تراوح ما بين 12 و20%. الوضع المالي للأسر يتحكم في الخيارات التي تتخذها بشأن تعليم أبنائها دائماً، والتعليم الحكومي بدوره لم يعد مجانياً، لكنه يظل أقل كلفة مقارنة بالرسوم الباهظة في المؤسسات التعليمية الخاصة".
والعام الماضي، أشارت دراسة نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى حصول تحوّلات كبيرة في منظومة التعليم الحكومي، وأنها حوّلت مجانية الخدمة التعليمية التي أطلقتها تونس منذ الاستقلال عن فرنسا في خمسينيات القرن الماضي إلى "وهم" نتيجة الإرهاق المادي الذي تتحمله العائلات على امتداد العام الدراسي.
وبينت الدراسة التي تحمل عنوان "إنفاق المجتمع على التعليم: بين وهم المجانية والإرهاق المادي للعائلات"، أن التعليم الحكومي في تونس تحوّل إلى عملية مكلفة ومرهقة للأسر بسبب تراجع الإنفاق الحكومي على التعليم كخدمة اجتماعية، ما يدفع المواطنين إلى البحث عن بدائل مكلفة، من بينها اللجوء إلى التعليم الخاص أو الدروس الخصوصية.
وباتت المشاركة الحكومية في دعم التعليم تقتصر على طرح المكتبات نوعية من الكراسات يطلق عليها اسم الصنف المدعم من قبل الدولة، ويقل سعرها بنحو 3 مرات عن الصنف المعروف بـ"الكراس الرفيع"، كما تدعم السلطات الكتاب المدرسي منذ عقود في إطار سياسات التعليم المجاني لمختلف المراحل العمرية.
وكشف وزير التربية فتحي السلاوتي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن هناك 30 ألف تلميذ يغادرون سنوياً مقاعد الدراسة بشكل نهائي. وأكد أن الانقطاع المدرسي ظاهرة خطيرة تهدد الشباب ومستقبل تونس، معتبراً أن المنقطعين عن الدراسة يكونون عرضة لشتى المخاطر على غرار الهجرة غير النظامية والمخدرات، وغيرها من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر.