عانى مرضى الفشل الكلوي في الجزائر، خلال فترة تفشي فيروس كورونا الجديد في البلاد، من عدم قدرة المستشفيات على إجراء عمليات زرع الكلى، فلم يكن من خيار أمامهم غير الانتظار واللجوء إلى جلسات الغسل، التي لا تحلّ حالتهم المرضية.
ينتظر عشرة آلاف جزائري إجراء عمليات زرع كلى في المستشفيات، بعدما أخّر وباء كورونا العشرات ممن هم ضمن قائمة الأشخاص المصابين بالفشل الكلوي، عن تحديد مواعيد لإجرائها، في ظلّ معاناة الآلاف خلال جلسات غسل الكلى في انتظار التبرّع. وتتحدث سليمة بن عيسى لـ "العربي الجديد" عن حال ابنتها وفاء (10 سنوات) خلال جلسات غسل الكلى، وتصفها بالموت الأسبوعي. توضح أنّ ابنتها بدأت رحلت العذاب هذه قبل نحو سنتين. عملية غسل الكلى التي تجريها وفاء في مستشفى "نفيسة حمودي" في منطقة حسين داي بقلب العاصمة الجزائرية، ترهقها، كما ترهق والدتها التي ترافقها في كلّ جلساتها. وتتكبد الصغيرة عناء الانتقال من ولاية عين الدفلى التي تبعد نحو 140 كيلومتراً عن العاصمة الجزائرية، إلى المستشفى للعلاج.
في هذا الإطار، تقول الطبيبة المتخصصة بأمراض الكلى، أحلام عرايبي، لـ"العربي الجديد": "حياة المريض هي رهن جلسات غسل الكلى التي تُرهق الجسد، وقد يحتاج المريض إلى ثلاث جلسات في الأسبوع، وتتجاوز مدة الجلسة الواحدة أربع ساعات في اليوم الواحد، إن كان المرض مزمناً". تضيف: "هناك أيضاً مشقة التنقل مسافات طويلة من ولاية إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى، بهدف غسل الكلى". وتشير إلى أنّه خلال أزمة الوباء، زادت معاناة عشرات مرضى الفشل الكلوي بسبب تأجيل عمليات زرع الكلى، إذ قررت وزارة الصحة تعليق العمليات الجراحية لتكون الأولوية لمحاربة الوباء، علماً أنّ الكثير من المرضى يحتاجون إلى زرع كلى.
وقبل نحو عام، أطلقت الجزائر برنامجاً وطنياً للتوعية بأهمية التبرع بالأعضاء، خصوصاً بالنسبة للأشخاص المتوفين، إذ أعلنت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات أنّ عمليات زرع الأعضاء لا سيما الكلى ما زالت قليلة جداً بالمقارنة مع عدد المصابين بالفشل الكلوي، والذين قدّر عددهم بـ 26 ألف حالة وفق أرقام رسمية صدرت نهاية العام الماضي. كما أشارت إلى أنّ الجزائر تسجل نحو 3 آلاف إصابة بالفشل الكلوي سنوياً، في مقابل 10 آلاف مريض ينتظرون دورهم لإجراء عمليات زرع الكلى، وأكثر من 23 ألفاً من المرضى يخضعون لغسل الكلى. وقال المدير العام للوكالة الوطنية لزرع الأعضاء حسين شاوش، خلال ندوة عقدت نهاية مايو/ أيار الماضي، إنّ هذا البرنامج سيساهم في تعزيز أهمية التبرع بالأعضاء كفعل خير ومواطنة، مؤكداً على ضرورة تكاتف جهود التوعية بأهمية التبرع لإنقاذ حياة المرضى، وتوعية المواطنين، خصوصاً من قبل أئمة المساجد. ويشير إلى أنّ "من الضروري أن يضع المواطن ثقته في الطبيب الجزائري، إذ سجلنا خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري أكثر من 100 عملية زرع كلى، وكانت ناجحة بنسبة 99 في المائة".
وكشف شاوش أنّ ما بين 400 و500 عملية زرع كلى تجرى في المستشفيات الجزائرية سنوياً، فيما تبلغ الاحتياجات السنوية للمرضى في الجزائر نحو 1500 عملية من هذا النوع سنوياً، مشيراً إلى أنّ السلطات الصحية لا تستطيع تأمين هذا العدد من المتبرعين. لذلك، وجبت توعية المواطنين حول أهمية التبرع بالأعضاء.
وقبل أربع سنوات، باشرت الوكالة الوطنية لزرع الأعضاء في الجزائر، رصد ومعاينة وجمع أسماء الأشخاص الذين يبدون رغبتهم في التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، وتقدم لهم بطاقة متبرع، إذ يسمح القانون الجزائري بالتبرع بالأعضاء، بشرطين أساسيين هما أن يكون المتوفى مسجلاً في السجل الوطني للتبرع بالأعضاء، وثانياً مراعاة موافقة العائلة إن كان الشخص متوفى. لذلك، تشترط المستشفيات أن يكتب الراغب في التبرع وصية بمراده قبل وفاته.
وتقول الباحثة الاجتماعية وسيلة أمقران، التي تعمل في المستشفى الجامعي "مصطفى باشا" في العاصمة الجزائرية، لـ"العربي الجديد" إنّ الجزائريين عموماً يتخوفون من زرع الأعضاء والتبرّع بها، داعية إلى "توعية الناس حول أهمية إنقاذ الأرواح وما تخفيه من أبعاد إنسانية" مضيفة أنّ الأمر ما زال يحتاج إلى جهود توعية أكبر من قبل السلطات ووسائل الإعلام ورجال الدين أيضاً، لحثّ الجزائريين على التبرع، خصوصاً من الناحية الصحية، إذ ليست هناك أيّ تأثيرات سلبية على المتبرعين.
يشار إلى أنّ القطاع الصحي يشهد تنسيقاً بين المستشفيات المعنية بزرع الكلى، إذ نفذت المؤسسة الاستشفائية المتخصصة في زرع الأعضاء والأنسجة في منطقة البليدة، غربي العاصمة الجزائرية، 100 عملية زرع كلى خلال العام الجاري، بعدما تعذّر الأمر العام الماضي بسبب فيروس كورونا، إذ أجريت 25 عملية فقط على المستوى الوطني. وتتوفر في المستشفى معدّات وكوادر طبية تتولى إجراء عمليات زرع الكِلى. وكشفت المنسقة العامة للنشاطات الطبية على مستوى المؤسسة الطبية الدكتورة زينب العربي، أنّ الجزائر تتجه لإجراء عمليتين أسبوعياً في حال توفر المتبرعين.