تحت مظلّة صغيرة، يفترش الفلسطيني صبحي السالمي رمال شاطئ بحر غزة، برفقة زوجته وأطفالهما، هرباً من ارتفاع درجات الحرارة المتزامن مع الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي. كذلك يأتي الهروب إلى بحر غزة كمحاولة للترويح عن النفس في ظل الظروف الحياتية الصعبة.
ويكتظّ الشريط الساحلي غربيّ قطاع غزة بالعائلات الفلسطينية التي تجد في البحر متنفساً وحيداً وأساسياً لها في مثل هذه الأيام الحارة، خصوصاً مع تواصل أزمة الكهرباء، التي كانت قد بدأت منذ منتصف عام 2006 حين قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، الأمر الذي ساهم في توقّفها عن العمل بشكل كامل.
يُذكر أنّه في أحسن الأحوال، تتوفّر الكهرباء لمدّة ثماني ساعات متواصلة.
ولا يرى السالمي سوى البحر مجالاً لأطفاله من أجل الترفيه، مع غياب مساحات الترفيه العامة في القطاع، إلى جانب غلاء تلك الخاصة والتجارية. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "البحر وجهتي مع عائلتي منذ سنوات، كما كان وجهة عائلتي الكبيرة قبل زواجي، خصوصاً في الأوقات التي تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي. الناس تتّجه إلى البحر للاستجمام والاستفادة من الأجواء اللطيفة".
ويشهد شاطئ بحر غزة حركة نشطة خلال أيام الأسبوع، تزداد في فترات المساء وأيام العطل.
وتنتشر الاستراحات على طول الشاطئ، إلى جانب أكشاك صغيرة توزع المقاعد البلاستيكية والخشبية، فيما يكثر الباعة المتجولون الذين يعرضون بضائع المُسليات، من مرطبات وبطاطا حلوة وعنبر (حلوى التفاح) وعصائر ومياه باردة وكعك وذرة مسلوقة وحلويات، بالإضافة إلى ألعاب البحر وغيرها.
ولا يقتصر هروب أهالي قطاع غزة نحو البحر على الأوقات التي ترتفع فيها درجات الحرارة فقط، ولكنه يُعَدّ عموماً متنفساً لتعزيز الأحوال النفسية التي تدهورت أخيراً عقب العدوان الإسرائيلي على القطاع، مع استهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية المدنيين، الذي سبب حالة من الرعب والقلق ما زالت آثارها قائمة، لذا يُلاحظ ارتفاع نسبة مرتادي البحر منذ ذلك الحين.
وتتنوّع الجلسات على شاطئ بحر غزة. فيتوجّه بعض الناس إلى الاستراحات مدفوعة الأجر، فيما يقصد آخرون الاستراحات الشعبية ذات التكلفة البسيطة، أو يفترش قسم ثالث رمال البحر لتوفير المال، خصوصاً في ظلّ الأوضاع الاقتصادية السيئة وارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 80 في المائة، ونسبة البطالة إلى أكثر من 60 في المائة.
يُذكر أنّ ثمّة من يفضّل شاطئ البحر في فترات المساء، للاستمتاع بجلسات السمر العائلية.
من جهته، يصطحب الستيني أحمد الفتياني عائلته وأحفاده للسباحة في البحر، فهو "المتنفس الوحيد في ظلّ الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي وارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير"، بحسب ما يؤكد.
والفتياني، الذي يسكن في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غربي مدينة غزة، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الحياة في المخيمات صعبة وتزداد فيها معاناتنا اليومية بفعل الإمكانيات المحدودة، ما يضطر الأهالي إلى البحث عن أماكن ترفيه لقضاء أوقات بعيداً عن ضغوط الحياة وتردّي الأوضاع الاقتصادية، وكذلك عن تبعات المعاناة أيام العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة".
ويوافقه الرأي عمر أبو عيطة، الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "درجات الحرارة غير طبيعية وتزداد حدّتها مع انقطاع الكهرباء"، الأمر الذي يدفعه إلى اصطحاب عائلته إلى البحر "للاستجمام والترويح عن النفس، خصوصاً في ظلّ الظروف المحيطة التي يشدد فيها الاحتلال الإسرائيلي حصاره على القطاع مع إغلاق كلّ المعابر المؤدية إليه".
يشار إلى أنّ نحو 2.5 مليون نسمة يعيشون في قطاع غزة على مساحة 365 كيلومتراً مربّعاً، علماً أنّ الكثافة السكانية فيه هي الأعلى عالمياً. وهؤلاء يعانون من تواصل الحصار الإسرائيلي عليهم براً وبحراً وجواً منذ 15 عاماً، الأمر الذي ساهم في تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير.