دقّت كوادر طبية في شمال غرب سورية ناقوس الخطر من تحوّل مرض الحصبة إلى وباء، في ظل إصابة عشرات الأشخاص وتسجيل وفيات، داعية إلى مزيد من الترصّد والمتابعة، وكذلك تنفيذ حملة تلقيح كبيرة، إلى جانب توعية الأهالي بضرورة التطعيم.
وقال منسق شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة في شمال حلب، الدكتور محمد الصالح، لـ"العربي الجديد"، "أحصت الشبكة أكثر من 60 حالة موجبة للحصبة مخبرياً، كما سجلت وفاة طفل بعمر 5 أيام تم إثبات إصابته مخبرياً وسريرياً بمتلازمة الحصبة الألمانية الخلقية"، مضيفاً "معظم الحالات المسجلة دون عمر السنة وهذه الفئة غير مشمولة بجدول التلقيح الروتيني، وهناك دعوات من أجل تخفيض سن لقاح الحصبة إلى 6 أو 9 أشهر، وهذه الفئات تتم تغطيتها بالاستجابة الطارئة بالحملات".
ولفت إلى أن "أهم أسباب عودة تفشي مرض الحصبة هو عدم التزام المواطنين باللقاح الروتيني أو رفضه من قبل بعض الأهالي، علماً أن اللقاحات ضدّه متوفرة بمراكز التلقيح الروتيني، وتعطى بشكل اعتيادي بجرعتين؛ إحداهما بعمر السنة والثانية بعمر سنة ونصف".
وطالب الصالح الأهالي بإبعاد الأطفال غير المُلقحين عن المصابين بهذا المرض خلال فترة الانتشار، وعدم إرسال المصابين منهم إلى المدرسة أو الروضة، لافتاً إلى أن "الانتشار الشديد يؤدي لإصابة الأطفال الأصغر سنّاً، وهي فئات لا يمكن إعطاؤها اللقاح وترتفع نسبة الخطر لدى مرضى (الرئة الفيروسية، التهاب الدماغ، التهابات الأذن الوسطى ... ) وبالتالي حدوث وفيات".
وأوضح المتحدث أنّ الشباب واليافعين هم أيضاً من الفئات عالية الخطورة للاختلاطات وحتى الوفيات، إذ سجلت مؤخراً وفاة بعمر 12 سنة في منطقة عفرين إثر الإصابة بالحصبة، كما تم تسجيل عدة إصابات لشباب تم قبولهم بمشفى منطقة الباب. وأضاف أن "الأطفال دون السنة والأكبر من 5 سنوات هم الفئات الأكثر تأثراً بالأعراض وتعرّضاً للاختلاطات".
وحول سبل الوقاية أكد الدكتور أنّ "التطعيم الرئيسي يكون عبر جرعتين من اللقاح بفاصل 6 أشهر، ولا يوجد علاج شافٍ للمرض وإنما يتم تقديم العلاج الداعم والعرضي للمرضى خلال إصابتهم".
وتابع "يتم إعطاء الفيتامين A كأحد داعمات المناعة للوقاية من الاختلاطات الشديدة للحصبة، ويجب عزل الأطفال المصابين وعدم إرسالهم إلى كل أماكن التجمعات، وخاصةً المدارس والروضات، ومتابعتهم من قبل طبيب الأطفال لتقدير الحاجة للعلاج المنزلي أو بالمشفى".
بدوره، بيّن مسؤول ملف اللقاح في منطقة عزاز شمال حلب الدكتور محمد حجازي، لـ"العربي الجديد"، أنّ" الحصبة والجدري من الأمراض شديدة العدوى والانتشار، والبيئة في مناطقنا مؤهلة لنقل العدوى، بسبب المخيمات والاكتظاظ السكاني والصرف الصحي والخدمات المشتركة مثل الحمامات وصهاريج الماء، وهذا ما يجعلها موطناً مناسباً للانتشار والتحول إلى وباء".
وقال إنّ "اللقاحات متوفرة في المنطقة، لكن الإقبال عليها تراجع قليلاً بعد الإشاعات التي انتشرت حول لقاح فيروس كورونا وأثارت مخاوف الناس، ما يدفع للعمل في اتجاه رفع نسبة الوعي بأهمية التلقيح".
وأضاف "الإصابات تُنذر بوجود بوباء، فيجب أن يكون هناك ترصد بشكل جديد لمعرفة عدد حالات الإصابة في المجتمع، ورفع الوعي بالمرض وأعراضه وطرق الوقاية منه وعلاجه، وأخذ اللقاح من قبل جميع الأطفال للقضاء على فاشية الحصبة الحالية".
وحول وجود إصابات في منطقة إدلب، صرّح المسؤول عن اللقاحات في مديرية صحة إدلب الدكتور رفعت فرحات، لـ"العربي الجديد"، أنّه "لحدّ الآن ما زال عدد الإصابات قليلاً جداً في إدلب، ولا يستدعي حملة، أما في الأيام القادمة فلا نعلم كيف سيكون الوضع، أما بالنسبة لريف حلب فهم بحاجة لحملة حالياً"، وبيّن أن حملة تلقيح شاملة تحتاج دعم الصحة العالمية".
ولفت إلى أنّ "ظهور الحصبة في أي منطقة سببه عدم إقبال الأطفال على اللقاح، وهو الكفيل بالحدّ من انتشار الإصابات، إلى جانب إعطاء الفيتامين A، وكذلك تنفيذ حملة تلقيح للمناطق التي تنتشر فيها الحصبة".
يشار إلى أن إصابات الحصبة تأتي في وقت يعاني القطاع الصحي من وضع غاية في السوء جراء توقف الدعم.
وحذّر "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، بداية الأسبوع الجاري، من وقوع كارثة بسبب توقف الدعم عن 18 منشأة طبية في شمال غربي سورية، بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا وسوء الوضع الطبي في المنطقة.
وكانت وزارة الصحة التابعة للحكومة المؤقتة المعارضة قد قالت في بيان نشرته بداية الأسبوع الجاري إنه خلال الفترة الممتدة من ديسمبر/ كانون الأول2021 وحتى السابع من الشهر الجاري، تم اكتشاف 30 إصابة بمرض الحصبة في منطقة الباب وأكثر من حالة في منطقة عفرين، غالبيتها أطفال دون سن الخامسة سنوات، مع الاشتباه بوجود متلازمة الحصبة الألمانية الخلقية لطفلة حديثة الولادة.
وأعلنت عن أول حالة وفاة مرتبطة بالحصبة في منطقة عفرين لطفلة بعمر 12 عاماً وهو مؤشر خطر لتحول هذا المرض إلى وباء يحصد المزيد من الأرواح.
وطالبت الأهالي في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام بالتأكد من أن أطفالهم يتلقون لقاحاتهم (لقاحات الطفولة) بمواعيدها دون أي تأخير، ودعت من لديهم أطفال لم يتلقوا أي جرعة لقاح إلى الآن أو الأطفال حديثي الولادة بالتوجه إلى أقرب مركز لقاح روتيني.
كذلك وجّهت جميع المراكز الصحية في هذه المناطق ومدينة الباب خاصة إلى توزيع المنشورات الإرشادية الخاصة بالحصبة على الأهالي، ودعم المراكز بخافضات الحرارة والمضادات الحيوية وتوفير فيتامين A للحالات المشتبه بها، ورفع مستوى الوعي للعاملين الصحين والأسر بهذا المرض وتنظيم حملة تطعيم شاملة.
والحصبة مرض خطير وشديد العدوى يسبّبه فيروس. وفي عام 1980، أي قبل انتشار التطعيم على نطاق واسع، كان هذا المرض يودي بحياة نحو 2.6 مليون نسمة كل عام. وفق منظمة الصحة العالمية.
ولا تزال الحصبة من الأسباب الرئيسية لوفاة صغار الأطفال في جميع أنحاء العالم، وذلك على الرغم من توافر لقاح مأمون وناجع لمكافحتها.