استمع إلى الملخص
- يواجه النازحون صعوبات كبيرة في العودة إلى بيوتهم بسبب الحواجز والمعسكرات الإسرائيلية، ويعيشون في ظروف صعبة داخل مخيمات الإيواء التي تفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية.
- يعبر النازحون مثل أدهم عرفات ومحمد الحلبي وسامر الرفاتي عن حنينهم لبيوتهم ومعاناتهم من النزوح المتكرر وفقدان الأحباء، مما يزيد من شعورهم بالعجز وعدم الاستقرار.
يتشارك نحو مليوني فلسطيني في غزة شعور الشوق إلى بيوتهم الممزوج بالقهر والعجز بعدما أُجبروا على تركها ومغادرة مناطقهم التي اعتادوها.
يسيطر الحنين إلى البيت والرجوع إلى دفئه على مشاعر الفلسطيني أدهم عرفات الذي كان قد نزح مع زوجته وأولاده مرات بفعل التهديدات الإسرائيلية المتتالية منذ بدء العدوان على قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وفعلياً، ترك عرفات وأفراد أسرته خلفهم ذكرياتهم وروتين حياتهم اليومية وأحلامهم التي يبدو أن تحقيقها بات أمراً مستحيلاً، في ظل حجم الدمار الهائل الذي تعرّض له القطاع الذي واجه إبادة كل شيء فيه بكل ما للكلمة من معنى.
وتسببت التهديدات الإسرائيلية والقصف والأحزمة النارية والاستهداف المباشر للمدنيين على مدار عام من الحرب في استشهاد وفقدان 52 ألف فلسطيني، نسبة 72 في المائة منهم من الأطفال والنساء، وأيضاً في تدمير نحو 80 في المائة من المباني والمنشآت والبيوت.
وحالياً يحول بين النازحين في غزة وبيوتهم أو ركامها ومناطقهم التي أُجبروا على تركها حواجز ومعسكرات إسرائيلية وآليات عسكرية وأبراج مراقبة وجنود مدججون بأسلحة يرصدون أي شخص يمكن أن يقترب من الخطوط العسكرية، ويطلقون النار مباشرة على أي شيء يتحرك في ما بات يعرف بـ"محور نيتساريم".
ويوماً بعد آخر يزداد شعور النازحين بالحاجة للعودة إلى بيوتهم، واستعادة حياتهم الطبيعية التي اشتاقوا إليها، خصوصاً في ظل الشعور الدائم بعدم الاستقرار والراحة خلال الإقامة في أماكن النزوح داخل المدارس والمراكز ومخيمات الإيواء التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الآدمية اليومية.
يقول عرفات لـ"العربي الجديد": "الحقيقة أنني لم أعد أطيق العيش بعيداً عن بيتي، رغم أنني أعلم بالتدمير الكبير الذي طاوله بفعل القصف الإسرائيلي. العيش على أنقاض بيتي أو داخل خيمة في منطقتي السكنية أفضل بكثير من شعوري بالتيه وعدم الاستقرار في أيٍّ من محطات النزوح القاسية".
ويلفت إلى أنه كان يهتم بأدق التفاصيل داخل بيته، على صعيد الأثاث والديكور والأنتيكا والفرش واللوازم المطبخية والمنزلية، قبل أن يضطر إلى ترك كل شيء حين بدأت الطائرات الحربية باستهداف المنطقة، وتتالت عمليات النزوح، وصولاً إلى العيش داخل خيمة لا تلبي أدنى الاحتياجات الأساسية، بالنسبة إلى أي شخص.
من جهته، لم يتخيّل الشاب الثلاثيني محمد الحلبي الذي كان يعيش في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة أنه سيغيب عاماً كاملاً عن بيته ومنطقته التي عاش تفاصيل حياته فيها منذ أن كان صغيراً، وذلك نتيجة القصف الإسرائيلي الذي ترافق مع التهديدات التي تطالب المواطنين بضرورة النزوح نحو المحافظات الجنوبية، وبعدها إلى أماكن أخرى مرات ومرات.
ويقول لـ"العربي الجديد": "أجبرت على النزوح جراء القصف. أعيش شعور الحنين للمرة الثانية بعدما كنت قد ورثت عن والدي وجدي حنين العودة إلى مدينة المجدل المحتلة التي تهجرت منها عائلتي جراء المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية. وفي الأشهر الأخيرة عشت تفاصيل المجازر المتواصلة للعدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الذي لم يفرق بين الأطفال والكبار، إذ كان الجميع في دائرة الاستهداف".
يتابع: "رغم صعوبة الشعور بالشوق والحنين الذي تولّد لديّ من حديث والدي عن مدينتا المحتلة، عشت في الأشهر الأخيرة تفاصيل النزوح وحرقة القلب على ترك بيتي والأثاث والفراش الدافئ والصور والذكريات والأحلام، وأعتقد أن هذا الشعور أشد قسوة من هجرة أجدادنا مدنهم المحتلة في السابق. وحالياً، لا يمكن لأي كلام أن يصف درجة شعورنا بالشوق إلى بيوتنا".
يقول سامر الرفاتي الذي يسكن في حيّ الدرج شرقيّ مدينة غزة إنه يحنّ إلى بيته ومنطقته التي كانت تتزين خلال المناسبات، ويقول لـ"العربي الجديد: "عشنا خلال عام كل المناسبات والفصول والأعياد من دون أن نتذوق نكهة أي ذكرى بسبب مرارة حياة النزوح التي تشغلنا طوال الوقت لتوفير المتطلبات الأساسية".
ويلفت الرفاتي إلى أن والده تعرّض في الشهر الثالث للنزوح لجلطة دماغية أدت إلى وفاته، ويعلّق: "نتج ذلك من تفكير والدي الدائم ببيته الذي تعرّض لقصف وجرى تدميره، وتأثره الشديد بواقع انقلاب حياته رأساً على عقب بفعل النزوح القسري والمتكرر من منطقة إلى أخرى. ويقول: "لا شيء أصعب من الشعور بالعجز الكامل جراء تتالي النكبات على شعبنا الفلسطيني، كذلك لا شيء أقسى من عدم قدرتنا على العودة إلى بيتنا الذي لا يبعد إلا كيلومترات معدودة".