لا تزال أعداد من النازحين تتوافد يومياً إلى مدينة رفح من مناطق مختلفة هرباً من اعتداءات الاحتلال، خصوصاً على مدينة خانيونس الملاصقة.
منذ الأيام الأولى من شهر فبراير/ شباط، يركز الاحتلال الإسرائيلي القصف على أنحاء مدينة رفح بعد أن أصبحت أكثر محافظات قطاع غزة الخمس اكتظاظاً بالنازحين، وبدأ القصف على عدد من الأراضي الزراعية والأراضي الفارغة القريبة من الحدود المصرية، ثم استهدف الاحتلال حي الجنينة وحي السلام في المنطقة الشرقية من المدينة.
وحسب المكتب الإعلامي الحكومي، تضم مدينة رفح حالياً قرابة مليون و400 ألف مواطن في منطقة كان يبلغ عدد سكانها قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول أكثر قليلاً من 250 ألف نسمة، ويعيش الجميع حالة من القلق الشديد بعدما طاول القصف مناطق سكنية ومنازل، ويسود اعتقاد بأن الاحتلال سيجتاح المدينة على غرار ما فعل في مدينة خانيونس، وقبلها في مدينة غزة، ومن يتابعون الأخبار بالوسائل القليلة المتاحة يسمعون يومياً تصريحات لقيادات من جيش الاحتلال تلمح إلى الاجتياح البري لمدينة رفح، والسيطرة على معبر رفح وعلى منطقة محور فيلادلفيا.
يشاهد سعيد أبو شمالة (49 سنة)، معبر رفح البري بشكل يومي، إذ تبعد الخيمة التي يقيم فيها مع عائلته مئات الأمتار عن الحدود المصرية، وهو يتجول في المنطقة مع أشقائه، وجميعهم مهجرون يعيشون في خيام بسيطة بالمنطقة الحدودية، لكنه أصبح خلال الأيام الأخيرة ينظر إلى بوابة المعبر بخوف وقلق، ويخشى أن يجبر مع أسرته على التهجير إلى سيناء، أو أن يتم قصف المعبر أو إغلاقه من قبل الاحتلال الإسرائيلي، أو تنفيذ تهديدات السيطرة على محور فيلادلفيا بالكامل.
نزح أبو شمالة من مدينة خانيونس، وقد نجا من الموت بأعجوبة أثناء رحلة النزوح في 22 يناير/ كانون الثاني الماضي، وبات مجبراً على البقاء في الخيمة التي نصبها شقيقه في المنطقة الحدودية، وهو يتابع الأخبار بشكل دائم عبر الراديو الذي يشغله على هاتفه المحمول، كما يذهب أحيانا لمشاهدة الأخبار عبر تلفاز يعمل على الطاقة الشمسية موجود في خيمة يتجمع فيها الصحافيون.
يقول أبو شمالة لـ"العربي الجديد": "نحن الآن أمام الموت أو التهجير، والأخبار المتداولة حول رفح مقلقة. لا أهتم بنفسي وإنما بمصير أبنائي الذين لم يعيشوا بعد شيئاً من الحياة. كنا في بداية العدوان الإسرائيلي نستبعد أن يدخل الاحتلال قطاع غزة برياً، واليوم نعيش كابوساً متواصلاً لأنهم دخلوا بعدما حصلوا على الضوء الأخضر الأميركي، ويتكرر الاجتياح البري في كل المناطق وارتكاب المجازر بحق المدنيين بينما العالم كله صامت كأنه لا يرى ولا يسمع".
في الثالث من فبراير الحالي، قصف الاحتلال منزلين مدنيين يعودان لعائلتي الهمص وحجازي، شرقي مدينة رفح، ثم قصفت روضة للأطفال كانت تأوي نازحين في المنطقة نفسها، واستشهدت طفلتان فيها، واستمر القصف وصولاً إلى مناطق شمالي رفح المعروفة بمنطقة المصبح، ثم منطقة النصر، والتي حاول سكانها النزوح إلى المنطقة الغربية بعد القصف، ثم قصف الاحتلال مناطق شرق وجنوب المدينة.
واعتبرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، غالبية الغزيين الموجودين في مناطق الخيام في جنوبي القطاع ضمن الأشخاص الأكثر نزوحاً في غزة، والبعض منهم نزحوا قرابة عشر مرات في ظل ملاحقة القصف المستمر لهم، وهؤلاء تقدر أعدادهم، وفق سجلات الوكالة الذين يحتمون في منشآتها وبعض الأماكن التي تمدها بالمساعدات، نحو 1.7 مليون غزي.
يقول النازح حاتم أبو شرارة (40 سنة)، من منطقة الخيام على الحدود الفلسطينية المصرية، إن "أي اجتياح بري لمدينة رفح سيؤدي إلى سقوط مئات من الضحايا، وخصوصاً من الأطفال والنساء، وهذا ما حصل في مدينة غزة ومناطق شمالي القطاع"، ويشير إلى أن "معظم النازحين في الخيام من الأطفال والنساء وكبار السن، وهم يجلسون داخل الخيام معظم الوقت، وأي هجوم إسرائيلي سيقتل المئات منهم".
يعيش أبو شرارة حالة قلق شديدة تتزامن مع معاناته المستمرة لتأمين الطعام لأطفاله الأربعة، وأكبرهم محمد (14 سنة)، وأصغرهم سما (ثلاث سنوات)، فضلاً عن تأمين العلاج لإصابة تعرض لها أثناء تكرار النزوح في مدينة خانيونس، إذ أصابته شظايا قذيفة في أنحاء جسده، بينما استشهد شقيقه وأطفاله في مدينة غزة، وشقيق زوجته وأطفاله.
يقول حاتم لـ"العربي الجديد"، إن "أي أخبار متداولة حول الهجوم على مدينة رفح تضعني في ضغط نفسي إضافي. أنا مثل كل الآباء لا أريد حروباً ولا معارك، وأريد أن تستمر قضيتنا حية من دون خسارة الأرواح. كل أب يريد لأبنائه أن يعيشوا بسلام، لكني أعيش حالياً في حالة توتر حادة، فقد استشهد شقيقي مع أطفاله في منزله بحي الشجاعية، ونجت زوجته بأعجوبة، ولا أريد أن يتكرر هذا المشهد معي. أريد أن يعيش أبنائي وأن يكون مستقبلهم جيداً".
ويلاحق القلق جميع الغزيين في ظل تركيز الاحتلال على استهداف المنطقة الشرقية من مدينة رفح، نظراً لأن معبر رفح يقع في تلك المنطقة، وهناك تخوفات من إجبار النازحين على الانتقال إلى المنطقة الغربية التي تضم تل السلطان ومخيم رفح ومنطقة البلد، والسيطرة على معبر رفح الذي تدخل من خلاله المساعدات الإنسانية، بهدف منع دخول المساعدات بالكامل.
ورغم أن ما يدخل من مساعدات شحيح ولا يكفي حاجة السكان الذين تكتظ بهم مدينة رفح، فضلاً عن بقية سكان قطاع غزة، إلا أن توقف دخول المساعدات بالكامل سيعجل بحدوث مجاعة كبيرة في القطاع. ويتزايد القلق على مصير معبر رفح الذي يعتبر الأمل الأخير للنجاة بالنسبة للغزيين، ومنفذهم الوحيد للتواصل مع العالم الخارجي.
يعيش الفلسطيني أحمد مطر (50 سنة)، في مخيم يبنا بمدينة رفح، وهو يستضيف في منزله العديد من أقاربه المهجرين من مدينة غزة، والمنزل قريب من الحدود المصرية، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "الاحتلال يحاصرنا من السماء ومن البحر، ويهددنا بالاجتياح البري، هو فقط لا يسيطر على الحدود المصرية، لكنه يحاول فرض سيطرته على معبر رفح حتى يحكم الخناق علينا. نتعرض لموت بطيء، والسيطرة على معبر رفح تعني السقوط الكامل، ورفح في عقيدتنا بوابة الجنوب، لذا نعيش حالة من القلق الحاد، ولا نعرف متى ينتهي هذا الكابوس، وما هو مصيرنا في النهاية".