استمع إلى الملخص
- **تاريخ المستشفى ودوره في تقديم الخدمات:** أنشئ بتبرع من جمعية الأقصى في اليمن وافتتح عام 2020، لكنه خرج عن الخدمة بعد استهدافه في مايو/أيار الماضي، وأصبح مركز إيواء يعاني من نقص في النظافة والموارد.
- **تحديات المهجرين في المستشفى:** يعانون من نقص الطعام والمياه ومواد التنظيف، وتعرضوا للإصابات نتيجة التدافع للحصول على المساعدات، ويشعرون بخذلان كبير نتيجة عدم تنظيم توزيع المساعدات وغياب المؤسسات الخيرية.
تحول مستشفى اليمن السعيد في قطاع غزة، بعد توقفه عن الخدمة نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية، إلى مأوى للمهجرين وسط انعدام النظافة وتفاقم الجوع في ظل قلة إدخال المساعدات.
في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، يتواجد الآلاف من سكان المخيم وآخرون من بلدتي بيت حانون وبيت لاهيا أقصى شمالي القطاع داخل مستشفى اليمن السعيد غرب المخيم. فبعدما كان المستشفى مسانداً لمستشفيات شمال القطاع الرئيسية وأخرجه الاحتلال الإسرائيلي عن الخدمة جراء سلسلة استهدافات طاولته، عدا عن نقص الوقود والمعدات الطبية والأدوية، تحوّل إلى ملجأ أخير لكثيرين في المنطقة الشمالية. يضم اليوم قرابة 7 آلاف مهجر يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة، حيث تتكدس النفايات على امتداد ممرات المستشفى الخلفية بالإضافة إلى مياه الصرف الصحي. ولا تستطيع البلديات إيجاد أي حل لهذه المشكلة في ظل غياب الإمكانيات ونقص الوقود وتدمير المعدات، وخصوصاً في بلديات شمال القطاع.
المستشفى واحد من المشاريع الخيرية التي تضررت بسبب سياسة الاحتلال الإسرائيلي والرقابة على مواد البناء وتشديد الحصار وتحديد المعدات التي تدخل قطاع غزة. بدأ إنشاؤه عام 2013، وتوقف مرات عدة حتى تم الانتهاء منه عام 2020، وسُلّم إلى وزارة الصحة في القطاع. أنشئ بتبرع من جمعية الأقصى في اليمن، وهي ضمن المؤسسات التي تخصص صندوقاً لدعم الفلسطينيين منذ سنوات، وقد تبرعت لصالح الجمعية الإسلامية في جباليا. كما مولت الجمعية تشغيل المستشفى لمدة عامين منذ افتتاحه، علماً أنه يقدم خدماته للمنطقة الشمالية من قطاع غزة، منها العمليات الجراحية وخدمات تخصصية أخرى.
وبدأ توجه الغزيين إلى المستشفى بعد استهداف عدد من مدارس المنطقة الشمالية، وتدمير مربعات سكنية كبيرة وسط مخيم جباليا أثناء العملية العسكرية الأخيرة في مايو/ أيار الماضي. وفي ظل تعرضه لحصار شديد في 21 مايو الماضي واستهدافه وتدمير أجزاء من مرافقه، أعلن عن خروجه عن الخدمة نهاية الشهر نفسه. لكن الطواقم الطبية في المستشفى أبقت عيادة صغيرة للطوارئ، لتنظيف الجروح ورعاية المسنين والنساء والأطفال بالحد الأدنى بسبب عدم تزويدهم بالمعدات اللازمة والأدوية، علماً أن كافة الغرف الطبية أصبحت ملجاً لأهالي شمال القطاع كما يقول علي الأشقر، الموجود في المستشفى للشهر الرابع على التوالي.
كان الأشقر (30 عاماً) ضمن جرحى العدوان الذين تلقوا العلاج داخل المستشفى. وبعد تدمير أجزاء كبيرة من البيوت في منطقة مشروع بيت لاهيا، نزحت عائلته إلى قلب المستشفى حيث استشهد شقيقه الأصغر عبد الكريم (19 عاماً) بعد قصف إسرائيلي استهدف المنطقة، ودفنه في مقبرة الفالوجا التي اعتدى الاحتلال عليها ودمر قبر شقيقه بعد حصارهم في المستشفى أثناء العملية العسكرية قبل أكثر من شهرين.
يقول الأشقر لـ"العربي الجديد": "نعيش هنا منذ قرابة أربعة أشهر ولا نجد أي مكان آمن في شمال القطاع بالمطلق. الاحتلال دخل بعض المدارس ودمرها واعتقل أشخاصاً فيها، وهناك معتقلون من أفراد عائلتي وجيراننا ولا نعرف عنهم شيئاً. كنا ننظر لهذا المستشفى على أنه الأمل الأخير. وبدلاً من أن يكون مكاناً يشفينا، نتعرض إلى عدوى من بعض المصابين بالأمراض منها الإنفلونزا والأمراض الجلدية".
يضيف الأشقر: "هناك عدد كبير من الإصابات بالأمراض الجلدية، لأن المستشفى يفتقر إلى النظافة. وفي بعض الأحيان، نتولى تنظيف الأقسام لكن لا يوجد أماكن لتصريف القمامة. وفي النتيجة، بات هذا المكان كأي مركز إيواء في القطاع، حيث تتلاصق العائلات بلا طعام أو مياه أو مواد تنظيف. نخشى أن تطول الحرب أكثر ويصبح المستشفى مكاناً موبوءاً".
يحصل المهجرون في المستشفى على القليل من الطعام، الذي بالكاد يصل إلى المنطقة. ونجح برنامج الأغذية العالمي مؤخراً في إدخال ثلاث شاحنات طعام إلى المنطقة الشمالية، وتوجهت إحداها إلى منطقة المستشفى التي أصبحت مركزاً لاستقبال المساعدات. لكن في ظل اكتظاظ المهجرين، فإن المساعدات لم تصمد أكثر من يومين، ما أدى إلى حدوث مشاكل بين الأهالي.
ويعتبر مستشفى اليمن السعيد أكبر الأماكن التي تضم مهجرين في شمال القطاع، إذ إن عدة مدارس تضم مهجرين باتت مدمرة بالكامل أو جزئياً، علماً أن العديد من الأسقف آيلة للسقوط. كان حمزة الجبور (43 عاماً) في أحدها في مخيم جباليا، لكنه توجه إلى المستشفى بعد سقوط أحد الأسقف الذي كاد أن يصيب الموجودين في المدرسة.
يقول لـ"العربي الجديد": "دمر الاحتلال مربعاً سكنياً كاملاً تعيش فيه أفراد عائلتي في بلدة جباليا، وأردنا كالكثير من الناس الصمود والبقاء في شمال قطاع غزة. ولو اتخذنا قراراً وتوجهنا إلى الجنوب، فستبقى عائلات قليلة هنا، ويستبيح الاحتلال دماءهم كما فعل في الكثير من المناطق التي يصعب وصول الإعلام والإسعاف إليها".
ويعاني اثنان من أبناء الجبور من سوء التغذية والجفاف، ويتلقيان العلاج في العيادة داخل المستشفى. ويسارع إلى الحصول على مساعدات لدى سماعه بقدوم شاحنة لإطعام أطفاله. في إحدى المرات، أصيب بجروح في الرأس نتيجة التدافع الحاصل لدى وصول المساعدات، مشيراً إلى أن العشرات يتعرضون لإصابات نتيجة التدافع بسبب الجوع الذي يكاد يقتل الناس.
يضيف: "بقينا هنا تأكيداً على صمودنا، ونرفض احتلال المنطقة بالكامل. لكننا نعيش ظروفاً سيئة في هذا المستشفى وقد تعرضنا إلى خذلان كبير. ففي الكثير من الأيام، يحضر مبادرون لتوزيع الطعام، من دون أن يكون هناك تنظيم للحصول عليه". ويلفت إلى أن توزيع المساعدات عشوائي، وما من مؤسسة خيرية أو رسمية في المنطقة، ما يجعل الظروف أكثر سوءاً.
من جهتها، تعيش خديجة أبو عناية (48 عاماً) معاناة يومية بعد استشهاد زوجها قبل خمسة أشهر، وبقيت تتنقل من مدرسة إلى أخرى في المنطقة الشمالية. توجهت إلى المستشفى بمساعدة إحدى النساء، مشيرة إلى أنها خرجت من السيئ إلى الأسوأ في المستشفى حيث الظروف المعيشية قاسية. تقول لـ"العربي الجديد": "كان لدينا منزل في مخيم جباليا وقد دمره الاحتلال قبل شهرين بالكامل. لم أجد أية وسيلة مواصلات لنقلي إلى جنوب قطاع غزة وبقيت في الشمال مع أبنائي حيث لا نحصل على طعام في أوقات كثيرة. وحتى عندما أحصل على وجبة، أتقاسمها مع أبنائي. أذكر أنني منذ ثلاثة أشهر بالكامل، لم أتناول وجبة أشعرتني بالشبع".