تزداد ظاهرة عمالة الأطفال في سورية، وبعضها في مهن خطرة، بتأثير الفقر وقلة الحيلة، خاصة لدى أطفال فقدت أسرهم معيلها، ما جعلهم يتحملون مسؤوليات كبيرة، اضطرتهم إلى ترك الدراسة التي بات مواطنون كثيرون يعتبرونها حكراً على الأغنياء والميسورين.
يقول متخصصون اجتماعيون إن النسبة الأكبر من الأطفال يعملون بأجور يومية، ويبحثون بشكل دائم عن عمل لشراء أغذية أساسية، من دون الأخذ في الاعتبار غالباً خطورتها التي قد تصيبهم بأمراض أو حتى تتسبب في وفاتهم.
وبين الأطفال الذين يواجهون المخاطر الأكبر في العمل أولئك الذي يجمعون خردة ومواد بلاستيكية من مكبات النفايات من أجل بيعها، فهم قد يلتقطون أجساماً حادّة مرمية تلحق بهم أذى أو تسبب أمراضاً لهم، وبينها مخلفات المستشفيات وأشياء تستعمل في المنزل، كما يعملون وسط حشرات ضارّة تحيط بالقمامة.
عند "دوار المحراب" في المدخل الشرقي لمدينة إدلب، شمال غربي سورية، ينضم الطفل علي الأسعد، البالغ 16 عاماً، إلى مجموعة عمال يقصدهم أشخاص لأداء مهام معيّنة تستدعي جهداً بدنياً كبيراً خلال فترة قصيرة، ويحصلون على خدماتهم بعد مناقشة السعر معهم.
يتحدث الأسعد لـ"العربي الجديد" عن عمله الشاق جداً قائلاً إنه "اضطر أحياناً إلى نقل أثاث منزل إلى الطابق الخامس مقابل 50 ليرة تركية (2.12 دولار)، وهذا أفضل من عودتي فارغ اليدين إلى المنزل".
ولدى سؤاله عن سبب عدم ذهابه إلى المدرسة، أجاب: "لا أحب الدراسة، كما يجب أن أعمل كي أساعد والدتي وأختي بعد وفاة والدي، ودفع الإيجار الشهري للمنزل البالغ 50 دولاراً".
أما الأسر التي لا تستطيع تعليم أبنائها فترسلهم للعمل في مهن تساعدهم في الحصول على فرص مستقبلية جيدة، وبينهم حسن الدايخ (15 عاماً) الذي تهجرت عائلته من مدينة حلب، ثم التحق بمدرسة في مدينة إدلب قبل أن يقرر والده تعليمه مهنة كهرباء سيارات في ورشة بالمنطقة الصناعية في مدينة إدلب.
وقال حسن لـ"العربي الجديد": "أحببت مهنة كهرباء السيارات كثيراً، وأنا سعيد جداً بمزاولتها. أتعلم بشكل جيد، ويجيب معلمي على كل أسئلتي، وبت أستطيع تلبية احتياجات الكثير من الزبائن، كما يعتمد معلمي علي في حال غاب عن الورشة. وأنا أطمح في أن أملك ورشتي الخاصة في المستقبل، لكنني حزين على أخي الذي كان يعمل في ورشة مجاورة لميكانيك السيارات، ثم أصيب في يده خلال غارة جوية".
وعموماً، لا حلول لمنع تسرّب الأطفال من التعليم، أو الاهتمام بمستقبلهم، سواء عبر منظمات حكومية أو غير حكومية، في حين لا تتوفر إحصاءات دقيقة لعدد الأطفال المتسرّبين من التعليم، أو الذين يعملون بمهن قد تناسب قدراتهم الجسدية.
وقضى مئات من الأطفال خلال عملهم في جمع الخردة أو رعي الأغنام، أو القطف في الأراضي الزراعية، نتيجة انفجار ألغام وقذائف من مخلفات الحرب في مناطق متفرقة من سورية.