- المنظمات الدولية تواصل التقارير عن الوضع المتردي في غزة، مشيرة إلى استمرار الجوع والفقر بين السكان، خاصة بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على بدء العدوان.
- الجهود الدولية والمحلية لمواجهة الأزمة الإنسانية تواجه عقبات بسبب العمليات العسكرية والحصار، مع تأكيد على الحاجة الماسة لحل سياسي ينهي العدوان ويسمح بإدخال المساعدات بشكل مستمر.
أدت العملية العسكرية في مدينة رفح إلى تفاقم أزمة الجوع التي لم تخفت حدتها في قطاع غزة، وخصوصاً بعد تهجير البعض إلى منطقة المواصي حيث لا توجد سوى أرض فارغة بلا خدمات أو مساعدات.
بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لا تزال تقارير المنظمات الدولية، على رأسها الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي، تنشر تقارير دورية عن حالة الجوع التي لم تتقلص في محافظات قطاع غزة الخمس. وتفاقمت الأزمة مع بدء عملية رفح والتهجير القسري للنازحين إلى رفح وسكانها، وإغلاق المعابر التي كانت تدخل عبرها المساعدات.
وبعد التهجير القسري، يواجه المهجّرون الجدد إلى مدينة خانيونس الجوع وقد انتقلوا إلى منطقة شبه نائية في ظل عدم إدخال مساعدات جديدة لهم، وغياب المتاجر أو البنى التحتية التي تتيح لهم البحث عن الطعام، وخصوصاً في منطقة المواصي، حيث انتقل النازحون إلى أراضٍ بعيدة عن المرافق العامة. يشار إلى أن المواصي التي تبعد عن مدينة غزة نحو 28 كيلومتراً، تقسم إلى منطقتين متصلتين جغرافياً، تتبع إحداهما محافظة خانيونس، في أقصى الجنوب الغربي من المحافظة، وتتبع الثانية محافظة رفح، وتقع في أقصى الشمال الغربي منها.
ولم يتلق غزيون مساعدات على مدار الأيام الأخيرة، ولا يسعهم إلا محاولة البحث عن طعام علهم يجدون شيئاً. توجه البعض إلى مدينة خانيونس وآخرون إلى وسط قطاع غزة، وخصوصاً مدينة دير البلح. وبعد خمسة أيام على بدء الهجوم على رفح، هجّر أكثر من 200 ألف بحسب المكتب الإعلامي الحكومي، فيما لا يزال آخرون يبحثون عن وسيلة نقل متاحة أو مكان لنصب الخيام في ظل التهديدات الإسرائيلية والقصف المتواصل على المدينة. وشمل التهجير حتى الآن مناطق وسط مدينة رفح.
خرج عدد من المهجرين من المدارس الواقعة في المناطق الشرقية وحتى وسط مدينة رفح، وهم لا يحملون سوى القليل من الطعام كالمعلبات والخبز الذي توزعه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". لكن مجدداً، استسلموا لواقع الجوع، من بينهم حليمة عبيد (39 عاماً)، هي التي كانت قد هجّرت إلى مدرسة حكومية في حي الجنينة شرق مدينة رفح.
وتشير عبيد إلى أنهم في الفترات الأخيرة، كانوا يواجهون الجوع في معظم الأيام إذ لا يحصلون سوى على كميات قليلة من خلال المساعدات. وعلى الرغم من مطالبتهم بزيادة الكمية، وخصوصاً بالنسبة للعائلات الكبيرة داخل المدرسة، إلا أن الاستجابة كانت معدومة كما توضح. تدرك أنه لا خيار أمامهم غير الاعتماد على المساعدات في ظل الفقر وعدم قدرتهم على شراء كميات إضافية لسد جوعهم.
وتتحدّث عن تفاقم الجوع خلال الأيام الأخيرة، لافتة إلى أنها لم تتناول منذ ثلاثة أيام سوى وجبة واحدة من التي كانت تأكلها في مركز الإيواء علماً أنها لم تكن كافية. وهذا حال كثيرين، حتى أن طفلتها الأصغر يُمنى كانت تعاني من سوء تغذية خلال الأسبوع الماضي، وقد تناولت محلولاً من الملح. وتقول لـ "العربي الجديد": "بسبب عدم وجود المال والمساعدات القليلة، يستمر الجوع. كما زادت أحوال عشرات الأطفال سوءاً في منطقة المواصي. نعيش كمجموعات في صحراء قاحلة، ويمكن للصحراء أن تكون أفضل لأنها مفتوحة، لكننا محاصرون من قبل جيش الاحتلال". تضيف: "هجرت للمرة السابعة على التوالي. في كل مرة ننزح فيها مع آخرين، كنا نضطر لانتظار الطعام لأيام. حولونا من مجتمع لديه مصالح ومال وكل شيء، حتى لو قليلا، إلى ناس تبحث عن مساعدات وأمان. الجميع عاجزون عن حماية أرواحهم، ولا أحد قادر على حمايتنا من الجوع والعطش. في ليلتنا الأولى بعد التهجير الأخير، لم نعثر على مياه نظيفة للشرب".
من جهته، نصب جمعة ربيع (45 عاماً) خيمته في أحد الأراضي الفارغة، ثم تفاجأ أنها مملوكة لأشخاص. إلا أنهم قدروا حاجته للبقاء وسمحوا له بذلك. ظل يبحث ليوم ونصف اليوم عن مكان يضع فيه خيمته التي اقتلعها من مدينة رفح متوجهاً إلى منطقة المواصي. لكن الأمر ليس سهلاً ويتطلب وساطة تتيح له وضع خيمته على مقربة من الناس وبالتالي الحصول على مساعدات".
لكن معاناته تفاقمت عندما احتاج شرب المياه بعدما انتهى من نصب خيمته ولم يجد، ليحصل عليها من أصحاب الأرض. كما اضطر لطلب الطعام من الناس بعدما نفد ما كان يحمله معه. ويشير إلى أنه لا يملك المال لشراء أي شيء. وراح يسأل الناس عن أماكن توزيع المساعدات.
ويقول ربيع لـ"العربي الجديد": "فكرت في بيع هاتفي لشراء أي شيء آكله. لكن في الوقت نفسه، فإن هاتفي هو وسيلتي الوحيدة للتواصل مع الآخرين، أو تلقي اتصال للحصول على مساعدات. لذلك، يصعب علي التضحية به. كنا نحصل على وجبات يومية، وفي بعض الأحيان صناديق مساعدات أسبوعية. بالتالي، لا يمكن حفظ كمية لأية طوارئ يمكن أن تحدث معنا. من جهة أخرى، استبعد الناس دخول الاحتلال الإسرائيلي إلى مدينة رفح. كنا نأمل أن تمنع الضغوط الدولية هذه العملية إلا أن ذلك لم يحدث".
ويواجه الغزيون مشكلة كبيرة في نقل تمركز عمل الجمعيات الخيرية والمنظمات الدولية من مدينة رفح، بالإضافة إلى المبادرات الشبابية وغيرها من الجهات التي تقدم مساعدات مؤقتة للنازحين، إلى مناطق أخرى آمنة. وكان عملهم يتمركز في مدينة رفح منذ بدء العدوان على غزة. لكن كل الوساطات الدولية لم تمنع جيش الاحتلال من التراجع عن الهجوم على رفح.
إلى ذلك، يقول القائم على الأعمال في مؤسسة خير الرحمن، الموجودة في الكويت وعدد من الدول العربية، محمد أبو خديجة، إن دورهم يقوم على تقديم مساعدات غذائية واحتياجات أسرية، مشيراً في الوقت نفسه إلى عرقلة الاحتلال دخول شاحنات المساعدات الموجودة في مدينة العريش. ويقول لـ "العربي الجديد": "توجهت إلى منطقة المواصي بهدف نصب خيمة للجمعية، لكن الناس يعانون من الجوع في ظل عدم توفر أي شيء بعدما نفدت المساعدات. كنت مضطراً لخلع البزة التي تحمل شعار الجمعية، إذ لا أستطيع الرد على جميع الأسئلة. كما أنني أعاني مثلهم، وقد نقلت خيمة أسرتي إلى المواصي وقد أواجه الجوع مثلهم خلال الأيام المقبلة".
من جهته، يشير مدير المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن المساعدات عبر معبر رفح، وعلى الرغم من قلّتها، كانت تساند عدداً من الأسر الغزية. وفي الوقت الحالي، يعيشون مجاعة حقيقية، في ظل عدم التوصل لأي قرار سياسي لإدخال المساعدات من معبر رفح أو كرم أبو سالم، مؤكداً أن الغزيين يتعرضون للتجويع. ويقول لـ"العربي الجديد": "قبل الهجوم على مدينة رفح، كان يدخل القطاع 200 شاحنة مساعدات يومية، منها ما يتوجه إلى شمال القطاع المحاصر بعدما تمكنت المنظمات الدولية خلال الفترات الأخيرة من إدخال المساعدات بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي نصب حواجز وسط قطاع غزة".
يضيف: "قضى الاحتلال على كل مقومات الحياة في غزة، ولا تملك العائلات أي شيء لمواجهة الجوع والأزمات وما إلى ذلك. بالتالي، فإن عدم إدخال المساعدات ليوم واحد أو اثنين قد يؤدي إلى موت عدد من الغزيين بسبب الجوع وسوء التغذية والجفاف، وهذا ما تدعمه أرقام توافد الغزيين يومياً إلى المراكز الصحية والمستشفيات المتبقية. واليوم، خرج مستشفى أبو يوسف النجار عن الخدمة بالإضافة إلى عدد من المراكز الصحية شرق مدينة رفح".
يضيف أن "الغزيين يعانون جراء الفقر، وقد خسر معظمهم أعمالهم، وخصوصاً طبقة العمال. وتوقفت 90 في المائة من المنشآت الاقتصادية وغيرها عن الخدمة. وبعد انتهاء العدوان الإسرائيلي، يجب أن تدخل القطاع 500 شاحنة يومياً، في ظل تدمير المصانع والمتاجر والأراضي الزراعية، وبات العمل فيها مستحيلاً".
وكان مدير أونروا في غزة، سكوت أندرسون، قد أعلن أن المنطقة الإنسانية الموسعة حديثاً في المواصي- حيث وجه الجيش الإسرائيلي آلاف الأشخاص من شرق مدينة رفح للإخلاء إليها- ليست "مناسبة تماماً" للعيش. وأشارت الوكالة إلى أن "الجوع الكارثي" الذي يواجهه الناس، ولا سيما في شمال غزة، سيزداد سوءاً إذا انقطعت طرق الإمداد.