الخبز أيضاً يهدّد حياة الليبيين

23 اغسطس 2022
بعض المواطنين يخشون تناول الخبز (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

حتّى الرغيف بات يشكل خطراً على حياة الليبيين بسبب استخدام مادة مسرطنة خلال تصنيعه، وإن كان الأمر غير محسوم تماماً. في النتيجة، تزيد المسببات التي تشعر المواطن بانعدام الأمان.

وأعلن المركز الليبي المتقدم للتحاليل الكيميائية مؤخراً، اكتشافه وجود نسبة غير صحية من مادة "برومات البوتاسيوم"، المسببة للسرطان، في الخبز المنتج محلياً. وبرومات البوتاسيوم مركب كيميائي له الصيغة KBrO3، وهي مادة مؤكسدة قوية جداً وتأخذ شكل بلورات بيضاء أو مسحوق. وتستخدم كمادة محسنة للخبز ولأغراض أخرى مثل تعقيم المياه وأدوات التجميل، ولكن بعد ما تبين بعض مضاعفاتها الصحية تم إيقاف استخدامها في عدد من الدول. 
ويشير المركز التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى أنه بعد فحص عينات من الخبز تبين أن نسبة برومات البوتاسيوم تزيد عن المعدل المسموح به بنسبة 300 في المائة، وقد وصلت في إحدى العينات إلى 1300 في المائة. ويأتي ذلك بعد ارتفاع أسعار الدقيق في ظل الحرب الأوكرانية، وبالتالي سعر الرغيف.
ويقول المواطن نوري الضاوي: "تجاوز الأمر ارتفاع سعر الرغيف، إذ تم تقليص حجمه ووزنه. وفي الوقت الحالي، نسمع عن وجود مواد مسرطنة فيه". يضيف لـ "العربي الجديد": "المشكلة تتمثل في عدم وجود بديل للخبز، وهذا ما جعلنا نستمر في شرائه وتناوله على مضض، في وقت زاد الإقبال فيه على المخابز التي لا تستخدم المواد الكيميائية". 
في هذا السياق، يقول الخبير في مجال الغذاء سالم الطويل لـ "العربي الجديد" إن "مادة برومات البوتاسيوم تستخدم في تعقيم المياه والصناعات الدوائية وأدوات التجميل، وهي مادة محسنة للخبز لأنها تسرع عملية التخمر وتجعله أكثر كثافة، وتسمح بتضخم الرغيف وتكسبه لوناً أفضل". في الوقت نفسه، يشير إلى أن "برومات البوتاسيوم تشكل خطراً على صحة الإنسان وقد أثبتت التجارب أنها تسبب السرطان، فضلاً عن تسببها بالفشل الكلوي والعقم. لهذا، منعت في دول كثيرة". ويخشى الطويل احتمال استخدام بعض أصحاب المخابز أو معامل الحلويات هذه المادة بنسب كبيرة، ما يفاقم المخاطر.
وأُثيرت قضية استخدام المخابز هذه المادة الكيميائية منذ العام الماضي. ففي أغسطس/ آب الماضي، حذّر مركز الرقابة على الأغذية والأدوية في ليبيا المخابز من استخدامها، وخاطب الجهات المعنية لإطلاق حملات تفتيش على المخابز في هذا السياق. وأثارت تقارير المركز الليبي المتقدم للتحاليل الكيميائية القضية مجدداً، وجعلتها قيد التداول بين الدوائر الرسمية وفي الأوساط الليبية كافة.

وكان لافتاً تراجع مركز الرقابة عن الأغذية والأدوية عن تحذيراته السابقة، نافياً وجود المادة في الدقيق أو الخبز المنتج محلياً، ما جعل المركز الليبي للتحاليل الكيميائية يعود ويجدد تأكيده صحة تقاريره. وبحسب المكتب الإعلامي لمركز الرقابة على الأغذية والأدوية، فقد "أجرى تحاليل عدة في الفترة من يناير/ كانون الثاني 2021 وحتى يناير الماضي شملت 41 مصنعاً للدقيق وأنواع مختلفة، منه سواء محلية أو مستوردة، بالإضافة إلى عدد كبير من المخابز في 50 مدينة من دون وجود أثر للمادة".
واستغرب مركز الرقابة من نشر بيانات وصفها بـ "غير الدقيقة"، مؤكداً أنه سيعيد أخذ عينات من الدقيق بالتعاون مع مكتب النائب العام لإجراء تحاليل أخرى، متعهداً باتخاذ إجراءات التحقيق اللازمة حيال ذلك. وأعلن مركز الرقابة على الأغذية والأدوية أنه راسل مكتب النائب العام بشأن تشكيل لجنة وفتح تحقيق حول ما ينشر من معلومات وصفها بأنها "مغلوطة أثارت الهلع والخوف عبر منصات التواصل الاجتماعي".

وطمأن رئيس نقابة الخبازين أخريص محمد الليبيين بـ"عدم وجود المادة ضمن كل العينات المأخوذة من المخابز الليبية"، مشيراً في تصريح لإحدى القنوات المحلية إلى أن محسنات الخبز المستخدمة في المخابز "معروفة ومصرح باستخدامها ومعتمدة من المختبرات"، مثيراً بعض الشكوك حول "تداول هذا الأمر للمرة الثانية في ليبيا".

الصورة
ارتفعت أسعار الطحين في ليبيا (محمود تركية/ فرانس برس)

بدورها، أكدت وزارة الاقتصاد استمرار "حظر استيراد برومات البوتاسيوم، ومنع أصحاب المطاحن والمخابز من إضافتها إلى الدقيق، فضلاً عن تسويقها أو التعامل بها".

من جهته، قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة الوحدة الوطنية عمران القيب إن اختلاف نتائج العينات بين المركزين "أمر طبيعي وسيترتب عليه إعادة الفحوصات للحصول على نتائج ثابتة". ودعا الناطق باسم جهاز الحرس البلدي محمد الناعم إلى تشكيل لجنة ثنائية من المركزين لإعادة فحص عينات الخبز، متعهداً باستمرار الجهاز في التدقيق في عملية تصنيع الخبز. وعلى عكس القيب، وصف التناقض بين تقريري المركزين بـ "الأمر الخطير"، مؤكداً عدم ضبط جهاز الحرس البلدي لأي مركب لهذه المادة المحظورة في ليبيا حتى الآن، وتعهد بعدم التهاون مع من يستخدم هذه المواد.
بدورها، أكدت وزارة الاقتصاد استمرار "حظر استيراد برومات البوتاسيوم، ومنع أصحاب المطاحن والمخابز من إضافتها إلى الدقيق، فضلاً عن تسويقها أو التعامل بها".
من هنا، يعلق المواطن الضاوي قائلاً إن "خلاف المسؤولين دوماً ما يبدأ بعاصفة إعلامية وينتهي خلال أيام. قريباً يختفي الجدل ونستمر نحن المواطنين في مواجهة الأمراض الخطيرة، ليس في خبزنا فقط بل في معظم المواد الأساسية التي لا غنى عنها".

المساهمون