الليبيون يتمسكون بروح العيد رغم الغلاء وشحّ السيولة
- تغيرت عادات شراء ملابس العيد باتجاه المنصات الإلكترونية، مع استمرار أهمية التقاليد مثل ارتداء الملابس التقليدية والتسوق التقليدي، وتزايد ارتباط الشباب بالأزياء التاريخية والتقليدية.
- تأثرت استعدادات العيد بغلاء الأسعار وغياب السيولة النقدية، مع حفاظ الأسر على تقاليد العيد كإعداد الحلويات والاجتماعات العائلية، وظهور المعايدات الإلكترونية كبديل لزيارات الأسر والأقارب، مما يعكس التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية.
مرت أعوام على توقف الحرب في ليبيا منذ منتصف عام 2020، وبالتالي استردادها عافيتها الذي انعكس إيجاباً على العديد من جوانب الحياة وسمح باستعادة مناسباتها شيئاً من روح الفرح، ومن بينها الأعياد الدينية.
نشطت منذ منتصف شهر رمضان الحركة في أسواق العاصمة الليبية طرابلس وبنغازي، ثاني أكبر مدن البلاد، ومناطق أخرى عدة، في ظل إقبال الناس على شراء لوازم عيد الفطر والألبسة والأطعمة الخاصة به.
وتركزت حركة العيد في الصالات الكبرى لبيع الملابس التي تتوزع في أنحاء العاصمة طرابلس، والأحياء التي جرى تحديث طرقاتها خلال العامين الماضيين وافتتحت فيها صالات جديدة بات الإقبال عليها أكبر من الأسواق لطلب الراحة في الحركة، والابتعاد عن الازدحام.
ويمتد إيقاع هذه الحركة إلى الأحياء التي شهدت تحسينات في البنى التحتية في بنغازي، حيث يقبل المواطنون على شراء الملابس من أسواق شارع فينيسيا وغيرها. لكن أمراً جديداً طرأ على عادات شراء الملابس الخاصة بعيد الفطر، وتمثل في شراء بعض الناس هذه الملابس من منصات إلكترونية خاصة بمحلات كبيرة توفر خدمة التوصيل المنزلي، "ما يفقد العيد بعض مظاهر بهجته" بحسب ما تقول أم طيبة الترهوني التي تعيش في منطقة جنزور غربي طرابلس، لـ"العربي الجديد".
واستكملت الترهوني شراء ملابس العيد لطفلتيها، في حين جلبت ملابس تقليدية لطفلها، والتي يعتاد الشباب والرجال على ارتدائها في عيد الفطر.
وترى الترهوني أن "التسوق الذي يترافق مع التنقل بين المحلات من أجل اختيار ألبسة ذات موضة حديثة، وأخذ أراء الأطفال ومشاهدة فرحتهم لدى استقبالهم آبائهم وأمهاتهم مرتدين ملابس العيد، يجلبان فرحة كبيرة، أما شراء هذه الملابس من منصات إلكترونية فيُفقد العيد جانباً من بهجته، ويضعف ارتباط النشء الجديد بفكرة العيد، علماً أنني أرى حالياً أن ارتباط الشباب بأزياء بلادهم التاريخية والتقليدية يزداد".
وأعلنت محلات عدة لبيع الثياب التقليدية الخاصة بالرجال والشباب في طرابلس عن عروض جديدة عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، كما خفضت رسوم التوصيل المنزلي إلى خارج طرابلس، في حين أنه مجاني داخلها.
من جهته، يتحدث خليفة المصباحي من منطقة القربولي شرقي طرابلس، لـ"العربي الجديد"، عن أن أسعار الأسواق مرتفعة بسبب الإجراءات المصرفية الجديدة التي فرضت رسوماً إضافية على بيع النقد الأجنبي، كما يلمّح إلى التأثيرات السلبية للخلافات السياسية على صعيد تأخير صرف رواتب شهر مارس/ آذار الماضي.
ويقول: "لم يقبض كل الموظفين رواتبهم التي تعتبر مهمة جداً لهم بعد مرور ثلاثة أسابيع من شهر الصيام، والذي توافق مع زيادة كبيرة في مصاريف الأسر، وجعل محاولتها توفير مبلغ لشراء ملابس العيد أمراً مستحيلاً، خصوصاً أن إجراءات عدم صرف رواتب شهر مارس كانت مفاجئة وغير متوقعة". وقرر المصباحي أن يساعد ابنه في شراء ملابس العيد للأولاد، لكنه تساءل عن وضع المواطنين الذين لا يجدون من يساعدهم في إدخال الفرح إلى قلوب أولادهم.
وكالعادة ازدحمت المحلات التجارية في طرابلس وغالبية المدن والمناطق قبل حلول العيد، لكن نوح حماد الذي يملك محلاً تجارياً في منطقة طريق الشوك بطرابلس، يؤكد أن نسبة الشراء ضئيلة بالنسبة إلى الماركات الغالية، ويلفت إلى أن غالبية المواطنين يركزون على شراء ملابس عيد الأطفال من دون باقي أفراد الأسرة.
ويقول لـ"العربي الجديد": "لا تشتري غالبية الأمهات ملابس عيد لأنفسهن، وهو ما يفعله الآباء أيضاً، وهم يفضلون شراء الملابس للأطفال فقط من الصالات الكبرى والأسواق بسبب فارق الأسعار بينها وبين المحلات التجارية الكبيرة".
ورغم أن استعدادات العيد تأثرت سلباً بغلاء الأسعار وغياب السيولة النقدية وتأخر صرف الرواتب، تؤكد الترهوني أن مظاهر بهجة العيد كثيرة، ومنها إعداد الحلويات. وتقول لـ"العربي الجديد": "الأكيد أن الأسر لن تتخلى عن عادة إعداد حلويات العيد، وهي أصناف توفرها محلات، لكن تكاليف إعدادها في المنزل أقل بكثير".
وتعدد الترهوني أنواع هذه الحلويات بأنها الغريّبة والمقروض والكعك وأخرى من أصناف المعجنات. وتتحدث عن أن عادات العيد تتنوّع بين منطقة وأخرى، إذ يفطر أهالي بعض المناطق على العصيدة صباحاً قبل أن يذهب الرجال لأداء صلاة العيد، وفي حين سكان مناطق مثل طرابلس قطع السفنز (نوع من المعجنات)".
ويذكر المصباحي أن من عادات يوم العيد في ليبيا اجتماع الأسر في بيت الجد في الصباح، و"في العادة يحضر ابني وأفراد أسرته إلى منزلي، ونذهب سوياً للصلاة. وقبل أن نعود إلى البيت يتجمع أهل الحي حول المسجد او في طرقات الأحياء للمعايدة، وهذه عادات لا تزال قائمة الى اليوم".
في المقابل يشير المصباحي الى انقراض عادة زيارة الأسر والأقارب في المناطق والأحياء البعيدة نسبياً في ثاني أيام العيد، وحلّت بدلاً منه المعايدات عبر الهاتف، وأيضاً عبر صور اللقاءات والفرحة التي تنشر على "فيسبوك". و"قد اعتدت رغم سني على استخدام فيسبوك لمعايدة أصدقائي وأقاربي وتبادل التعليقات الخاصة بالمناسبة، وأرى أن هذه التحديثات تضرّ بالناس إذا استخدموها بكثرة وخضعوا لها".