يكره أطفال قرية أم النصر، أقصى شمال قطاع غزة، لحظات الخلود الى النوم لأنها مرهقة بالنسبة لهم بسبب امتلاء الجو بالبعوض في المساء، في ظل افتقاد منطقتهم الخدمات الأساسية والبنى التحتية الجيدة، وقربها من مكبات للنفايات وبرك تتجمع فيها مياه الصرف الصحي التي تتسرب من مناطق مجاورة.
تعجز مرام سلامة (40 عاماً) وأمهات كثيرات في قرية أم النصر عن التعامل مع البعوض، فهن سئمن مراجعة موظفي البلدية الذين يشتكون بدورهم من ضعف الإمكانات التي تمنع تشييد بنية تحتية متطورة، ومعالجة مشكلات خطوط الصرف الصحي، ويبلغونهن أيضاً أن "سكان القرية لا يدفعون رسوم البلدية كي نستطيع إيجاد حلول".
تقول سلامة لـ "العربي الجديد": "ظهرت على أجسام أبنائي الثلاثة بقع حمراء وأخرى بنية اللون، فقصدت عيادة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) شمالي غزة، حيث أخبرني الطبيب أن مشكلة البقع الجلدية عامة بسبب لدغات البعوض في مناطق الشمال خصوصاً، وحذرني من أنها قد تؤدي إلى أمراض جلدية إذا استمرت اللدغات. لكن المشكلة أن إغلاق النوافذ يرفع درجات الحرّ فأشعر مع زوجي وأطفالي بالاختناق".
عموماً، ليست أزمة البعوض جديدة بالنسبة إلى الغزيين، لكن ارتفاع معدلات الحرارة زاد تأثيراتها السلبية هذا العام. كما سلّطت الشكاوى التي قدمها مواطنون للبلديات المحلية الضوء على الأزمة، خصوصاً من السكان الذين يعيشون قرب برك للصرف الصحي، شمالي غزة ووسطها في وادي القطاع تحديداً، وكذلك من أولئك الذي يمكثون في مخيمات مكتظة تنتشر قربها حاويات كبيرة للقمامة، ومناطق قريبة من شاطئ غزة التي تضم 12 قناة تنقل مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى البحر.
ولا شك في أن عدم قدرة البلديات على رش مضادات للبعوض زاد المشكلة، رغم إعلانها أنها تستخدم السولار (الديزل) بحذر شديد بسبب أضراره الكبيرة على صحة المواطنين. كما استهل موسم الاصطياف هذا العام بتشديد الحصار بعد العدوان الإسرائيلي في مايو/ أيار الماضي، وتقييد حركة دخول البضائع والديزل إلى غزة.
ويشتكي الغزيون من الانتشار الكبير للبعوض خلال انقطاع الكهرباء الذي يمنع تشغيل أجهزة مكافحتها، خصوصاً في المساء، ووجود أدوات محدودة ومكلفة للقضاء على هذه الحشرات، ما يحتم استخدام وسائل بدائية وبسيطة، مثل القرنفل والليمون، لمحاولة طرد البعوض.
في أحد شوارع مخيم الشاطئ، لا أماكن مخصصة لوضع مستوعبات القمامة. وقرب منزل إبراهيم أبو منديل، يشتكي السكان من القمامة التي تجلب البعوض والفئران، ومن الفقر الذي كان وقعه شديداً عليهم هذا العام، وحرمهم من شراء أدوات تبريد وتهوية لمقاومة الحر، علماً أن كل محاولاتهم فشلت في تغيير أماكن حاويات القمامة، نظراً إلى عدد السكان الكبير في المخيم، وعدم وجود مساحات مفتوحة.
يقول أبو منديل لـ "العربي الجديد": "لا نواجه مشكلة البعوض وحدها، بل أيضاً مشكلة الذباب الكثيف. وعلى مدار سنوات وضعنا أكياساً شفافة في داخلها ماء لطرد الذباب، لكن هذه الوسيلة لا تطرد البعوض. أما شراء مرهم لطلاء الجسم أو طارد بعوض كهربائي فكلفته كبيرة، كما أن لا كهرباء ليلاً، لذا تكون أجساد أطفالنا حمراء في الصباح".
وفي منطقة بركة الشيخ رضوان وسط غزة، يعاني أحمد بخيت وجيرانه ليلاً ونهاراً من انتشار بعوض يأتي من بركة الشيخ رضوان التي تتجمع فيها مياه الأمطار، لكنها شهدت هذا العام انتشاراً كبيراً للبعوض مع انبعاث الروائح الكريهة التي عجزت البلديات عن معالجتها.
يقول بخيت لـ "العربي الجديد": "نضع شبابيك حماية لمنع دخول البعوض إلى المنازل، لكن البعض غير قادر على شرائها، علماً أنها تحجب الهواء، في وقت تعتبر منطقتنا مكتظة بالسكان وتضم بيوتاً متلاصقة لا بدّ من فتحها، لذا لا مفر من دخول البعوض، وهو واقع يجب أن نتقبله رغم أننا قدمنا شكاوى للبلدية، التي تصر على أنها تبذل قصارى جهدها لتقليل المشكلات".
وتؤكد وزارة الحكم المحلي في غزة عدم حصولها على تمويل خارجي أو حكومي خلال العامين الماضيين لمكافحة البعوض في المناطق النائية والأكثر اكتظاظاً بالسكان، ما دفعها إلى تنظيف برك المياه التي تضع البعوض بيوضها فيها، وتجفيف بؤر مياه يتكاثر البعوض فيها، واستخدام مدفع الضباب لتنظيف الهواء مع حصر استخدامه في المناطق غير المأهولة بالسكان، كي لا يلحق أضراراً بهم.
ويلفت مفتش الصحة العامة في سلطة جودة البيئة بغزة معين بلال، في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن تدمير منشآت عدة للبنى التحتية وقطاع المياه والصرف الصحي، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، أثرّ مباشرة على تطوير الطرق ومشاريع الخدمات العامة للبلديات ومكافحة الحشرات والقوارض. ويقول: "كان من المقرر إدخال معدات ومبيدات متطورة وقليلة الضرر على البيئة والإنسان من أجل القضاء على تجمعات القوارض والبعوض، لكن العدوان الإسرائيلي حرّك البوصلة إلى البحث عن إصلاح الدمار".