الشمال السوري يفتقد أصالة مائدة رمضان
"رمضان هذا العام مختلف كليّاً عمّا كان عليه في الأعوام الماضية"، هذا ما تقوله مروة السرميني من سكان منطقة عفرين، شمالي حلب، لـ"العربي الجديد". تضيف أنّه "على الرغم من صعوبة الحياة في خلال أعوام الحصار السابقة في ريف حمص الشمالي وما تخلّلها من قصف جوّي وبرّي، فإنّ كلّ الصعوبات كانت أخفّ علينا من هذا العام". وتعيد السرميني ذلك إلى "الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية واللحوم والخضراوات وقلّة فرص العمل، إذ حُرمت عائلات كثيرة تأمين إفطار رمضان وسحوره كما المعتاد، وصاروا يقصرون طعامهم على وجبة واحدة تتضمّن أصنافاً محدّدة من المؤونة المتوافرة في المنزل. كذلك امتنع كثيرون عن شراء بعض المواد اللازمة، في مقابل توفير المال لشراء ما هو أكثر ضرورة".
من جهتها، تقول أميرة الأحمد، وهي إحدى نازحات ريف إدلب الجنوبي وتقيم في بلدة الفوعة، شمالي إدلب، إنّ "شهر رمضان مختلف عن الماضي، ولا سيّما مع انحسار توزيع وجبات إفطار صائم، إذ لم تصلنا بعد أيّ وجبة هذا الشهر". وتوضح الأحمد لـ"العربي الجديد": "نعتمد على وجبة واحدة من الطعام، وهي تعتمد في الغالب على البطاطس، علماً أنّ سعر الكيلوغرام الواحد منها ثماني ليرات تركية (نحو نصف دولار أميركي)"، مضيفة أنّ "شوربة (حساء) العدس أو المعكرونة صارتا وجبة رئيسية"، بعدما كانتا من صنوف المقبّلات". وتشير الأحمد إلى أنّ "السلطة حضرت على مائدتنا لمرّة واحدة فقط هذا الشهر، لكون كلفتها بلغت 30 ليرة تركية (نحو دولارَين) وذلك لقاء شراء خسّة ونحو نصف كيلوغرام من البندورة (الطماطم) والخيار".
أمّا معن بكور، المهجّر من حمص والمقيم في مدينة أعزاز، شمال حلب، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "أصحاب الدخل المحدود الذي لا يتجاوز شهرياً 75 دولاراً للموظّفين و60 دولاراً للعمّال المياومين، يعتمدون على شراء بقايا بسطات الخضراوات، لكون سعرها أقلّ بمعدّل ضعفَين مقارنة بسعر الخضروات الطازجة. فلا يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد منها 10 ليرات تركية (نحو سبعة دولارات)". ويشير بكور إلى أنّ "ما يزيد العبء على العائلة، مصاريف أخرى غير الطعام، من قبيل كلفة علاج مريض".
وعلى الرغم من إنشاء المجلس المحلي في مدينة أعزاز، في التاسع من إبريل/ نيسان الجاري، سوقاً شعبياً لبيع الخضروات بأسعار منافسة بهدف التخفيف عن أصحاب الدخل المحدود، فإنّ بكور يوضح أنّ "الخضراوات في هذا السوق رديئة ولا يدخله إلا الأشخاص المعوزين جداً".
في هذا الإطار، يقول المدير العام لفريق "يداً واحدة"، صاحب مشروع سوق الخضراوات في أعزاز، محمد كنو، لـ"العربي الجديد" إنّ "فكرة المشروع قائمة على شراء الخضراوات بأسعار أقلّ من السوق بما يعادل النصف أو الثلث، وذلك بموافقة الجهات المختصّة لتأمين المواد من دون جمارك وبسعر الكلفة من تركيا"، لافتاً إلى "احتمال تطوير المشروع في الأيام المقبلة".
ويحاول السوريون في الشمال التحايل على الأوضاع. فيقول أكرم الحاج، من سكان مدينة جرابلس، شرقي حلب، لـ"العربي الجديد" إنّ "العائلات في أرياف حلب وإدلب تتّجه بمعظمها إلى التقشّف في الطبخ، خصوصاً أنّ سعر كيلوغرام لحم الغنم نحو 100 ليرة تركية (نحو 6.8 دولارات)، وكيلوغرام لحم العجل نحو 70 ليرة تركية (نحو 4.8 دولارات) وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف ما يتقاضاه العمّال العاديين في المنطقة. كذلك يُعَدّ سعر لحم الدجاج مرتفعاً، فالكيلوغرام الواحد يُقدَّر بنحو 40 ليرة تركية (نحو 2.7 دولار). بالتالي، إنّ الأطباق التي اعتادها السوريون، مثل اللحم بالعجين والكبّة صارت حلماً بالنسبة إلى كثيرين".
ويلفت الحاج إلى "عائق إضافي أمام الأهالي يتمثّل بغلاء أسطوانة الغاز التي يصل سعرها إلى 190 ليرة تركية (نحو 13 دولاراً)، مضيفاً أنّ "ثمّة عائلات تضطر إلى تناول الحواضر على الإفطار بعد يوم شاق من الصيام مثل الزيت والزعتر والزيتون واللبنة، إلى جانب الشاي". ويتابع قائلاً إنّ "تسجيلات فيديو انتشرت أخيراً لنساء في مخيّمات يطعمنَ أطفالهنّ زعتراً، بالإضافة إلى المياه فقط".
ويقدّر حذيفة الخالدي من سكان مخيمات كفرلوسين، شمالي إدلب، أنّ "وجبات إفطار رمضان لدى معظم سكان المخيم تقتصر على شوربة العدس أو الأرزّ أو البرغل مع مرق البطاطس، وقد نسي هؤلاء مذاق الأطباق الرمضانية. كذلك قد تحضّر ربّة المنزل سندويشات بطاطس مقليّة".
يُذكر أنّ في تلك المخيمات، عصائر رمضان اليوم هي كناية عن شراب بودرة أو كيس جلاب بخمس ليرات تركية (نحو 0.35 دولار)، فيما تستفيد عائلات من القاطنين فيها من وجبات تُقدّمها المنظمات والفرق التطوعية. وهكذا صارت العادات الرمضانية من قبيل شراء السوس والتمر الهندي والمعروك والحلويات على أنواعها من الكماليات.
لكنّ عادة "السكبة"، أو تبادل الأطباق بين الجيران، ما زالت مستمرّة في رمضان، لكن بوتيرة أقلّ ممّا كانت عليه في السنوات الماضية. ويذكر الحاج أنّها "قد تكون قائمة بين الجيران من مدينة واحدة، فيما تُفتقد في المباني حيث تعيش عائلات مهجّرة من محافظات عدّة لم يتعرّف بعضها إلى بعض". وهذا ما يؤكده بكور بدوره، قائلاً إنّ "السكبة شبه معدومة اليوم، لأنّ المهجّر غريب في المنطقة". أمّا السرميني، فتشير إلى أنّ "الناس حافظوا على هذا التقليد الرمضاني بغضّ النظر عن نوعية الطعام، لما له من خصوصية مميّزة لدى العائلات السورية".
وممّا فاقم معاناة السوريين، خصوصاً في المخيمات، بحسب الحاج، "تخفيض وزن محتويات السلة الغذائية المقدّمة للعائلات الفقيرة، من قبل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. وتتكرّر المشاهد التي يبدو فيها أطفال ونساء يطلبون المساعدة على طرقات الشمال السوري، ويضطر بعضهم إلى الوقوف أمام بعض الأفران لعلّ أحد الزبائن يرأف بهم ويتكفّل بشراء حاجتهم من الخبز".