ينهمك الباحث الفلسطيني، سمير الشريف، في جمع الوثائق العثمانية المتعلقة بالعائلات الفلسطينية التي تعود جذورها إلى القرى والبلدات والمدن المحتلة عام 1948 والتابعة لقضاء غزة، والعمل على تدوينها في كتب منفصلة لكل بلدة ومدينة.
وعمل الشريف خلال السنوات التي تلت عودته إلى فلسطين عام 1996 على جمع المتعلقات التراثية الخاصة بالفلسطينيين، والتي تعود جذور بعضها إلى مئات السنين ووضعها داخل منزله أو منزل العائلة من أجل الحفاظ عليها.
ويمتلئ المنزل الذي يقيم فيه هو وزوجته سمر بغدادي بعشرات القطع التراثية القديمة، إلى جانب أثواب فلسطينية قديمة تعود للقرى والبلدات المحتلة عام 1948، اعتادت السيدات ارتداءها في السابق، حيث كانت الأزياء تختلف من قرية لقرية.
وتلعب بغدادي زوجة الشريف دوراً في الحفاظ على القطع التراثية التي عمل زوجها على جمعها على مدار السنوات الماضية، من خلال توزيع بعضها داخل المنزل وتنظيفها ووضعها داخل أروقة بطريقة تجذب الزوار.
ويقضي الباحث في الوثائق العثمانية سمير الشريف ما يزيد على 10 ساعات يومياً بين الأوراق والوثائق القديمة التي تعود إلى عهد الخلافة العثمانية والتي تفصل جذور العائلات الفلسطينية في القرى والبلدات المحيطة بالقطاع وأصول كل منها.
ويرجع في حديثه لـ"العربي الجديد" أسباب بحثه في أصول العائلات والقرى الفلسطينية إلى حبه للتراث الفلسطيني، ثم تبع ذلك قيامه بالبحث في جذور عائلته، في تجربة بدأت عام 2000.
وتمكن الباحث من الحصول على بعض الوثائق التي تعود للحقبة العثمانية بمساعدة صديقين له، أحدهما من القدس المحتلة، والآخر من قطاع غزة، لتشكل حافزاً إضافياً على البحث في جذور العوائل الفلسطينية.
وشكّل بحث الكثير من العوائل عن جذورها في تركيا، ودفعها مبالغ مالية طائلة من أجل الحصول على وثيقة واحدة بشأن جذور العائلة الواحدة، عاملاً آخر أمام الشريف للقيام بخدمة العائلات الفلسطينية الراغبة في الوصول إلى امتداد جذورها تاريخياً.
ومع بداية العمل في البحث في أصول البلدات والمدن الفلسطينية، اختار الشريف مدينة المجدل التي أطلق عليها الاحتلال لاحقاً اسم "عسقلان"، لتكون باكورة الأعمال التي يوثق من خلالها جذور العائلات التي كانت تعيش فيها، وفقاً لسجل النفوس العثمانية.
وواجه الباحث في الوثائق العثمانية صعوبات، كان أبرزها عدم إلمامه باللغة العثمانية، حيث كانت الأحرف تكتب عربية، لكن لفظها يختلف كلياً، إضافة إلى أن الوثائق التي يعمل عليها يفوق عمرها 100 عام وقديمة وتعود جذورها إلى الفترة ما بين 1903 إلى 1915.
ولجأ إلى المراجع العثمانية القديمة الخاصة بقواميس هذه اللغة، حيث كان يبحث عن الكلمات بين قرابة 5 مجلدات للوصول إلى الترجمة الحرفية للكلمة الواحدة، وهو ما أسهم في إطالة مدة العمل على كتاب مدينة المجدل الذي استغرق عاماً كاملاً.
ومع توالي العمل، نجح الشريف في إصدار عدة كتب خاصة بالبلدات الفلسطينية في الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني الماضي وحتى أكتوبر/تشرين الأول من عام 2022 الحالي، منها قرى "حمامة وبيت طيما وبربرة والجية والجورة وهربيا والفالوجة وأسدود، وكرتيا".
وينتظر الباحث في الوثائق العثمانية صدور مجموعة جديدة من الكتب الخاصة بالقرى والبلدات التي تسمى "قضاء غزة" على مسافة تمتد إلى 40 كيلومتراً، إذ يبلغ عددها 46 قرية ومدينة واحدة فقط هي مدينة المجدل.
أما عن الاختلاف ما بين عمليات التوثيق السابقة وما يقوم به، فيوضح أن هذه الكتب التي يُعدّها وينشرها تحتوي على وثائق رسمية تشتمل على تسلسل الأجداد وأجداد الأجداد، بما يساعد الأجيال الناشئة على معرفة جذور عائلاتها.
ويتحمل الباحث في الوثائق العثمانية تكلفة العمل بشكل كامل، سواء الطباعة أو الإيداع الوطني لدى الجهات الحكومية المختصة، إلى جانب الطباعة لدى المطبعة التي تنجز العمل، في ظل غياب الإقبال على شراء الكتب في غزة.
ويرى أن هذه الكتب والأعمال البحثية التي يقوم بها تؤكد الجذور الفلسطينية في هذه الأرض وتسهم في تأكيد حق العودة إلى كامل الأراضي المحتلة عام 1948، وهي بمثابة رد على الدعاية الإسرائيلية التي تسعى لنفي الوجود العربي في فلسطين.
ويأمل الشريف توفير احتضان رسمي من قبل السلطة الفلسطينية أو الجهات الحكومية في غزة، إلى جانب الجامعات للعمل على إنجاز مشروع كامل يوثق جذور العائلات الفلسطينية على كامل مساحة فلسطين التاريخية.
ويطمح الباحث الفلسطيني إلى أن يتمكن لاحقاً من الانتقال إلى مرحلة يوثق فيها جميع جذور العائلات الفلسطينية على امتداد مساحة فلسطين التاريخية، فيما لو قُدِّمَت له المساعدة في توفير الوثائق العثمانية المطلوبة للقيام بذلك.