بعد تراكم النفايات... انتشار الحشرات والقوارض يهدد آلاف الغزيين

بعد تراكم النفايات... انتشار الحشرات والقوارض يهدد آلاف الغزيين

22 يناير 2024
تتكدس النفايات في كل شوارع مدينة غزة (محمد الحجار)
+ الخط -

تنتشر النفايات بكثرة في المنطقة المحاصرة في شمالي قطاع غزة، ويعيش سكانها أوضاعاً إنسانية غاية في السوء، وتتكاثر القوارض والحشرات، ما يهدد بتفاقم الأزمات الصحية.

تختلف الحياة داخل مدينة غزة وشمالي القطاع عن بقية المناطق في الوسط والجنوب، فالمنطقة الشمالية لا تزال معزولة عن بقية مناطق القطاع، ومحاولات إيصال المساعدات إليها محدودة، وتواجهها الكثير من المعوقات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، بينما يوجد فيها ما لا يقل عن 400 ألف نسمة.
على أرض الواقع، تنتشر القمامة في كل مكان، وحاويات القمامة ممتلئة بالكامل، وبالقرب منها أكوام كبيرة من النفايات، فلا أحد يقوم برفعها، أو بالتخلص منها، حتى أنها باتت تقلص مساحة الشوارع، كما تنشر الروائح الكريهة، وتتجمع حولها الحيوانات الضالة والقوارض، وتخرج منها جيوش من الحشرات.
كانت عائلة أنس عودة (29 سنة)، تقيم في شارع صلاح الدين بالقرب من حي الشجاعية، وقد نزح أفرادها إلى وسط مدينة غزة على مقربة من مجمع الشفاء الطبي الذي عاد إليه مئات النازحين بعد الانسحاب الإسرائيلي من داخله ومن محيطه.
يرصد عودة انتشار الحيوانات والقوارض والحشرات حول حاويات القمامة الممتلئة بالنفايات، إضافة إلى انتشار كثيف للبعوض، ويخشى من أن تكون مصدراً إضافياً لانتشار الأمراض، ويقول لـ"العربي الجديد": "نعيش ظروفاً غاية في السوء بسبب قلة الطعام والشراب، وندرة كل مقومات الحياة، حتى أن الهواء الذي نتنفسه ليس آمناً، ونحن مضطرون للبقاء ضمن جماعات في مناطق مدينة غزة وشمالي القطاع، لكن يعاني كل تجمع من أكوام القمامة، ولا نستطيع المشي في بعض الشوارع بسبب تراكمها، وفي شوارع أخرى يملأ الذباب الأجواء".
وبعد انتشار القوارض والحشرات والذباب والبعوض بشكل كبير أصبحت تقتحم مراكز الإيواء التي تضم آلاف النازحين، خصوصاً تلك المناطق التي تعرضت للقصف أو التدمير الجزئي، والتي عاد إليها النازحون بعد انسحاب قوات الاحتلال من بعض المناطق.

الصورة
تغص كل شوارع غزة بالنفايات المتراكمة (محمد الحجار)
تغص كل شوارع غزة بالنفايات المتراكمة (محمد الحجار)

تقول نائلة الشامي (34 سنة)، إنها أصيبت بأعراض جلدية، كما أصيب أبناؤها وزوجها بعد انتشار الذباب والبعوض في مدرسة غزة الجديدة القريبة من مجمع الشفاء الطبي، والتي عادوا إليها بعد انسحاب الاحتلال من المنطقة. تضيف: "ظهر احمرار شديد على جسدي، وشعرت بسخونة وصداع عقب تكرار التعرض لقرصات البعوض، ولم أتمكن من إجراء أي تحاليل طبية لمعرفة الأسباب، فالرعاية الصحية غير متوفرة. نعيش في بيئة تكتظ بالنفايات، ولا توجد آلية لتصريفها أو نقلها، ما يجعل الكثير من الحشرات والفئران ومئات الكلاب والقطط الضالة تنتشر في كل مكان".

دمر القصف الإسرائيلي عدداً كبيراً من آليات نقل النفايات في غزة

تضيف الشامي، متحدثة لـ"العربي الجديد": "ليست هذه المرة الأولى التي نعاني فيها من الأخطار البيئية، فعندما نزحنا من مركز الإيواء إلى منزل في غربي حي النصر، كانت النفايات في كل مكان، والخوف من الأمراض شعور شائع، وعندما توجهت إلى مجمع الشفاء الطبي، منحني أحد الممرضين مرهماً لوضعه على الجلد، وأستخدمه أنا وأبنائي الاثنين وزوجي، فلا توجد أدوية متوفرة".
تتابع: "القمامة منتشرة في كل شوارع مدينة غزة، وهناك كميات وأصناف من البعوض والذباب تختلف عما اعتدنا عليه في السابق، والكثير من النازحين داخل المدرسة مصابون بالأعراض نفسها، والطاقم الطبي الموجود في مجمع الشفاء الطبي أخبرنا بأن هناك امراضاً لن يتمكنوا من معالجتها، وأوصونا بمحاولة تقليل الاختلاط مع الناس الذين تظهر عليهم أعراض المرض".

الصورة
توفر أكوام النفايات بيئة للحشرات والقوارض (محمد الحجار)
توفر أكوام النفايات بيئة للحشرات والقوارض (محمد الحجار)

ويرصد محمد مراد (36 سنة)، انتشار بقايا حيوانات نافقة، من بينها كلاب وحمير، في شوارع حي الجلاء، بوسط مدينة غزة، وينتشر البعوض والحشرات بالقرب منها، بينما تتكدس القمامة في كل مكان، حتى أن تلك المشاهد أصبحت عادية بالنسبة لسكان مدينة غزة، الذين باتت رؤية القوارض والحشرات معتادة لديهم.
يوضح مراد لـ"العربي الجديد" قائلاً: "القمامة في كل مكان، وإذا رمى شخص كيس قمامة في منطقة، يأتي غيره من الأشخاص للرمي في المكان نفسه، فيتحول المكان إلى مكب قمامة، وهناك تجمع للقمامة أمام منزلنا، وجثث الحيوانات النافقة تنتشر بشكل كبير، فالاحتلال يقصف المنازل بمن فيها، وبعضها كان فيها حيوانات، والكثير من الأمراض منتشرة، خصوصاً الأمراض الجلدية، والأمراض الفيروسية، وأعتقد أن القمامة وانعدام النظافة ساهما بانتشارها".

تقتحم القوارض والحشرات والذباب والبعوض مراكز إيواء النازحين

وتلقت بلدية غزة وعوداً عديدة منذ بداية شهر يناير/ كانون الثاني بإيصال الوقود إليها، لكن لم يُنفذ أي من تلك الوعود، ما دعاها إلى إطلاق نداء استغاثة، وقالت في بيان، إن كل محاولات إيصال الوقود إلى مدينة غزة فشلت بعد 74 يوماً من الوعود المتكررة التي لا تتحقق بسبب رفض الاحتلال، ما ينذر بكارثة إنسانية وإلحاق الضرر بالسكان والنازحين المتبقين في مدينة غزة.
وطالبت بلدية غزة مجلس الأمن الدولي بتطبيق القرار 2720 الذي يقضي بالتدخل العاجل لإنقاذ سكان غزة وإيصال الوقود فوراً لتشغيل آبار المياه، والذي أقره اجتماع المجلس حول غزة وإسرائيل في 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ويدعو إلى "اتخاذ خطوات عاجلة للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن، ومن دون عوائق، وتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية".

الصورة
خدمات رفع القمامة توقفت منذ بداية العدوان (محمد الحجار)
خدمات رفع القمامة توقفت منذ بداية العدوان (محمد الحجار)

ودمر قصف الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من آليات نقل النفايات التي كانت تجمع النفايات من مناطق مدينة غزة بشكلٍ يومي، ما تسبب في تقلص عملها في بداية العدوان، ثم توقفت بالكامل مع استمرار العدوان، خصوصاً بعدما تعرضت لاستهداف مباشر في شرق ووسط مدينة غزة، وبالقرب من مقر البلدية في البلدة القديمة بمدينة غزة، والذي لحقت به أضرار كبيرة.
ويحذر رئيس بلدية غزة يحيى السراج من تكدس النفايات في الشوارع وأمام المستشفيات وفي محيط مراكز إيواء النازحين بسبب عدم تمكن عناصر البلدية من العمل منذ بداية العدوان الإسرائيلي، ما يهدد بتفشي الأمراض والأوبئة بين المواطنين.

الصورة
تنتشر القطط والكلاب حول أكوام القمامة (محمد الحجار)
تعيش قطط وكلاب ضالة حول أكوام القمامة (محمد الحجار)

يقول السراج لـ"العربي الجديد": "هناك نحو 70 ألف طن من النفايات المكدسة في مناطق مدينة غزة، واستمرار العدوان بهذا الشكل، ومواصلة الحصار والعزل المتعمد للمنطقة، يشكلان مع أزمة نفاد الوقود تحدياً كبيراً يمنع توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، إذ دمر الاحتلال أغلب آليات البلدية عبر القصف المتعمد، في حين كانت البلدية تعاني من نقص كبير في هذه الآليات في ظل عجزنا منذ سنوات عن إدخال معدات جديدة".
كان الطبيب نشأت عوض يعمل في عدد من عيادات وكالة "أونروا"، وهو حالياً نازح إلى جنوبي قطاع غزة، ويشير إلى أن "القمامة منتشرة في مناطق جنوب القطاع أيضاً بسبب توافد النازحين واكتظاظهم في المنطقة، وخلال هذا العدوان نقلت الحشرات والقوارض والحيوانات الضالة الكثير من الأمراض بين المواطنين، لكن لحسن الحظ، فإن فصل الشتاء يساهم في عدم زيادة انتشار الكائنات الحية الناقلة للأمراض، مثل الحشرات والقوارض، بينما تكدس النفايات يتيح تشكل بيئة مناسبة لتكاثرها في ظل عدم وجود آلية إزالة مستمرة للقمامة".

وحسب منظمة الصحة العالمية، تستأثر الأمراض المنقولة بنسبة تزيد على 17 في المائة من الأمراض المعدية إجمالاً، وتتسبب في حصد أرواح أكثر من 700 ألف شخص سنوياً حول العالم، ويمكن أن تنجم تلك الأمراض عن الطفيليات أو البكتيريا أو الفيروسات.

ويؤكد الطبيب نشأت عوض أن هذه الحالة متحققة بالفعل داخل تجمعات النازحين واللاجئين في قطاع غزة، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الغزيين يعيشون أوضاعاً غير طبيعية على مدار أكثر من 100 يوم، وحالياً يوجد مئات الآلاف منهم في تجمعات صغيرة مكتظة، ولا مفر من الاختلاط اليومي فيها بين الناس، كما أن تصريف القمامة والصرف الصحي ليسا متاحين في كثير من المناطق، وبالتالي لا يمكن تفادي أضرارها على صحة البشر، ولا على البيئة والبنية التحتية".
ويضيف: "هناك إصابات بين النازحين بالملاريا، وهي عدوى طفيلية تنقلها أنواع من البعوض، وكذلك انتشار لحمى الضنك، ومن بين أكثر حالات العدوى الفيروسية انتشاراً حالات الحمى الصفراء، وأعراض عدوى فيروسية يساهم فيها انتشار القوارض والحشرات التي تعيش بالقرب من القمامة التي لا يتم تصريفها".

المساهمون