منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تنقل الفلسطيني أحمد عبد الحي أكثر من 8 مرات بين مناطق مختلفة، من شمالي القطاع إلى مدينة غزة، ثم إلى المنطقة الوسطى، لينتهي به المطاف خلال الأيام الأخيرة نازحا إلى مدينة رفح في أقصى جنوبي القطاع.
يقول عبد الحي لـ "العربي الجديد"، إن "التجربة أثبتت أنه لا يوجد أي مكان آمن في القطاع كله نتيجة للحرب الإسرائيلية المتواصلة، وعمليات القصف العشوائي التي تستهدف جميع المناطق، خصوصاً في ساعات المساء التي تتحول فيها شوارع غزة إلى ما يشبه مدن أشباح خالية من السكان".
ويلفت النازح الفلسطيني إلى أن "الكثير من المناطق التي كان يتنقل فيها كانت تضج بآلاف النازحين، والذين يلجأون إلى المدارس التابعة لوكالة أونروا، أو العيادات التابعة لها، وفي بعض المدارس الحكومية، غير أن الاحتلال كان يقصفها أيضاً، أو يستهدف محيطها من أجل الضغط على النازحين لتركها".
ونتيجة للحرب الإسرائيلية المتواصلة للشهر الثالث على التوالي، غادر أكثر من 1.8 مليون شخص منازلهم في قطاع غزة، وباتوا نازحين، وغالبيتهم يسكنون في مراكز إيواء أو في خيام، وبعضهم لازالوا في العراء، كما يعيش قرابة 2.4 مليون نسمة ظروفاً مأساوية غير مسبوقة، ويتكبّدون معاناة بالغة في توفير مستلزمات الحياة الأساسية، وعلى رأسها الغذاء والماء الصالح للشرب والأدوية.
وشهدت الآونة الأخيرة، تركز العمليات العسكرية الإسرائيلية في المناطق التي وصفها الاحتلال بكونها آمنة، إذ يجري استهداف مناطق جنوب وادي غزة التي تعرف بالمنطقة الوسطى، ومناطق جنوبي القطاع، وخلف القصف الجوي والمدفعي المركز على تلك المناطق استشهاد المئات وإصابة الآلاف، كما تتواصل عمليات الاجتياح البري، والتي تشهد انتهاكات ترتكب بحق المدنيين، تشمل اعتقالهم وتعذيبهم أو إعدامهم ميدانياً.
وحسب تقديرات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فإن أكثر من 300 نازح استشهدوا في داخل ملاجئها القائمة في جميع أنحاء قطاع غزة منذ بداية الحرب، وأصيب أكثر من ألف آخرين.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن منطقة رفح هي الأكثر اكتظاظًا حالياً في قطاع غزة، وتظهر البيانات أن ملاجئ الأمم المتحدة في مدينة رفح وحدها تستضيف أكثر من 15 ألف شخص في كل منها، على الرغم من أن معظم الملاجئ مصممة لاستيعاب نحو ألفي شخص فقط. وأكدت وكالة "أونروا"، الخميس، أن أعداد النازحين في مدينة رفح تجاوزت 657 ألفاً، يعيش جزء كبير منهم من دون مأوى، ولا يوجد مكان آمن يذهبون إليه.
أكثر من 300 نازح استشهدوا داخل ملاجئ وكالة "أونروا" في قطاع غزة
وقالت القائمة بأعمال مدير مكتب الإعلام والتواصل في وكالة "أونروا"، إيناس حمدان، لـ "العربي الجديد"، إن وصول المزيد من النازحين إلى جنوبي القطاع يشكل تحدياً إضافياً لفرق الوكالة الأممية التي تعمل على مدار الساعة من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين.
وشهدت مناطق البريج والمغازي والنصيرات والزهراء ودير البلح في وسط القطاع غارات إسرائيلية مكثفة خلال الأيام القليلة الماضية، على الرغم من كون هذه المناطق تقع في جنوب وادي غزة، ومصنفة على أنها "مناطق آمنة"، غير أن الاحتلال أمر النازحين إليها بالمغادرة نحو مدينة دير البلح، والتي تعرضت للقصف المركز هي الأخرى.
بدوره، يؤكد نائب مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في قطاع غزة، جميل سرحان، على عدم وجود أي مكان آمن في جميع مناطق غزة، من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب، نتيجة للعدوان الإسرائيلي المتواصل، والذي تسبب في أزمة نزوح كبيرة.
ويقول سرحان لـ "العربي الجديد"، إن "الاحتلال يقصف كل الأماكن، ويستهدف البنية التحتية، والأعيان المدنية، كما يكرر استهداف المواطنين بشكلٍ مباشر في كل أنحاء القطاع، وهذا يجعل فكرة وجود مكان آمن ينزح إليه السكان خلال الحرب أمرا غير قائم. وفقاً للبيانات، فإن 40 في المائة من الشهداء والجرحى هم من سكان المناطق الجنوبية في القطاع، والتي ادعت قوات الاحتلال سابقاً أنها ستكون مناطق آمنة، بينما في الواقع، لا وجود لأية بقعة جغرافية آمنة في غزة".
ويطالب سرحان بضرورة الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للتوقف عن استهداف الأعيان المدنية والبنية التحتية، لا سيما مراكز الإيواء والمدارس التي تضم آلاف النازحين الفلسطينيين، وضرورة السماح بحرية وصول وتوزيع المساعدات الغذائية والإنسانية.
وبحسب مكتب الإعلام الحكومي في غزة، فإن القطاع يعيش كارثة إنسانية حقيقية متفاقمة بسبب تدمير جيش الاحتلال لنحو 60 في المائة من منازل المواطنين والوحدات السكنية التي يعيشون فيها، وخاصة في محافظتي غزة وشمال غزة، وتأتي هذه الكارثة بالتزامن مع دخول فصل الشتاء وموجات البرد القارس، ويؤكد المكتب تجاوز أعداد الوحدات السكنية المستهدفة أكثر من 300 ألف وحدة سكنية، من بينها 50 ألف وحدة سكنية دمرها الاحتلال تدميراً كلياً، و250 ألف وحدة سكنية دمرت جزئياً، وتحتاج إلى الترميم قبل أن تعود صالحة للسكن.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، الخميس، إن "كارثة صحية عامة قيد التكوين في غزة"، وإن "المستشفيات بالكاد تعمل، والأمراض المعدية تنتشر بسرعة في الملاجئ المكتظة".
وفي وقت سابق، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، إنّ "أربعة من بين كلّ خمسة أشخاص من الأكثر جوعاً في العالم موجودون في قطاع غزة"، وإن 95 في المائة من أطفال قطاع غزة لا يتوفّر لهم الحليب والمواد الغذائية ويعانون من سوء التغذية.
بدورها، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية، الثلاثاء، إنه "وفقاً للمعايير المعتمدة لدى الأمم المتحدة، فإنّ المواطنين في قطاع غزة يتعرّضون للمجاعة ومخاطرها وانتشار سوء التغذية"، واستناداً إلى ذلك، طالبت الوزارة الأمم المتحدة بالإعلان رسمياً أنّ قطاع غزة يعاني من مجاعة حقيقية تهدّد حياة المواطنين بالموت بسبب حرب الإبادة الجماعية.