العلماء يبحثون تحت الماء عن علاجات لأكثر من داء

04 مارس 2023
قد يُعثر على جزيء مطلوب لعقار ما في بكتيريا تتضمنها إفرازات الإسفنج (أليساندرو روتا/Getty)
+ الخط -

 

ينكبّ علماء مستكشفون على البحث في قاع المحيطات عن جزيئات يمكن أن توفّر في المستقبل علاجاً ثورياً لمرض السرطان مثلاً، أو مضادات حيوية جديدة شديدة الفاعلية، ويأملون إيجاد ضالتهم في ميكروبات الرواسب وفي بكتيريا تتعايش مع حلزون البحر أو تتضمّنها إفرازات الإسفنج.

ويضطر العلماء في الغالب، بسبب ميزانياتهم المحدودة وعدم تلقّيهم دعماً كافياً من المختبرات الكبرى، إلى الانضمام إلى مجموعات أخرى من الباحثين وابتكار طرق للحصول على العيّنات اللازمة لأبحاثهم، والتي قد تكون ببساطة أنبوباً من الوحل.

وعندما يتوصّل العلماء إلى الفوائد التي ينطوي عليها أحد الجزيئات المكتشفة في ما يخص الأمراض، من قبيل ألزهايمر أو الصرع، يستغرق تحويله إلى دواء أكثر من عقد، بتكلفة تبلغ مئات ملايين الدولارات. وقد سُلّط الضوء على هذه الاكتشافات الرائدة والتي ما زالت محدودة، في إطار المفاوضات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الرامية إلى إبرام معاهدة لحماية أعالي البحار.

وتختلف الدول في شأن توزيع عائدات الموارد الجينية التي تُجمَع في أعالي البحار، تحديداً تلك المستخدمة في الأدوية أو البلاستيك الحيوي أو الإضافات الغذائية، بحسب ما يوضح دانييل كاتشيلريس، وهو الرئيس المشارك في المباحثات من جانب تحالف "هاي سيز ألاينس" الذي يضمّ منظمات غير حكومية.

وليس مُتاحاً في الأسواق سوى عدد قليل من المنتجات المتأتية من موارد جينية بحرية، وقد سجّلت سبعة منها فقط في عام 2019، وفقاً لتوضيحات كاتشيلريس. وتتراوح رسوم الحصول على تراخيص لتسويق منتجات مماثلة ما بين 10 ملايين و30 مليون دولار أميركي سنوياً. لكنّ التنوّع الحيوي الهائل في المحيطات يشكّل مؤشّراً إلى وجود جزيئات كثيرة لم تُكتشف بعد.

عقاران مضادان للسرطان

يقول الباحث مارسيل غاسبارس من جامعة أبردين في اسكتلندا: "كلّما بحثنا بصورة متزايدة، ارتفعت احتمالات التوصّل إلى اكتشافات أكثر". ومذ اكتشف العالم الاسكتلندي ألكسندر فليمنغ، في عام 1928، نوعاً من العفن يقضي على البكتيريا هو "بنسلين" الشائع استخدامه اليوم، عثر الباحثون على جزيئات علاجية في النباتات والحيوانات والحشرات والميكروبات على اليابسة.

من جهته، يشير الأستاذ في معهد سكريبس لعلوم المحيطات في كاليفورنيا ويليام فينيكال إلى أنّ "الغالبية الكبرى من المضادات الحيوية وأدوية السرطان متأتية من مصادر طبيعية". وعندما بدأ فينيكال، البالغ من العمر اليوم 81 عاماً والذي لا يزال يرأس أحد المختبرات، عمليات البحث عن الجزيئات البحرية في عام 1973، سادت الشكوك في شأن إمكانية إنجاز الخطوة نفسها في البحار.

لكنّه اكتشف مع زملائه، في ثمانينيات القرن العشرين، نوعاً من المرجان الناعم في جزر باهاماس، ينتج جزيئاً يتميّز بخصائص مضادات الالتهابات. واسترعى هذا الاكتشاف اهتمام شركة "إستيه لودر" لمستحضرات التجميل التي راحت تستخدمه في منتجاتها. لكنّ الكميات المطلوبة من المرجان لتسويق الجزيء دفعت فينيكال إلى التخلي عنه والتركيز على الكائنات الحيّة الدقيقة. وبات الباحثون حالياً يستخرجون الرواسب من قاع المحيطات ثم يربّون الميكروبات في المختبرات.

وفي جزر باهاماس أيضاً، اكتشف علماء، في عام 1991، بكتيريا لم تكن معروفة، هي "سالينيسبورا"، تدخل راهناً في تركيبة عقارَين مضادَين للسرطان، يخضعان حالياً لمراحل التجارب السريرية النهائية.

الكيسيات

لم يحمل هذا المسار الطويل مفاجأة لكارمن كويفاس مارشانته، وهي رئيسة قسم الأبحاث في شركة "فارما مار" الإسبانية للتكنولوجيا الحيوية. وخلال تطوير أوّل عقار لها، بدأت الشركة بجمع 300 طنّ من الكيسيات، وهي أحد أنواع اللافقاريات الأسطوانية التي يمكن العثور عليها تحت القوارب أو على الصخور.

وتقول كويفاس مارشانته لوكالة فرانس برس إنّ "عزل أقلّ من غرام واحد من الجزيء، وهي خطوة ضرورية لإجراء الاختبارات، تتطلّب طنّاً من الكيسيات". وقد تمكّنت الشركة من ابتكار ثلاثة عقاقير مضادة للسرطان أُجيز استخدامها كلها، بالإضافة إلى تحسين طرق التصنيع الخاصة بها. وفي المجموع، أُجيز استخدام 17 دواءً متأتياً من جزيئات بحرية لعلاج الأمراض منذ عام 1969، في حين أنّ 40 عقاراً ما زالت في مراحل من التجارب السريرية في مختلف أنحاء العالم، بحسب ما يذكر موقع "مارين درَغ بايبلاين" الإلكتروني.

وتعالج تلك الأدوية بمعظمها مرض السرطان، فيما تشكّل عقاقير أخرى مضادات لفيروس الهربس مُستخرجة من الإسفنجيات، بالإضافة إلى مسكّن للآلام متأت من أحد أنواع الحلازين.

ويُعيد الخبراء أحد أسباب العدد المحدود للعقاقير إلى التكلفة الباهظة للتجارب التي تتجاوز أحياناً مليار دولار. ويقول أليخاندرو ماير، وهو أستاذ متخصص في علم الأدوية لدى جامعة ميدويسترن الأميركية، إنّ ثمّة "عدداً لا يحصى من الأبحاث المرتبطة بالأمراض، بدءاً من الملاريا وصولاً إلى السل".

وقد يكون الجزيء الذي سوف يتكوّن منه المضاد الحيوي المقبل أو العلاج المستقبلي ضدّ فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب متوفّراً داخل كائن يعيش في قاع البحار أو يتشبّث بهيكل قارب، أو قد يكون أصلاً في حوزتنا، في داخل المكتبات الكبيرة للجزيئات التي ما زال يتعيّن إخضاعها لاختبارات.

(فرانس برس)

المساهمون