"لم تستطع التمييز بين الحروف والأرقام رغم أنها في الصف الخامس من المرحلة الابتدائية، كما افتقدت القدرة على لفظ بعض الحروف. وكانت كل الكلمات متشابهة بالنسبة لها". هذا ما تقوله التونسية رقية القاسمي عن ابنتها رحمة، مضيفة لـ"العربي الجديد": "اعتقدت في البداية أنّ ابنتي كسولة، ولا تحب القراءة والدراسة، وأنّها منعدمة التركيز، لكن المعلم في صفها أكد لي أنّها تنتبه طوال الحصة، وتحاول التفاعل مع التدريس، لكنها تنسى الكلمات بسرعة ولا تميّز الحروف لأنّها تعاني من صعوبات في التعلّم، وتحتاج إلى متابعة خاصة".
تتابع: "لم أفهم معنى أن يعاني تلميذ من اضطرابات وصعوبات في التعلّم إلا بعدما فسّر لي الإطار التربوي حالة رحمة، وهي رسبت 3 مرات قبل أن تصل إلى الصف الخامس، وحين نجحت لم تحقق علامات جيدة، وقد انقطعت عن الدراسة هذا العام، والتحقت بمركز تكوين لمحاولة تعلّم الخياطة، فأنا فقدت الأمل في إمكان أن تتجاوز مشكلتها في التعليم".
ويقدّر مسؤولون تربويون بأن نحو 11 في المائة من أطفال تونس يعانون من صعوبات واضطرابات في التعلّم، يقول سيف الدين بن إبراهيم لـ"العربي الجديد": "رسب ابني مرتين في الصف الأول بسبب عدم قدرته على القراءة وحفظ الحروف وتمييزها، وفسّر لي معلم القراءة موضوع معاناة ابني من صعوبات في التعلّم، وشدد على ضرورة الاهتمام بتعليمه وتدريسه باستمرار في البيت، والتركيز على الألعاب التي تلقن الحروف وتزيد التركيز".
وكانت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة أكدت أخيراً الاهتمام بهذه الفئة من التلاميذ، وأنشأت وحدة لدعم قدرات أولياء الأمور على رعاية أبنائهم الذين يعانون من اضطرابات في التعلّم، وهي تتضمن أيضاً فضاءات مناسبة لاستقبالهم وتوفير الرعاية النفسية التي تصب في مصلحتهم، وتأمين الخدمات اللازمة التي تحترم خصوصياتهم وكراماتهم.
وأوضحت الوزارة أنّ "الوحدة الجديدة ستقدّم دورات لتكوين قدرات أولياء الأمور ومسؤولي الإطارات التربوية في المؤسسات المعنية بالطفولة، وإرشادهم وتوجيههم في تنفيذ مهام التعامل مع الأطفال ذوي الاضطرابات في التعلّم، علماً أن المشروع التربوي الخاص بهذه الفئة يهدف إلى إنشاء 5 وحدات دعم مماثلة على المستوى الوطني".
تابعت: "تضم كل وحدة اختصاصياً في علم النفس وآخر في النطق، وتستقبل أولياء الأمور في فضاء مستقل عن باقي الأقسام، كما تخصص قسماً محدداً لتنظيم الأنشطة الحسيّة الحركيّة، وآخر للتعهّد بشؤون أولياء الأمور ومرافقتهم وتوعيتهم وتأهيلهم بشأن كيفيّة التعامل مع أبنائهم، وأيضاً قسماً للخدمات الصحية والمطالعة".
من جهته، يقول رئيس الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلّم محمد السندي، لـ"العربي الجديد": "يواجه العديد من التلاميذ صعوبات في التعلّم، وغالبية العائلات لا تفهم معنى أن يعاني أحد أبنائها من هذه الصعوبات، إذ تعتقد أنّ الطفل كسول أو لا يحب الدراسة، ما يفقده التركيز المطلوب أو يجعله ينسى معلومات الحصص الدراسية بسرعة، لذا طالبت الجمعية بالدرجة الأولى بضرورة توعية العائلات بمشكلات الصعوبات في التعلّم تمهيداً لامتلاك المعرفة بكيفية التعامل مع الأطفال لتجاوز المشكلات. كما طالبت بضرورة إنشاء وحدات للعلاج النفسي في المعاهد والمدارس من أجل تشخيص الحالات ومتابعة التلاميذ المعنيين طوال السنة الدراسية، ومساعدتهم في الاندماج بالصفوف والوسط المدرسي كله. ويهدف ذلك خصوصاً إلى الحدّ من ظاهرة الانقطاع المدرسي، لا سيما أنّ غالبية من يعانون من صعوبات في التعلّم يتركون مقاعد الدراسة في سن مبكرة جداً".
يتابع: "لا يكفي أن يجلس من يعانون من صعوبات في التعلّم في المقاعد الأولى في الصفوف، أو منحهم وقتاً إضافياً خلال الامتحانات، أو نصح أولياء أمورهم بتكثيف الدروس الخصوصية لهم خارج المدارس، فهم يحتاجون إلى متخصصين في التعامل مع حالات كهذه والعمل لتقوية تركيزهم السمعي والبصري، وتدريبهم على حفظ كل ما يتعلمونه وعدم نسيانه عبر تمارين لا يمكن تطبيقها داخل قاعة الصف، التي تمنح فيها المعلومات بإيقاع سريع لا يستطيع من يعانون من صعوبات في التعلّم مجاراته".
وأطلقت الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلّم حملة لدعم الأطفال الذين يعانون من اضطرابات وصعوبات بشعار "طاقة لا إعاقة"، وشددت على ضرورة التركيز على صياغة اقتراحات يوصلها التلاميذ المعنيون إلى وزير التربية.
وأكدت الجمعية ضرورة عقد لقاءات تضم التلاميذ الذين يعانون من اضطرابات في التعلّم وأوليائهم مع متخصصين في علم النفس والنطق والعلاج الوظيفي ومربين، لمشاركة الأفكار والاقتراحات وجمعها وصياغتها تمهيداً لتقديمها إلى وزير التربية.