يلقى سوريون حتفهم بين وقت وآخر نتيجة انفجار "مخلفات الحرب"، وخصوصاً الألغام التي زرعها مختلف أطراف الصراع في الجغرافيا السورية على مدى أكثر من عشر سنوات، وهو ما يشكل خطراً مستمراً على حياة السوريين.
وأفادت وكالة "سانا" للأنباء التابعة للنظام السوري، أمس الأحد، بمقتل ستة مدنيين في انفجار لغم يُعتقد أنه من مخلفات تنظيم "داعش" الإرهابي بمنطقة البشري في ريف دير الزور، التي لا تزال تشهد نشاطاً للتنظيم الذي ظل مسيطراً عليها عدة سنوات.
ولطالما شهد ريف دير الزور خلال السنوات الفائتة مقتل مدنيين، وخصوصاً من البدو، نتيجة الألغام التي باتت "تشكل خطراً" على حياة الأجيال القادمة، وفق منظمات حقوقية.
وكان 6 مدنيين قد قُتلوا السبت، جراء انفجار لغم يُعتقد أنه من مخلفات تنظيم داعش، في أثناء ذهابهم لجمع الكمأة في بادية السخنة، بريف حمص الشرقي.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 56 مدنياً، بينهم امرأة، و3 أطفال، وإصابة 29 آخرين، بينهم 8 أطفال، نتيجة انفجار مخلفات الحرب منذ بداية شهر رمضان الجاري.
من جانبه، أفاد الفاروق أبو بكر، القيادي في الجيش الوطني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "قوات الأسد هي الأكثر لجهة زراعة الألغام على نقاط التماس والجبهات، وفي المناطق الفاصلة بينها وبين فصائل المعارضة"، مشيراً إلى أن النظام "زرع ألغاماً فردية وأخرى مضادة للدروع والدبابات، وهو ما ألحق ضرراً بالمدنيين ورعاة الأغنام والآليات الزراعية".
وأوضح أن الجهة الثانية التي زرعت ألغاماً في الأراضي السورية، هي "تنظيم داعش عندما كان موجوداً في المنطقة قبل القضاء عليه قبل نحو عشر سنوات"، مشيراً إلى أن قوات قسد هي الأخرى زرعت ألغاماً في مناطق ريف حلب، وخصوصاً على نقاط التماس معها.
وأوضح أن هناك الكثير "من الأراضي الزراعية في الشمال السوري تحوي مخلفات حرب من قوات الأسد وداعش ومليشيا قسد"، مضيفاً: "منذ أيام قتل طفلان في منطقة تادف (ريف حلب الشمالي) نتيجة انفجار بعض هذه المخلفات. هناك عدد كبير من المدنيين والعسكريين قتلوا أو بُترت أطرافهم نتيجة الألغام والقنابل".
من جانبه، أوضح المزارع أحمد النجار، في حديث مع "العربي الجديد" أن "أغلب المزارعين في الشمال السوري معرضون لخطر مخلفات الحرب العشوائية التي تركها تنظيم "داعش" في المنطقة.
وتابع النجار الذي عمل في مجال إزالة الألغام في الشمال السوري والذخائر غير المنفجرة: "المزارعون هم الأكثر تعرضاً للخطر، لكونهم يعتمدون على الآليات الزراعية التي تنفجر بها بين وقت وآخر ألغام فردية أو مضادة للدروع".
وأوضح أنه خلال السنوات السابقة "أُزيل أكثر من عشرة آلاف لغم فردي أو مضاد للدروع، أو ذخائر غير منفجرة في الشمال السوري"، مضيفاً: "حتى اليوم هناك ألغام في الشمال، ولم تتم عمليات إزالتها بشكل كامل".
وحاول "الثلاثي الضامن" في سورية (تركيا، روسيا، إيران) التعامل مع ملف الألغام من خلال جولات مسار أستانة التفاوضي، حيث اتفقت هذه الدول في الجولة الثامنة التي عقدت في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2017، على تشكيل مجموعة عمل بخصوص إزالة الألغام، لكن هذه المجموعة لم ترَ النور.
ومشكلة الألغام لا تقتصر على الشمال السوري والبادية السورية فقط. فوفق الناشط الإعلامي يوسف المصلح، فإن محافظة درعا في جنوب سورية "تعاني كثيراً من الألغام ومخلفات القصف، خصوصاً في المناطق التي كانت خطوط مواجهات قبل عام 2018"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن طفلين قُتلا مطلع العام الجاري نتيجة انفجار ألغام في ريف درعا.
إلى ذلك، بيّن العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة في شمال غرب سورية في حديث مع "العربي الجديد" أن "هناك نوعين من الألغام المزروعة في الأراضي السورية، الأول ألغام مضاد للآليات، والثاني مضاد للأفراد".
وحول الجهة الأكثر زرعاً واستخداماً للألغام في سورية، أفاد البكور بأن "نظام الأسد يأتي في مقدمة الأطراف التي زرعت واستخدمت الألغام خلال سنوات الحرب، تليه المليشيات الإيرانية التي تساند قوات هذا النظام في مختلف المناطق السورية، ثم تنظيم "داعش"، فهذه الجهات تمتلك كميات كبيرة من هذه الألغام"، مضيفاً: "أما فصائل الثورة السورية، فقد استخدمت الألغام على نطاق محدود". ودعا البكور الأمم المتحدة إلى التدخل لمواجهة مشكلة الألغام ومخلفات الحرب في سورية، معتبراً أن "لدى المنظمة الدولية آليات وبرامج ومختصين، وخبراء لتطهير الأراضي التي جرت عليها نزاعات مسلحة من الألغام".
من جانبه، بيّن المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد" أن "الحرب في سورية تركت آثاراً كارثية من النواحي كافة، وأبرزها الألغام"، مضيفاً: "الحرب فرضت على جميع الأطراف استخدام ما لديه من أسلحة، وخصوصاً من طرف قوات النظام".
ويرى أنه "من دون حل سياسي عادل لا يمكن حل مشكلة الألغام في سورية"، مضيفاً: "أي حل سياسي يجب أن يتضمن الإيضاح بالخرائط عن حقول الألغام الموجودة من قبل الأطراف المتصارعة، لرفعها أو تفجيرها من قبل مختصين". ويعتقد فرحات أنه "لا يمكن تنظيف سورية من الألغام بنسبة مائة بالمائة"، مضيفاً: "ستبقى هناك ألغام ومخلفات حرب وذخائر وقنابل عير منفجرة تحصد أرواح الناس. لذا، يجب إجراء دورات توعية دائماً".