أغلقت مياه الأمطار المتراكمة طرقاً عديدة في العاصمة طرابلس ومدن غربي ليبيا، رغم أن بعضها طرق رئيسية، الأمر الذي قطع التواصل بين المناطق، وزاد من الضغط على طرق أخرى، وفاقم الزحام الذي تعاني منها كبرى المدن الليبية، وخصوصاً العاصمة.
من أبرز طرق العاصمة التي غمرتها المياه، الطريق السريع الرابط بين شرقي وغربي المدينة، وتقاطع طريق البيفي، وهو المدخل الشرقي للعاصمة، الذي اعتاد الليبيون على تسميته بـ"بحر البيفي العظيم"، إذ تتجمع فيه كميات كبيرة من مياه الأمطار سنوياً، وبعمق قد يفوق ارتفاع السيارات، ما يجعله مصيدة للسائقين، بخاصة من لا يعرف منهم طرقاً أخرى للعاصمة، أو يقصدها من ناحية الشرق، وبعض هؤلاء يضطرون إلى استخدام الطرق الزراعية التي تغص ببرك مياه الأمطار أيضاً، لكنها أقل عمقاً بسبب تسرب المياه إلى التربة.
يقول مدير مكتب الإعلام بالشركة العامة للمياه والصرف الصحي محمد كريم لـ"العربي الجديد": "الحلول التي تجريها الشركة جزئية وقصيرة المدى رغم وجود خطط تنظر إلى مدى أبعد، فهناك عوائق تحول دون ذلك، على رأسها التمويل، وانهيار البنى التحتية، والبناء غير القانوني، والتعديات المتكررة على شبكات التصريف بحكم أن أغلب الكتلة السكانية تعيش على الساحل، وتصب شبكات تصريف الأمطار في البحر على طول الشواطئ".
وعلى مدار سنوات، ونتيجة المعاناة المتكررة، تكررت محاولات تصريف مياه الأمطار، لكن أغلبها كان وقتياً، إذ تقوم شركة المياه والصرف باستدعاء صهاريج لشفط المياه. وفي العامين الأخيرين ربطت الشركة تقاطع البيفي بشبكة تصريف نحو البحر بقطر 300 ملم، وهذه الطريقة لم تقض على المشكلة، لكنها ساعدت على تصريف المياه بشكل أسرع.
وكان للحروب أيضاً نصيب في تحويل الأمطار، بما تمثله من "غيث نافع" للبيئة الصحراوية، إلى نقمة، ولذلك شواهد كثيرة، من بينها ما أصاب جسر وادي الأتل، وهو الرابط الرئيسي بين مدن جبل نفوسة في الغرب ومدن الساحل والعاصمة، وقد تهدم الجسر بعبوة ناسفة إبان الحرب في 2014، ولم تنته صيانته حتى الآن رغم تعاقب شركات متعددة على عملية الصيانة، وكل ما أنجز هو طريق معبد يهبط إلى الوادي العميق الجاف صيفاً، وعند هطول الأمطار، يمتلئ الجسر بالمياه المنحدرة من الجبل، وينقطع الطريق الرئيسي، وتُضطر المركبات إلى المغامرة بسلوك الطرق الجانبية المليئة بالكثبان الرملية والإبل الشاردة.
وعند غرق الأحياء السكنية بمياه الأمطار، تعتمد أغلب بلديات المدن على سيارات شفط المياه، لكنها تقوم بزيادة الأزمة في بعض الأحيان، إذ تقوم بتفريغ حمولتها في شبكات تصريف الأمطار بشكل غير قانوني، الأمر الذي يزيد من تراصف الأوساخ، وسد الشبكة، بالإضافة للكثير من المخلفات التي ترمى في الطريق، وتنتهي داخل شبكات التصريف، لتساهم في سدها.
ويشير مهندس الطرق ناصر القيلوشي إلى معضلة أخرى، قائلاً لـ"العربي الجديد": "البيروقراطية الإدارية والقوانين القديمة أخرت تشييد مساكن جاهزة تسد الطلب المتزايد على السكن، كما عطلت إنجاز أي مخططات عمرانية جديدة، ما دفع القطاع الخاص إلى التدخل منذ تسعينيات القرن الماضي، ولكن بشكل غير قانوني، وكانت النتيجة أن أحيطت العاصمة والمدن الكبرى مع الوقت بمساحات عمرانية كبيرة لا تتوفر فيها أبسط أشكال البنى التحتية".
بدوره، يقول تاجر العقارات عادل مرعي، لـ"العربي الجديد": "يبدأ التسلسل عندما يقوم أحد التجار بشراء قطع أراض زراعية، ثم تقسيمها بالمخالفة للقانون إلى قطع سكنية للبناء بمساحات مختلفة، مع توفير خدمات بسيطة، قد لا تتعدى شبكة الكهرباء والمياه، وبحد أقصى تعبيد الطريق، ومن دون بنية تحتية مثل شبكات الصرف الصحي أو شبكات تصريف مياه الأمطار. سلسلة العمل هذه وفرت السكن للمواطنين في ظل غياب الدولة، لكنها غير قانونية، فليس بإمكان المقاولين ربط خطوط المجاري أو تصريف الأمطار مع الشبكات الحكومية، ومعالجة الأزمة ينبغي أن تبدأ بتطوير القوانين، ووقف الصراعات السياسية والحروب التي لم تترك مجالاً للتنمية".
وأطلقت شركة المياه والصرف الصحي، في منتصف أغسطس/آب الماضي، حملتها الموسمية لتنظيف وتهيئة غرف تصريف مياه الأمطار، ومع كل جهود الشركة، والمقاطع التي تنشرها حول تسليك شبكات الصرف في أغلب المدن الليبية، إلا أن عملها لا يتجاوز تنظيف غرف التفتيش، ونشر الدعاية والإرشادات، من دون إنشاء شبكات جديدة.