جعل الخوف من تكرار حدوث زلزال جديد بعض الأهالي يفضلون تعليم أطفالهم في البيوت، كما دفع تضرر المدارس السلطات في سورية إلى نقل الأطفال إلى مدارس بعيدة وفق نظام الأفواج، ما أرهق الأهالي.
تقضي أم عمر، المتحدّرة من مدينة إدلب، ثلاث ساعات يومياً مع ابنها عمر (7 سنوات)، لمتابعة دروسه اليومية، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن الأمر مرهق لها ولطفلها، لكنها لا تريد أن تتراكم عليه الدروس بعد الانقطاع الطويل عن المدرسة نتيجة الزلزال المزدوج الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سورية في السادس من فبراير/ شباط الماضي.
انطلق الفصل الدراسي الثاني في مناطق شمال غربي سورية في الرابع من فبراير/ شباط الماضي، ليأتي الزلزال وتتوقف العملية التعليمية نتيجة الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية لفحص المدارس وإجراء الكشوفات اللازمة للتأكد من سلامتها.
ويقول المدرس سامر عبد الله لـ"العربي الجديد"، إنّ غياب التلاميذ لم يقتصر على المدة التي فرضتها الوزارة لإجراء الفحوصات اللازمة للمدارس. فبعد انتهاء الفترة الأولى، ومع قرار وزارة التربية استئناف العملية التعليمية في المدارس التي لم تتأثر بالزلزال في 20 فبراير الماضي، جاء الزلزال الثاني وتوقفت العملية التعليمية حتى 26 فبراير. إلّا أنّ خوف الأهالي والتلاميذ من تكرر الزلازل منع كثيرين منهم من العودة إلى المدارس، ما أدى إلى تأخر إتمام المنهاج المقرر من قبل إدارات المدارس، والتي وجدت نفسها مضطرة لاتخاذ إجراءات مناسبة لتعويض ما خسره التلاميذ.
من جهته، يقول عبد الله العلي إنّ أطفاله تأخروا بالالتحاق بالمدرسة نتيجة الخوف. لكنّ هذا التأخر انعكس سلباً على دراستهم، إذ تراكمت عليهم الدروس التي غابوا عنها، وبات التلاميذ يخضعون لدروس مكثفة لتعويض ما فقدوه أثناء العطلة، ما أرهقهم خلال هذه الفترة وأثر على سلوكهم المنزلي وساعات نومهم، ولا سيما أنّ القلق والخوف باتا حالة مستمرة لدى الأهالي في مناطق شمال غربي سورية.
بدوره، يقول المدرس ملهم عيدو لـ"العربي الجديد"، إن انقطاع التلاميذ عن مدارسهم والعطلة التي اضطرت وزارة التربية لفرضها أثرت على الخطة الدراسية للتلاميذ، والتي كان من المقرر أن تنتهي خلال شهر فبراير، ما أجبرنا على تلافي التقصير من خلال تكثيف الدروس، الأمر الذي يرهق التلميذ والأستاذ في آن، إلا أننا مضطرون لاتخاذ هذا الإجراء.
بدورها، تقول المدرسة سهى العلي لـ"العربي الجديد"، إنها لم تكثف دروسها للتلاميذ، وما زالت تعتمد الخطة الدراسية نفسها التي كانت تنتهجها، وتضيف: "أنا ملزمة أخلاقياً بإيصال المعلومة لتلاميذي بشكل سليم أكثر من إلزامي بإنهاء المنهاج. ليس منطقياً إعطاء التلميذ عشرة دورس خلال شهر، ونحن على يقين من أنه لن يتمكن من فهم أكثر من سبعة دروس".
وترى العلي أنه يمكن للوزارة تمديد العام الدراسي لمدة نصف شهر إضافي على حساب عطلة الصيف، لإتمام المنهاج وتمكّن المعلم من إيصال المعلومة لتلاميذه بشكل سليم.
الدوام ضمن نظام الأفواج (تقسيم الأقسام بمختلف المستويات الدراسية إلى فوجين)، كان أحد الخيارات التي اعتمدتها وزارة التربية لتعويض الأطفال الذين تضررت مدارسهم. لكن هذا النظام شكل مصاعب جديدة للأهالي. ويقول أبو محمد، وهو من أهالي حارم، لـ"العربي الجديد": "بات الاهتمام بمدرسة الأطفال يشغل نهاري، إذ يتوجّب عليّ إيصالهم إلى المدرسة ثم إرجاعهم إلى البيت أكثر من مرة، علماً أن المدرسة بعيدة عن المنزل".
بدوره، يرى الأستاذ موسى الحسن أن نمط الدوام المسائي غير نظام حياته ودفعه إلى التخلي عن عمله الذي كان رافداً جيداً لعمله في التعليم، إذ كان يعمل في إحدى المهن الحرة مساء، لكنه فقد تلك الفرصة اليوم، ولا يمكنه العمل بأي مهنة في الفترة الصباحية بسبب ضيق الوقت، ويقول لـ"العربي الجديد": "آمل أن تتحرك المنظمات والوزارة لترميم المدارس في أسرع وقت لأعيد تنظيم حياتي من جديد".
ربّما تكون المدارس التي نجت من الزلزال أكثر حظاً من غيرها، مثل مدارس الأتارب وحارم وسلقين، التي خرجت عن الخدمة نتيجة تصدعها وتهدم جدران بعضها بعد الزلزال، وباتت الدراسة فيها تشكل خطراً على التلاميذ والمدرسين. ويقول يعقوب فاضل، ابن مدينة سلقين، لـ"العربي الجديد"، إنه لم يرسل أولاده إلى المدرسة حتى الآن، بعدما خرجت مدرستهم عن الخدمة ونقلوا إلى مدرسة أخرى تعمل بنظام الأفواج. إلا أن يعقوب ما زال يخشى من خطر الهزات الارتدادية، لا سيما أن تلك المدرسة تشهد كثافة شديدة، وأي إشاعة تسري بين التلاميذ ربما تؤدي إلى فوضى وتدافع.
يتابع الفاضل: "أعلم أن هذا التصرف لا يصب في مصلحة أولادي ومستقبلهم، إلا أن سلامتهم اليوم أولوية"، ويحاول مع والدتهم متابعة مجموعة الواتساب المخصصة لصفوفهم لتدريسهم في المنزل، ريثما يتغير الحال.
وفيما لم يتمكن أبو أحمد من إلحاق أولاده بالمدرسة حتى الآن، إذ إن مدرستهم الجديدة بعيدة عن قريته بسنيا، وينبغي عليه تأمين وسيلة نقل لإيصالهم بشكل يومي إلى المدرسة، وهو ما يعجز عنه في الوقت الحالي، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه لا يملك أي وسيلة نقل ولا يمكنه أن يترك أولاده على الطرقات والاعتماد على سيارات الأجرة. فالأكبر سناً في الصف الخامس، "ولا يمكن أن أتركهم ينتظرون على الطريق بانتظار سيارة أجرة. كما أن الذهاب سيراً على الأقدام لمسافة تتجاوز الأربعة كيلومترات يعتبر أمراً مستحيلاً".
يضيف أبو أحمد: "المشكلة أنني لم أتمكن من مجاراة المدرسة وتعليم أطفالي في المنزل، كوني لا أملك أي شهادة، ما يعني حرمان أطفالي من حقهم في التعلم". بالتالي، يسعى إلى تأمين وسيلة نقل في الوقت الحالي.
ويأمل الأهالي بأن ترمم المدارس المتضررة في أسرع وقت ممكن ويعاد ترتيب صفوفها من جديد ليتخلصوا من مشكلة الدوام والنقل. إذ يحق لأطفالهم التعلم بوسائل مريحة، ويكفيهم ما فقدوا خلال سنوات الحرب.