الطلاب السوريون "أجانب" في جامعات تركيا

25 نوفمبر 2021
رفع الأقساط ينسف طموحات جامعيين سوريين (محمد مراد/الأناضول)
+ الخط -

بدد رفع الأقساط الجامعية للسوريين في تركيا أحلام الطالب محمد علي الذي أرجأ دراسته هذا العام كي يعمل ويؤمن المبلغ المطلوب. وهو كان أعاد اختبار "يوس" الخاص بالأجانب على مدى عامين قبل أن يحصل على المعدل المحدد لتحقيق حلم دخوله جامعة سكاريا في اختصاص هندسة الكمبيوتر.
يقول محمد علي لـ"العربي الجديد": "لا أستطيع تأمين قسط الجامعة ومقداره 8 آلاف ليرة تركية سنوياً (837 دولاراً بالسعر الحالي بعد تدهور الليرة أمام الدولار)، علماً أنه بلغ نحو 420 ليرة (44 دولاراً) العام الماضي. كما يجب أن أوفر نفقات السكن والمعيشة المرتفعة".
وتؤكد الطالبة السورية المتفوقة بيان أبو صالح التي حلّت أولى العام الماضي في كلية الهندسة المعمارية بجامعة غازي عنتاب، أن هذه الحال تطاول آلاف السوريين اليوم. وتقول لـ"العربي الجديد": "أعاد مئات من أصدقائي اختبار يوس كي يستطيعوا دخول الجامعات التركية الحكومية التي عاملت السوريين منذ عام 2014 بخصوصية مالية كأنهم أتراك". وتشير إلى أن قسط كلية الطب الذي رفع إلى 60 ألف ليرة تركية (6279 دولاراً)، هو بمثابة مبلغ من الأحلام بالنسبة إلى طالب سوري لاجئ".
ومطلع العام الدراسي الحالي، أصدر مجلس التعليم العالي قرار عدم إعفاء الطلاب السوريين من أقساط الجامعات الحكومية، وقلب بالتالي صفحة "دلال السوريين" في تحصيل التعليم العالي، وقرر معاملتهم مثل أي طالب أجنبي يأتي للدراسة في تركيا. لكنه منح هذه الجامعات أيضاً حرية رفع الأقساط أو الاستمرار في الإعفاءات والذي طبقته قلة منها، بحسب ما يكشف صاحب شركة "أنجو أنكا" للقبول الجامعي، إياد صياه، الذي يوضح أن "جامعات قليلة اكتفت بخفض الأقساط قليلاً، ما يؤكد أن زمن معاملة السوريين مثل الأتراك ولّى إلى غير رجعة".
ويستبعد صياه في حديثه لـ"العربي الجديد" لجوء الطلاب السوريين إلى الجامعات الخاصة، لأن أقساطها مرتفعة جداً في الأساس، ولا تقدم أية ميزات للسوريين، في حين يرى أن القرار الجديد سيهدر فرصاً دراسية مهمة للسوريين المتفوقين، ويقول: "أعرف طلاباً أعادوا اختبار يوس وحصلوا على معدل دخول معهد الطب، لكن الأقساط المرتفعة حتمت تنازلهم عن المقعد الدراسي".
ويقدّر صاه عدد الطلاب السوريين في الجامعات التركية بأكثر من 37 ألفاً، لكنه لم يحدد نسبة تراجع الطلاب هذا العام "لأن لا إحصاء رسمياً في هذا الشأن، لكنني أعتقد بأن آلاف السوريين درسوا يوس وتجنبوا التسجيل في العام الدراسي الحالي. أما الطلاب المسجلون سابقاً فانسحابهم غير وارد لأن أقساطهم قليلة".

وكان رئيس تجمع الطلاب الأجانب عبد الله إرين كشف سابقاً أن عدد الطلاب السوريين الذي يدرسون في جامعات البلاد وفقاً لأرقام مجلس التعليم العالي يبلغ 37,326. وأوضح في تصريحات نقلتها صحيفة "ملييت" أن 1611 طالباً سورياً استفادوا من المنح الدراسية التي تقدمها الحكومة، مشيراً إلى أن عدد الطلاب الأجانب في تركيا زاد نحو عشرة أضعاف خلال السنوات العشر الماضية، وصولاً إلى أكثر من 200 ألف، وإلى أن بلاده تقدم منحاً دراسية لـ 3500 طالب بينها حصة قليلة للسوريين، في مقابل حصص أكبر للطلاب من أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان والعراق وأفغانستان.
وتتحدث الأستاذة في جامعة محمد الفاتح، عائشة نور لـ"العربي الجديد" عن أن "قرار رفع أقساط السوريين سيحرم أكثر من 70 في المائة منهم من متابعة تحصيلهم العملي، لأن الأسر السورية في تركيا تؤمن بالكاد عيشها في ظل ارتفاع الأسعار، وتجد صعوبة بالغة في دفع آلاف الليرات لأحد أولادها، أما الأسر التي تعمل في التجارة أو تتقاضى أجوراً بعملات أجنبية فتستطيع تعليم أولادها في الجامعات التركية بعد رفع الأقساط التي تظل أقل من تلك التي تطلبها الجامعات الخاصة في البلاد أو خارجها".
وتلفت إلى أن "بعض الجامعات التركية تعامل السوريين برحمة، ولم ترفع رسوم دراستهم لتعادل تلك الخاصة بالأجانب، من دون أن تخالف قرار مجلس التعليم العالي الذي لم يلزمها بذلك، بل منح رئاستها تحديد قيمة قسط تعليم الطالب السوري. وفعلياً تقدم جامعات عروضاً خاصة للسوريين بينها غازي عنتاب ومحمد عاكف أرسوي ونامق كمال وكرمان أوغلو".

طلاب سوريون كُثر ألغوا عامهم الدراسي (عارف حدافيردي يمن/ الأناضول)
طلاب سوريون كُثر ألغوا عامهم الدراسي فعلياً (عارف حدافيردي يمن/الأناضول)

من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة ابن خلدون في إسطنبول، رجب شان تورك، لـ"العربي الجديد" إن "مجلس التعليم العالي أصدر عام 2013 قرار تحصيل أقساط مخفّضة من السوريين حاملي بطاقة (كيملك) للحماية المؤقتة، من دون أن يشمل ذلك السوريين المجنّسين أو حاملي الإقامات السياحية، لكن بعد عشر سنوات على وجودهم في تركيا، لم يعد مبرراً استمرار خفض أقساطهم الجامعية لأسباب عدة بينها منع استمرار تمييزهم عن باقي الطلاب الأجانب أو حتى الأتراك، وتجنب السلبيات الاقتصادية لارتفاع عددهم والتي تستخدمها أحزاب معارضة كوسيلة لانتقاد السلطات مع تضمينها مبالغات كثيرة، وكذلك في الحملات العنصرية التي تتعاظم في حق السوريين".
ويؤكد أنّ "القرار الجديد لمجلس التعليم العالي خاص بالطلاب الجدد، ولن يُطبّق على أولئك الذين تسجلوا سابقاً في الجامعات الحكومية. وقد أفسح المجلس في المجال أمام الجامعات لاختيار الآلية التي تراها مناسبة في تعاطيها مع الطلاب السوريين. لكنني أتوقع أن يتراجع عددهم إلى نحو نصف ما كانوا عليه في الأعوام السابقة، لأن الوضع المالي لمعظم السوريين بتركيا لا يسمح بدفعهم أقساطاً مرتفعة، أما النصف الثاني الذي سيتابع الدراسة فسيشمل الطلاب الذين يملك أهلهم قدرات مالية جيدة، أو أولئك الذين يلتحقون بفروع لا تتطلب دواماً كاملاً، ما يجعلهم يعملون إلى جانب الدراسة من أجل تسديد النفقات". 

المساهمون