لا تتجاوز تصريحات المسؤولين والقادة حد وصف الوضع في ليبيا بـ"الكارثي" وإعلان الإحصائيات الأولية عن ضحايا الفيضانات في مدينة درنة، دون الحديث عن مصير الإمدادات والإمكانيات وفرق الإنقاذ التي صرحوا بإرسالها إلى مناطق شرق البلاد، عقب تفاقم الخسائر المصاحبة لمرور إعصار دانيال بالمنطقة.
لم يجد محمد المنصوري من يساعده في نقل الكتل الخرسانية المنهارة على أسرة أخيه، إلا جيرانه من شباب حي البحر المطل على شاطئ مدينة درنة، واستغرق نقلها أكثر من 6 ساعات عبر ربط الكتل الخرسانية بحبال وجرها بسيارة دفع رباعي يملكها أحد شباب الحي، وفقا لشهادة ناصر الجازوي أحد شباب الحي.
يضيف الجازوي لـ"العربي الجديد"، أن المنصوري واجه مشكلة أخرى بعد العثور على جثة شقيقه وزوجته وطفلتيه، وهي كيفية الحصول على تصريح للدفن من النيابة العامة وشهادة وفاة من الطبيب، إذ لم تتشكل الغرفة الطبية الوحيدة في البلاد في مستوصف شيحا الطبي بعد، ما اضطره للتأخر في دفنهم حتى مساء الأمس.
وتكشف شهادة الجازوي عدم توفر المدينة على أي إمكانيات طبية في مستوصف المدينة الوحيد، وهو ما يؤكده عضو غرفة الطوارئ التابع لبلدية مدينة درنة، عبد القادر أبوملاسة، الذي أشار إلى جهود ذاتية لأطباء وعناصر طبية لتأهيل بعض غرف مستشفى المدينة المتضرر بمياه الأمطار.
أزمة تبريد الجثث المتراكمة
يضيف أبو ملاسة لـ"العربي الجديد": "حتى وإن نجا مستشفى المدينة الوحيد من السيول بسبب وجوده في حي باب طبرق الواقع بعيدا عن مجرى الوادي إلا أن مياه الأمطار الغزيرة تدفقت إلى داخله، وتأهيله يقتصر حاليا فقط على تجفيف بعض غرفه من المياه وتنظيف الأسرة حتى يتم استقبال أي دعم طبي قادم من خارج المدينة في الساعات القادمة".
ويلفت أبوملاسة إلى حاجة المدينة إلى كميات من الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء في مستوصف شيحا لتبريد الجثث المتراكمة داخل غرفه قبل تحللها، بالإضافة لتشغيل مولد مستشفى المدينة في اطار إعادة تأهيله وتشغيل أجهزته الطبية.
وفيما نجحت جهود الأهالي في نقل أعداد كبيرة من المصابين على مراكز طبية في مناطق مجاورة لمدينة درنة كمنطقة أم الرزم ومرتوبة، يبدو أن استمرار هذه الجهود غير ممكن في ظل تزايد عزلة المدينة، حيث يؤكد أبوملاسة ضرورة تحرك قطاع المواصلات لإصلاح طريق الظهر الأحمر المنفذ الوحيد المتبقي للمدينة، موضحا أنه "بسبب كثرة مرور السيارات الخاصة عليه تشققت أطرافه وانهارت، وأصبح من المستحيل أن يستمر كشريان الحياة الوحيد للمدينة".
8 أطباء و5 ممرضين في أم الرزم
ويكشف وليد الأخطل، أحد المتطوعين من منطقة أم الرزم المجاورة لدرنة لدعم فريق الإنقاذ الطبي، من جانبه، أن كامل الفريق الطبي بالمدينة هو ثمانية أطباء، وخمسة ممرضين تتوزع مهامهم بين تقديم الإسعافات الأولية للمصابين قبل أن يقوم ذووهم بنقلهم إلى مناطق مجاورة، أو الكشف لتأكيد وفاة من يتم نقل جثثهم على مستوصف شيحا.
يضيف الأخطل: "طبيبان وممرض فقط ومعهم عدد من المتطوعين يتواجدون منذ الصباح في مقر مستشفى المدينة لمحاولة إجراء إصلاحات في قسم الطوارئ لاستقبال المصابين فيه لتخفيف العبء على مستوصف شيحا"، موضحا: "كوني ممرضاً ساهمت يوم أمس في جهود دعم الفريق الطبي، والآن أيضا أساعد في نقل أدوية ومستلزمات الإسعاف وقطع قليلة من مستلزمات الأطباء للكشف تبرع بها أصحاب الصيدليات الخاصة بالمدينة، والمستشفى لا يكاد يوجد فيه شيء".
وعلى الرغم من إعلان حكومة الوحدة الوطنية عن رجوع شبكة الاتصالات بمدينة درنة، إلا أن الأخطل يعلق قائلا: "ما الحاجة للاتصالات دون وجود كهرباء"، مؤكدا أن محطتي كهرباء المدينة خارجتان عن العمل بعد تضررهما الشديد من تدفق السيول داخلهما وانقطاع الكهرباء منذ منتصف ليل الأحد الماضي.
والمدينة خالية من أي محال تجارية يمكن لمن تبقى من سكان المدينة فيها أن يلجأوا إليها لشراء المؤن، وفقا لشهادة الجازوي، الذي يؤكد نزوح أغلب سكان المدينة الى خارجها منذ منتصف نهار الأمس، وقال: "المدينة شبه خالية من النساء والأطفال، ومن تبقى فيها هم الشباب والرجال كمتطوعين، وهناك العشرات من المتطوعين الذي قدموا من خارج المدينة أيضا".
ومن جانبه، يقول أبوملاسة: "عجزُ الحكومات حتى الآن حتى عن إعادة تأهيل المنافذ الرئيسية للمدينة، كخطوة مهمة لتوصيل الدعم بكافة أشكاله، يزيد من قناعة الناس بضرورة تدخل دولي عاجل لتوفير المساعدات اللازمة، قد لا أكون على اطلاع بالمعدات الحديثة للإنقاذ لكن المنظمات الدولية لديها الخبرة الكافية لتزودنا بمعدات وأفراد إنقاذ لنقل حطام المباني وانتشال الجثث من تحتها، والبحث داخل مياه البحر عن جثث القتلى".
ويشير أبو ملاسة إلى أن كل الإمكانيات المتوفرة لدى فرق الإنقاذ بالمدينة هي ثلاث جرافات خاصة وتسع سيارات دفع رباعي، بالإضافة لعدد من سيارات النقل المتوسطة، قائلا: "بهذه الإمكانيات فقط يعمل المتطوعون في رفع ركام المباني لانتشال الجثث، أما على شاطئ البحر وبالقرب من الميناء فحتى الآن لم يتمكن المتطوعين من الوصول إلا إلى الجثث التي تقذف بها الأمواج".