باكستان: كورونا بدّل طقوس رمضان
استقبل الباكستانيون شهر رمضان، للعام الثاني على التوالي، في ظلّ استمرار تداعيات جائحة كورونا، وما تبعها من آثار اقتصادية ومجتمعية ونفسية. وخلافاً للتوقعات، فإنّ تداعيات الجائحة هذا العام كانت أصعب على الباكستانيين مقارنةً بالعام الماضي، إذ إنّ رمضان 2020 كان بعد أشهر من بداية الوباء، أما هذا العام فإنّ شهر الصوم قد حلّ فيما العالم بالكامل غارق في تداعيات الجائحة.
يعيش معظم أبناء الشعب الباكستاني تحت خط الفقر المدقع، لذا كانت لكورونا تأثيرات كبيرة على المواطن العادي مقارنة بالأثرياء وميسوري الحال. ونظراً للحالة المعيشية الهشة، باتت مطالب وإجراءات السلطات لمواجهة فيروس كورونا في مهب الريح، إذ مع دخول رمضان، وعلى الرغم من تحذيرات المسؤولين المتكررة من مغبة انتهاك الإجراءات اللازمة لمواجهة الموجة الثالثة من كورونا، لا سيما النسخ المتحورة الجديدة، اكتظت الأسواق الباكستانية بالمواطنين الذين يتجاهلون أدنى الاحتياطات اللازمة كالالتزام بالكمامة والتباعد الاجتماعي. كذلك أعلنت هيئة المراقبة الوطنية لجائحة كورونا قبل أيام، أنّ الحكومة الباكستانية قد تضطر لاتخاذ إجراءات صارمة إن لم يتقيّد المواطنون بالتدابير الحالية، خصوصاً مع ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات اليومية.
وحذر وزير التخطيط والتنمية الباكستاني، أسد عمر، خلال مؤتمر صحافي، قبيل شهر رمضان، من تجاهل المواطنين القيود المفروضة، لافتاً إلى أنّ الحكومة ستضطر إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، قد تضر شريحة التجار ورجال الأعمال. وذكّر أيضاً بـ"الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطن الباكستاني، والذي أرهقته تداعيات كورونا، علماً أنّ السلطات أضحت هي أيضاً مرهقة من تنفيذ الإجراءات، خصوصاً أنّ الوقت قد طال مع الجائحة، وفي دولة فقيرة مثل باكستان يعتبر تنفيذ القرارات الحكومية أمراً صعباً، لكنّ الحكومة مرغمة على ذلك، خصوصاً بعد التفشي السريع للموجة الثالثة من الوباء".
وأعلنت الحكومة عن آلية لأداء الفرائض خلال شهر رمضان، إذ منعت مجدداً كبار السن ممن تجاوزوا الخمسين عاماً، والأطفال من الذهاب للمساجد، مع مراعاة باقي الفئات العمرية بالإجراءات اللازمة، كالالتزام بالكمامة، واحترام التباعد الاجتماعي، خصوصاً أنّ قرارات العام الماضي بقيت حبراً على ورق، إذ لم يحترم أحد التحذيرات الحكومية، بل على العكس، كانت المساجد مليئة بكبار السن. في ما يبدو، فإنّ الحكومة قد تعبت من الإجراءات، وهو ما ألمح إليه الوزير أسد عمر، وبالتالي اكتفت بالإجراءات الورقية كما العام الماضي، الأمر الذي رحب به المواطنون، خصوصاً أنّ الطقوس الرمضانية جزء مهم من الشهر الفضيل.
من جهته، يقول المواطن محمد مشتاق، وهو أحد سكان مدينة بيشاور، شمال غربي البلاد، لـ"العربي الجديد" إنّ الجائحة "لن تغادر حياتنا اليومية، وبالتالي علينا التعايش معها، بلا تعطيل لحياتنا اليومية، خصوصاً الدينية منها... لقد رأينا من الأقارب من أخذ بجدية الاحتياطات اللازمة، لكنّه توفي نتيجة مضاعفات إصابته بكورونا، بينما من تجاهل الفيروس ما زال على قيد الحياة". وتخالف الناشطة زاهره تسنيم، رأي مشتاق، إذ تعتبر أنّ "الشريعة الإسلامية والعقل يأمراننا بالاستماع لأهل التخصص، أي الأطباء، بعدما ثبت تفشي الجائحة كنتيجة للامبالاة، وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة" مطالبةَ بأخذ الحيطة والحذر.
وأعلنت السلطات عن منع التجمعات بأشكالها كافة، سواء أكانت داخل المساجد أو المطاعم، وسمحت للمطاعم بإيصال الطعام إلى المنازل، لكنّها منعتها من استقبال الزبائن وقت الإفطار. وتأثرت الشريحة الفقيرة والعمال من تلك الإجراءات إذ عادة ما تقام في باكستان موائد الرحمن، وهي عبارة عن إفطارات جماعية ينظمها الأثرياء ورجال الأعمال والمؤسسات الخيرية في مختلف مناطق البلاد، من أجل توفير وجبات الطعام للفقراء، لكنّ السلطات منعتهم من تنظيم موائد الرحمن هذا العام بسبب تفشي فيروس كورونا.
يتحدث الناشط محمد نديم، لـ "العربي الجديد" عن طرق بديلة اتبعها ميسورو الحال، بدلاً من موائد الرحمن، وذلك عبر "توزيع المواد الغذائية على الأسر الفقيرة، وتوزيع علب الطعام وقت الإفطار على العمال والفقراء المجتمعين أمام المساجد، ومحطات الوقود والأماكن العامة. وعلى الرغم من عدم وصولها إلى مستوى موائد الرحمن، فإنّها بديل جيد، يستفيد منه كثيرون، وهو ما حصل أيضاً في رمضان 2020"، محذراً من التجمعات أمام المساجد خلال توزيع الطعام.
ولم تفتح الأسواق الرمضانية أبوابها هذا العام خوفاً من التجمعات، التي كانت توفر الحاجيات الأساسية والرمضانية بأسعار زهيدة. في المقابل، يتجمع الباكستانيون في الأسواق التقليدية، التي تكتظ بالأهالي قبيل الإفطار، ليدفع المواطن العادي الثمن وسط ارتفاع أسعار السلع الضرورية، على الرغم من تأكيد الحكومة أنّها ستتعامل بشدة مع كلّ من يستغل الوضع الحالي من التجار، لرفع الأسعار.