يسعى أهالي المناطق الواقعة شمال غربي سورية أخيراً للبحث عن مصادر جديدة للمياه، في ظلّ تجاوز عدد السكان الأربعة ملايين نسمة، وبالتالي عدم القدرة على تلبية احتياجات السكان. ويلجأ مستثمرون وجمعيات عاملة في المجال الإغاثي إلى حفر آبار لسد الاحتياجات الجديدة. إلا أنّ معظم مياه هذه الآبار كلسية، وقد تسبّبت في ارتفاع نسبة أمراض الكلى والمسالك البولية، خصوصاً في المخيّمات التي تعتمد بشكل كامل على مياه هذه الآبار.
وفي محاولة للحدّ من هذه الأمراض، يلجأ السكان إلى شراء المياه من تركيا. إلا أن زيادة الطلب عليها دفع البعض إلى افتتاح مراكز تنقية مياه محلية خاصة، من دون الالتزام بالمواصفات الصحية المطلوبة في ظل غياب الرقابة من قبل حكومة الإنقاذ التابعة لـ"هيئة تحرير الشام".
يقول النازح من محافظة حمص (وسط سورية) إلى أحد مخيمات مدينة سرمدا قرب الحدود التركية أحمد موسى، لـ"العربي الجديد": "تبيع الكثير من المحال التجارية المياه المعلبة في محافظة إدلب على أنها صحية. لكننا لا نعلم إذا كانت مطابقة للمواصفات". يضيف أن "كل العبوات المنتشرة تحمل لصاقة كتب عليها مطابقة للمواصفات القياسية. لكن بعد تجربة العديد من الأنواع، نلاحظ فرقاً في الطعم بين نوع وآخر. وما من جهة نستطيع تقديم الشكاوى إليها. لكن هذه المياه تبقى أفضل من مياه الآبار".
أما فؤاد صطوف، وهو صاحب إحدى شركات تعبئة مياه الصحة في مدينة إدلب، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "الشركة تعتمد على المياه الجوفية من بئر في المدينة"، مشيراً إلى تنقية المياه من خلال المراحل كافة، بحسبه. في الوقت نفسه، يوضح أنه "لا وجود للترخيص والرقابة". ويشرح أن شركته "تحوي أجهزة بدائية لفحص المياه". يتابع أنهم في بعض الأحيان يحصلون على عبوات غير جيدة للتعبئة، فيعمد الموظفون إلى غسلها من الداخل والخارج بنسبة عالية من الكلور من خلال فرشاة خاصة، بالإضافة إلى سائل تنظيف يصنع بشكل خاص لهذا الغرض، وهو عديم الرائحة والطعم، لعدم وجود معامل لصنع العبوات البلاستيكية في إدلب، فيضطرون لاستيرادها من تركيا وغالباً ما تكون مستعملة.
أما أكرم مرضعة، وهو صاحب بقالة في مدينة إدلب، فيقول لـ"العربي الجديد": "هناك إقبال كبير من السكان على شراء المياه. لكن المشكلة الكبرى هي وجود عدد كبير من شركات تنقية المياه لا تطبع تاريخ إنتاج وإنتهاء الصلاحية على العبوات، ولكن نحن مضطرون لشرائها في الوقت نفسه".
ويربط مرضعة ذلك بعدم وجود استقرار سياسي وأمني في المنطقة، لافتاً إلى أن عودة الاستقرار إلى المنطقة كفيلة بإيجاد شركات تعبئة مياه مرخصة، وتراعي المعايير الصحية في تنقية وتعبئة المياه التي تكون خالية من الرواسب ونسب المعادن فيها مدروسة.
ويقول المهندس البيئي محمد إسماعيل، لـ"العربي الجديد": "تحتاج المياه، عندما تخضع لعمليات التنقية، إلى مستويات معينة من غاز الكلور والكلور السائل، تحت إشراف متخصصين، لأن أي خلل في تلك النسب يؤدي إلى حدوث مضاعفات في جسم الإنسان، منها تآكل العظام، وهذا التآكل يظهر على الحيوانات التي تشرب من هذه المياه أيضاً"، لافتاً إلى أن "المياه التي تستخدمها الشركات في إدلب جوفية، وهذا يضمن عدم وجود البكتيريا فيها إذا نقلت إلى معامل التنقية فوراً".
وبحسب إسماعيل، من الطبيعي أن يكون في كل شركة مختبر صغير لفحص النسب المستخدمة من المعقّمات، لكنّ هذا لا يعفي من شرط وجود الرقابة الخارجية، التي يجب أن تقوم بها سلطات الأمر الواقع، حفاظاً على سلامة السكان.
وكانت وزارة الاقتصاد في حكومة الإنقاذ قد أوعزت إلى دوريات حماية المستهلك بأخذ عينات من معامل المياه ومن محال بيع المياه وتحليلها في المختبرات المختصة. وأغلقت عدداً من المعامل لوجود جراثيم ضمن هذه المياه، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأملاح ضمن العينات.
وفي أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" أن محدودية الوصول إلى المياه النظيفة في شمال سورية فاقمت انتشار الأمراض وأعاقت إجراءات النظافة الأساسية، في ظل ارتفاع وتيرة الإصابات بكورونا. وحذّرت المنظمة في بيان، من أن الناس يواجهون "وضعاً مزرياً، ووصلت محدوديّة الوصول إلى المياه النظيفة خلال الأشهر القليلة الماضية إلى مستويات خطيرة".
وقال مسؤول التوعية الصحيّة في المنظمة في شمال غرب سورية إبراهيم مغلاج: "نواجه بانتظام الآثار الصحيّة الناجمة عن نوعية المياه الرديئة، والتي غالباً ما تجلب الأمراض المنقولة بالمياه وغيرها من المشاكل الصحيّة إلى المخيمات، مثل الإسهال والتهاب الكبد والقوباء والجرب والعديد من الأمراض الأخرى".