يعيش معظم الأفغان تحت خط الفقر، وتواجه النساء الحوامل أنواعاً من المعاناة، في ظل انعدام الاهتمام الطبي والنفسي والاجتماعي بأوضاعهنّ، كما لا يملكن الوعي الكافي للحفاظ على صحتهنّ في أثناء الحمل، وأيضاً بعد الولادة.
تقول المتخصصة في الأمراض النسائية أسماء عبد الولي، لـ"العربي الجديد" إن "الوضع الصحي للنساء الحوامل أفضل صحياً في العاصمة كابول والمدن الكبرى مثل جلال آباد وهرات ومزار شريف وقندهار، لكنه سيء في المناطق النائية والريفية، حيث يفضل كثير من الأفغان عدم إدخالهن المستشفيات لتلقي أي نوع من العلاج في أثناء الحمل، وأيضاً وضع مواليدهنّ في المنازل، وقد يريد أشخاص في بعض المناطق أن تحصل النساء الحوامل على خدمات طبية، لكن وضعهم المعيشي يمنع ذلك، إلى جانب عدم وجود مستشفيات وكوادر طبية".
وتؤكد أن "الوضع تحسّن قليلاً في بعض المناطق في المرحلة الأولى من سيطرة حركة طالبان على الحكم بتأثير تحسّن الوضع الأمني، لكن الأمور عادت إلى ما كانت عليه بعدما توقفت معظم الطبيبات عن العمل في الريف، وأغلقت المؤسسات التي كانت تعمل في المجال أبوابها، أو أنهت مشاريعها. فارق كبير حصل في عقلية أفراد القبائل على صعيد التعامل مع النساء، خصوصاً في القضايا الحساسة مثل الحمل، باعتبار أن بعضهم يرفضون استشارة المستشفيات، أما الأشخاص الذين يرضون بأخذ النساء إلى المستشفيات في أثناء الحمل وعند الوضع، فيواجهون مشاكل كبيرة، مثل الوضع المعيشي وعدم وجود مستشفيات وكوادر طبية نسائية متخصصة".
تضيف: "وجدت خلال زيارتي الأخيرة لولاية زابل ومناطق نائية جنوبيّ أفغانستان أن الكثير من النساء ما زلن يلدن في المنازل، وتتعرض كثيرات منهن للموت نتيجة النزف والوضع الصحي الصعب، وأعتقد أنّ ثمة أُسَراً ترضى بأخذ النساء إلى المستشفيات وتلقي العلاج في أثناء الحمل والوضع، لكنها لا تستطيع ذلك بسبب الوضع المعيشي أو عدم وجود مستشفيات وكوادر طبية".
وفي مطلع يناير/ كانون الثاني الجاري، قال الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفن دوجاريك، إن "أوضاع النساء الحوامل في أفغانستان صعبة وحالتهنّ مزرية، وهذا يؤكد واقع كون أفغانستان من بين الدول التي تشهد وتيرة مرتفعة لوفيات النساء في أثناء الحمل، علماً أن امرأة تخسر حياتها كل ساعتين خلال الولادة".
وقال رئيس اللجنة النرويجية في أفغانستان، تاراجووتر دال، إن "5000 امرأة تموت في كل 100 ألف ولادة بالمناطق النائية في أفغانستان".
وتستبعد الناشطة الأفغانية زرلشت عابدي في حديثها لـ"العربي الجديد" أن تكون أرقام الأمم المتحدة دقيقة، مؤكدة أن "الوضع أسوأ، والقضية لا تقتصر على وفيات وأموات، فمعاناة النساء الحوامل دائمة في المناطق الريفية، وأعرف نساءً يعانين من أمراض لأنهنّ لم يحصلن على علاج مناسب في أثناء الحمل والولادة، ما سبّب مشاكل صحية كبيرة لهنّ".
تضيف: "رأيت فتيات تزوجن في عمر مبكر، وولدن مرات قبل أن يصلن إلى سنّ العشرين، فأصبحن عجائز في سنّ الثلاثين بسبب عدم وجود رعاية صحية. في إحدى الحالات تزوجت فتاة في سنّ الـ16، وأنجبت طفلها الأول في سنّ الـ17 من دون أن تنقلها أسرتها إلى المستشفى في أثناء الحمل، ولدى الولادة عانت من نزف حاد، وأنجبت طفلة عانت من نزف أيضاً، وحين نقلتا إلى مستشفى خاص بمدينة جلال آباد، كانت كلتاهما في حالة حرجة، وتعامل الأطباء جيداً معهما ونجتا، لكن الأم تعاني من أمراض مختلفة منذ عامين، ولا تستطيع أن تنجب في الوقت الحالي".
ويقول الزعيم القبلي رضوان الله خان لـ"العربي الجديد": "تتمثل النظرة العامة لدى القبائل بأن المرأة يجب أن تضع مولودها في المنزل من دون أن تذهب إلى المستشفى، وهو ما كان يحدث في الماضي. وقد غيّر كثيرون نظرتهم إلى هذه المسألة، وباتوا يريدون نقل النساء إلى المستشفيات وزيارة طبيبات، لكن المشكلة الأساس هي الوضع المعيشي وعدم وجود مستشفيات وكوادر طبية في المناطق الريفية، وندعو المجتمع الدولي وحكومة طالبان إلى أن تهتم أكثر بهذه القضية".
ومن أبرز مشاكل القطاع الصحي في المناطق الريفية والنائية قلة الإمكانات والتجهيزات والمستلزمات، ما يجبر السكان على نقل مرضاهم إلى المدن، رغم أن وضعهم الاقتصادي هشّ، ويعانون من ندرة وسائل النقل. وهم يواجهون مشاكل كثيرة في التعامل مع الحالات المختلفة للأمراض، وتوفير المتطلبات المناسبة لعلاجها تمهيداً لتماثلها للشفاء.
ويعترف مسؤولو قطاع الصحة في أفغانستان بوجود مشاكل كثيرة في المناطق الريفية، لكنهم يؤكدون أن الإدارات المعنية تعمل ليلاً ونهاراً لتحسين الأوضاع، وذلك باستخدام كل الوسائل المتوافرة التي تعترف بأنها ضعيفة، ولا تلبي الاحتياجات.