لم يجد التركي محمد طاش "42 سنة" من حلول بعد فشل الحميّة الغذائية وبرامج تخفيف الوزن سوى اللجوء إلى جراحة "تكميم المعدة". كان وزنه يبلغ 120 كيلوغراماً، ما تسبب له في مشاكل صحية جمة، قبل أن ينتقل إلى "حياة جديدة" بعد تخلصه من أكثر من 45 كيلوغراماً.
يقول طاش لـ"العربي الجديد" إن حياته تبدلت بالكامل بعد الجراحة، وبات يأكل كل شيء، ولكن بكميات قليلة، إذ سرعان ما يشعر بالشبع، ويكشف أن بدانته موروثة، فجل أفراد الأسرة المتحدرة من ولاية "كوجي إيلي" يعانون من السمنة، "لكني دخلت طور البدانة الأخطر، فلم يكن من حل سوى الجراحة التي توصف بلادنا بأنها متطورة فيها، وتختلف التكاليف من مشفى إلى آخر، وفي المتوسط تبلغ نحو ثلاثة آلاف دولار".
ويشهد المجتمع التركي اتساع ظاهرة زيادة الوزن، ما أوصله، وفق تقرير برلماني، إلى اتخاذ إجراءات رسمية لمكافحة السمنة في نهاية العام الماضي، بعد احتلاله المرتبة الأولى أوروبياً والرابعة عالمياً، مع إصابة نحو 40 في المائة من النساء و25 في المائة من الرجال بشكل من أشكال البدانة.
ويكشف الطبيب النفسي محمد الدندل، لـ"العربي الجديد"، أن "من يعانون من السمنة تصيبهم بعض الأمراض النفسية بسبب شعورهم بالعجز عن أداء المهام اليومية، الأمر الذي يزيد من عزلة بعضهم، أو إصابة آخرين بالوساوس، وأحياناً التصرفات العدوانية، وصولاً إلى الانتحار، وإن كانت نسبة المنتحرين من جراء السمنة محدودة، كما أن الأثر النفسي لزيادة الوزن لدى النساء أعلى منه لدى الرجال".
ويلفت الطبيب النفسي إلى أن "السمنة باتت مرض العصر، وما ينتج عنها من أمراض يضعها في مصاف الأمراض الخطرة، وفي تركيا، واحد من كل ثلاثة أشخاص يعاني من الوزن الزائد، والأمر له علاقة بطبيعة الطعام الذي تغلب عليه النشويات والسكريات، ولا تغيب عن ذلك العوامل الوراثية، وعادة ما ننصح بضرورة الحيطة قبل الإقدام على جراحة تكميم المعدة، خاصة بعد انتشار العيادات، وعلى من يقرر ذلك التأكد من إشراف مختصين في الجراحة والغدد والتجميل، لأن المخاطر تكون مرتفعة، خاصة على من يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو السكري".
ورغم تفاوت أرقام السمنة في مناطق تركيا، إلا أن الداء بات ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة بين الأطفال والشباب، وحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، فإن 66.8 في المائة من البالغين الأتراك يعانون أحد أشكال زيادة الوزن، ويعاني 32.1 في المائة من السمنة المفرطة، بنسبة 39.2 في المائة بين النساء و24.4 في المائة بين الرجال.
يقول عميد كلية الطب في جامعة غازي التركية مصطفى نجمي إيلخان إن "انتشار التقنيات الرقمية في كل المجالات يتسبب في قضاء الأطفال ساعات طويلة أمام شاشات التلفاز والحواسيب، ما يؤدي إلى العديد من الأمراض، وعلى رأسها زيادة الوزن والسمنة المفرطة. مسح السمنة لدى أطفال تركيا يظهر ارتفاعاً مستمراً، ومعدل الأطفال المصابين بالسمنة ارتفع من 8.3 إلى 9.9 في المائة خلال السنوات القليلة الماضية، أي أن واحداً من كل 10 أطفال يعاني من السمنة المفرطة، كما أن معدل زيادة الوزن ارتفع من 14.2 إلى 14.6 في المائة".
ووفق نتائج مسح أجرته وزارة الصحة، فإن 53.1 في المائة من النساء و31.7 في المائة من الرجال لديهم مستويات منخفضة من النشاط البدني من جراء الوزن الزائد.
ويشير تقرير السمنة الأخير الصادر عن مكتب منظمة الصحة العالمية الإقليمي إلى أن 59 في المائة من البالغين في أوروبا، ونحو واحد من كل ثلاثة أطفال يعانون من زيادة الوزن أو السمنة. وفي ما يخص تركيا، يؤكد التقرير أن منطقة غرب البحر الأسود تتصدر معدلات السمنة بنسبة 37.5 في المائة، تليها مناطق وسط الأناضول بنسبة 36.9 في المائة، فيما تتراجع النسبة في جنوب شرق الأناضول إلى 24.2 في المائة، وتبلغ في إسطنبول 30.7 في المائة.
يقول الطبيب محمد الجزار، لـ"العربي الجديد"، إن "السمنة باتت مرض العصر نتيجة نوعية الغذاء، وفترات الجلوس الطويلة، وقد زادت بعد جائحة كورونا، ويقدر عدد مفرطي الوزن في العالم بأكثر من 800 مليون شخص حاليا، مقارنة مع 650 مليونا في إحصاءات عام 2016، لكن الوضع في تركيا بات متفاقماً مع تصدرها الدول الأوروبية، ما يستدعي إجراءات حكومية".
ودقت تركيا ناقوس خطر البدانة قبل سنوات بعد أن تحولت إلى تحدٍّ اقتصادي ومجتمعي وصحّي يعيق الخطط الحكومية بالوصول إلى نادي العشرة الكبار، فتبنّت وزارة الصحة خطة طويلة المدى تستهدفُ زيادة عدد مراكز علاج السمنة.
ويؤكد الطبيب محمد الجزار أن "المراكز التركية تعتمد أحدث الخطط والبرامج العالمية لمواجهة المرض، مع تضافر جهود وتخصصات التغذية والجراحة والطب النفسي، ونلاحظ زيادة حالات اللجوء إلى الجراحة في الفترة الأخيرة، وعمليات تكميم أو قص المعدة زادت رغم تكاليفها التي تصل إلى نحو 4 آلاف دولار".
ويضيف: "في مرحلة العلاج، علينا أن نفرق بين زيادة الوزن والبدانة، إذ يصنف الوزن زائداً مع زيادة تتراوح بين 20 إلى 25 كيلوغراماً، وفي هذه المرحلة، ينصح باللجوء إلى البرامج الغذائية والرياضية، وعند زيادة الوزن عن 25 كيلوغراماً، ينصح بزرع بالون داخل المعدة، أو حقن بوتوكس داخل المعدة لتقليل الشهية، مع برنامج غذائي رياضي، لكن إن كان الوزن الزائد أكثر من 40 كيلوغراماً، فإن ذلك يعتبر بدانة مفرطة، وفي هذه الحالة، ينصح بجراحة تكميم أو قص المعدة".