الحرمان في غزة... اللحوم والفاكهة محظورة على الغزيين

11 سبتمبر 2024
يعتمد الآلاف في قطاع غزة على التكايا الخيرية (هاني الشاعر/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **نقص الغذاء والمياه:** يعاني سكان غزة من نقص حاد في المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر، مما يهدد 2.3 مليون فلسطيني بسوء التغذية والمجاعة.

- **ارتفاع الأسعار ونقص المواد الأساسية:** أدى العدوان إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية ونقص حاد في اللحوم الطازجة، المسليات، المشروبات الغازية، الشوكولاتة، الفواكه، وحلويات الأطفال.

- **التأثيرات النفسية والاجتماعية:** يعاني الفلسطينيون، خاصة الأطفال، من تأثيرات نفسية كبيرة نتيجة نقص الأطعمة والمشروبات، مما يزيد من حدة التوتر والشعور بالظروف غير الطبيعية.

لا يكتفي جيش الاحتلال الإسرائيلي بالقصف والتدمير والقتل المتواصل في قطاع غزة، بل يمارس إضافة إلى كل ذلك أشكالاً إضافية من الإبادة الجماعية تتمثل في التجويع والتعطيش المتعمد.

يحرم العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة الفلسطينيين من أصناف غذائية عدة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في حين يعيش عشرات الآلاف ظروفاً معيشية معقدة وأوضاعاً غاية في الخطورة في ظل انعدام الأفق.
وسبّب العدوان المتواصل المترافق مع الإغلاق التام للمعابر، ومنع دخول المواد الغذائية حالةً من النقص الشديد في العديد منها، إلى جانب فقدان تام لأصناف أخرى ما يترك نحو 2,3 مليون فلسطيني عرضة لسوء التغذية والمجاعة، ويؤكد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن الغالبية العظمى من هؤلاء في حاجة ماسة إلى المساعدات.
وألقى المنع الإسرائيلي المفروض على دخول المواد الغذائية والعديد من المتطلبات اليومية الأساسية بظلاله القاتمة على الفلسطينيين في غزة، وسبّب مجاعة في مناطق عدة، ولفترات متفاوتة، ونفادَ مختلف المواد الغذائية في محافظتي غزة والشمال، وفقدان الكثير من الأصناف الأساسية في المحافظات الوسطى والجنوبية، وبعض مناطقها يدعي الاحتلال أنها "مناطق آمنة"، فيما تشهد أنحاء القطاع نقصاً حاداً في مختلف المواد الغذائية الأساسية، والمتوفر منها أسعاره باهظة، وتصل في بعض الأحيان إلى أكثر من عشرين ضعف سعرها الطبيعي.
ولا تتوفر في غزة منذ بداية الحرب اللحوم الطازجة، سواء الحمراء أو البيضاء، ويتم توفير المجمد منها بأسعار مرتفعة في بعض الأوقات، وكذلك أصناف الأسماك، والتي باتت نادرة الظهور في الأسواق بفعل عدم السماح للصيادين بالصيد بحرية، وملاحقتهم وإطلاق النار على من يغامر منهم لمحاولة "تلقيط" رزقه، الأمر الذي أثر تأثيراً مباشراً على توافر الكميات التي اعتاد عليها الفلسطينيون قبل العدوان.
وتشمل قائمة الأطعمة التي لم يتناولها الفلسطينيون منذ بداية العدوان مختلف أنواع المسليات، والمشروبات الغازية، وأصناف الشوكولاتة، إلى جانب حلويات وسكاكر الأطفال، والعديد من أصناف الفواكه، والتي يتم توفير أصناف محددة منها بأسعار تفوق سعرها الطبيعي بأكثر من عشرة أضعاف، وحصراً في المناطق الجنوبية، فيما يحرم السكان في الشمال منها بشكل مقصود بوصف ذلك جزءاً من عقابهم على عدم الاستجابة لطلب النزوح جنوباً.
نزحت الفلسطينية شام صالح رفقة أسرتها من منطقة التوام شمالي مدينة غزة نحو مدينة خانيونس جنوباً، ثم إلى رفح، وبعدها إلى مدينة دير البلح في وسط القطاع، وتقول لـ"العربي الجديد"، إنها حرمت من العديد من أصناف المأكولات التي اعتادت عليها طوال عمرها، في حين تضاعفت أسعار الأصناف البديلة رغم كونها رديئة إلى أضعاف مضاعفة.
وتؤكد صالح: "النقص في العديد من الأصناف لا يقتصر على منطقة دون أخرى، بل يشمل جميع محافظات القطاع، وإلى جانب حرماننا من العديد من أصناف الطعام التي كنا نتناولها بشهية مفتوحة قبل الحرب، ما زلنا محرومين من المسليات والمشروبات الغازية والعصائر والمقرمشات والمكسرات".

تتابع: "صحيح أن هذه الأصناف ليست أساسية، كما أنها لن تنهي معاناتنا حال توافرها، لكنها تساعدنا إلى حد ما على قضاء الوقت الطويل الكئيب داخل خيام النزوح، حيث نعيش في روتين يومي ممل تتكرر فيه أشكال المعاناة المتعلقة بتوفير الطعام والماء الصالح للشرب والاستخدام اليومي، وسط شح كبير في العديد من المتطلبات الحياتية الأساسية".
تحمل الفلسطينية رحمة أبو سيف كيساً صغيراً يضم بعض الخضروات التي اشترتها بثلاثة أضعاف سعرها الطبيعي، وتقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "النقص الحاد في الخضروات بفعل تجريف غالبية الأراضي الزراعية ضاعف أسعارها بشكل غير معقول، ما دفعني إلى شراء بعض الأصناف بعدد محدود للغاية. لم يسبق لنا أن اشترينا الليمون والبطاطس والطماطم والبصل بالحبة، بل كنا نشتريها بالكيلو، لكننا نفعل هذا اليوم نظراً إلى ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه، ما يجعلنا غير قادرين على الشراء".

الخبز أحد أساسيات الحياة المفقودة في قطاع غزة (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
الخبز أحد أساسيات الحياة المفقودة في قطاع غزة (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

وتبين أبو سيف، وهي أم لأربعة بنات وثلاثة شبان، أن "طول أمد الحرب، والظروف المأساوية داخل خيام النزوح غير الأنماط الغذائية، إذ بات الطبخ مقتصراً على أصناف محددة ومكررة، وفي أحسن الأحوال نتمكن من طبخ اللحم أو الدجاج الذي نشتريه مجمداً، وبأسعار مضاعفة، نتيجة منع دخول اللحوم الطازجة منذ بداية الحرب، وقد اشتقنا إلى طعمها، إلى جانب تدمير مزارع تربية الدواجن والطيور والمواشي".
وتلفت إلى أن أسرتها قبل الحرب كانت تطبخ مختلف الأصناف داخل البيت، وبأريحية تامة على غاز الطهي أو عبر الفرن الكهربائي، وأنها كانت تحضر يومياً المقبلات الخاصة بكل وجبة طعام، والمسليات والعصائر التي تستهلكها الأسرة بين وجبات الطعام، وتضيف: "حرمنا من كل ذلك بعد تدمير البيت، ونزوحنا نحو مناطق الجنوب والوسط، وسط مزيج من المعاناة المتمثلة في سوء الأوضاع المادية والارتفاع الحاد في الأسعار".
بدوره، يقول الفلسطيني عطا الغول لـ"العربي الجديد"، إنه يصاب بالإرهاق الشديد الممزوج بالكآبة واليأس عند زيارته للسوق بسبب النقص الشديد في الأصناف المعروضة في كل المحال التجارية والبسطات الشعبية، وغياب كامل للأصناف الجيدة والتي اعتاد على توفيرها لأسرته، ومن بينها الأطعمة شبه الجاهزة التي يتم طهيها بسرعة، كالسبانخ المقطعة، والملوخية المخرطة، أو الباميا الجاهزة، وخضروات المحاشي الجاهزة، إضافة إلى أصناف الفواكه المجمدة التي كان يعتمد عليها في صناعة العصائر.

الأزمة الغذائية متفاقمة في شمالي غزة (محمود عيسى/الأناضول)
الأزمة الغذائية متفاقمة في شمالي غزة (محمود عيسى/الأناضول)

ويبين الغول أن " العدوان الإسرائيلي كان له تأثير كبير على حياتي، إذ كنت في السابق أشتري الحلويات والسكاكر، والألعاب لأطفالي عند عودتي من العمل، لكن الحرب أفقدتني عملي، وغابت الألعاب عن الأسواق، ووصل النقص الحاد إلى حاجيات الأطفال كالمصاصة والشوكولاتة والبسكويت والجيلي والشيبس والمرطبات والعصائر والمشروبات الغازية. هناك تأثيرات نفسية كبيرة لنقص الأطعمة والمشروبات على الفلسطينيين، وفي مقدمتهم الأطفال، حيث يزيد من حدة التوتر لدى الكبار والصغار، ويشعرهم بأنهم وسط ظروف غير طبيعية، ما يزيد من ثقل مرور الوقت، خاصة مع استمرار حالة الخطر الناتجة عن تواصل القصف والمجازر الإسرائيلية".
وينتهج الاحتلال الإسرائيلي سياسة التجويع منذ بداية العدوان قبل 11 شهراً، إذ يسمح بإدخال البضائع والمواد الغذائية بكميات محدودة للغاية، ما يسبّب ارتفاع الأسعار، وبعضها يتضاعف عشرات المرات بما لا يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية المتردية لجميع الفلسطينيين في قطاع غزة، في حين يمنع جيش الاحتلال دخول أي من البضائع والمواد الغذائية إلى مدينة غزة وشمالي القطاع؟، حيث يعيش السكان مجاعة متفاقمة راح ضحيتها نحو 40 شهيداً قضوا من جراء سوء التغذية، وفق التحديث الأخير للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

يقول الفلسطيني زياد الخليلي، وهو من سكان حي النصر غربي مدينة غزة، إن "الإغلاق الإسرائيلي الكامل للمعابر، ومنع دخول البضائع سبَّبا فقدانَ كل المواد الغذائية، الأساسية والثانوية، كما قام الاحتلال بقصف وتدمير وتجريف الأراضي الزراعية، والمناطق الصناعية، إلى جانب ملاحقة الصيادين وإطلاق النار عليهم، ما سبَّب حرمان نحو 700 ألف فلسطيني لا يزالون يعيشون في محافظتي غزة والشمال من الوصول إلى الطعام اللازم للبقاء على قيد الحياة".
ويبين الخليلي لـ "العربي الجديد"، أن "النقص لم يقتصر على الأصناف الأساسية كالبقوليات والسكر والملح والخضروات والفواكه، وإنما تجاوز ذلك ليصل إلى الشاي والقهوة والمكسرات والعصائر والمشروبات الغازية والمسليات والسكاكر والحلويات. النقص في تلك المتطلبات يؤثر سلباً على الجميع، خصوصاً الأطفال، نظراً إلى أهميتها في التخفيف من الآثار القاسية للعدوان، وما يرافقه من واقع معيشي ونفسي غاية في الصعوبة. بتنا نشتهي يوماً من الحياة الطبيعية الآمنة، يمكننا خلاله تناول الطعام والمقبلات والحلويات والعصائر كما اعتدنا قبل بدء العدوان، وتناسي الشعور بالخوف والقلق والحرمان المتواصلين".

المساهمون