إسرائيل تقمع الفلسطينيين من خلال منع السفر

31 مايو 2022
+ الخط -

لم يتمكّن الناشط السياسي الفلسطيني فرحات أسعد، الذي بلغ الستين من العمر، من السفر إلى خارج الضفة الغربية المحتلة. فمنذ عام 1991، منع من السفر بقرار من جيش الاحتلال الإسرائيلي استناداً إلى ملف سري، كان سبباً أيضاً في الاعتقالات السبعة الإدارية التي عانى منها من دون تهمة أو محاكمة. 
حال أسعد لا يختلف عن حال عشرات آلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقد وثق مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات" قرابة 8500 حالة، وما زال يوثّق. إلا أن مشكلة حرية التنقل والحركة والسفر لا تقتصر على هؤلاء؛ فالقيود على التنقل سواء داخل الضفة الغربية أو ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، أو ما بينهما وبين القدس المحتلة، هي المشكلة الأكبر التي يعاني منها الفلسطينيون في كافة أماكن وجودهم، وهو ما بحثه مؤتمر "حرية الحركة والتنقل والسفر" الذي نظمه مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية في رام الله أول من أمس. 
حضر أسعد المؤتمر كونه من المهتمين بالملف وأحد ضحايا تلك السياسة الإسرائيلية، مشيراً إلى أنه منذ عام 2019 يتابع قضية منعه من السفر، وقد منع من الحصول على تصريح للوصول إلى مستشفى المقاصد في القدس المحتلة من أجل إجراء الخزعة الرئوية، كما منع من السفر للهدف نفسه في وقت لاحق، وأداء فريضة الحج، الأمر الذي دفعه إلى التقدم عبر المؤسسات الحقوقية سعياً لإلغاء منع السفر.
ويقول أسعد لـ"العربي الجديد"، إنه لم يمنع وحده من السفر، بل جميع أولاده باستثناء ابنته. والسبب هو الملف السري، على الرغم من أن آخر مرة اعتقل فيها كانت عام 2010، وقد طلبت محكمة الاحتلال من جهاز المخابرات الإسرائيلي حينها الكشف عما يدين أسعد، ليفرج عنه في وقت لاحق. 
رُفِع منع السفر عن أبناء أسعد قبل ثلاثة أعوام فقط، ولم يمنعوا لنشاطهم السياسي بل لنشاط والدهم. ويوضح أسعد أنه توجه عبر مركز حريات لتقديم التماس لرفع المنع، فرفض الاحتلال بحجة وجود اتصالات له مع قيادة حركة "حماس"، وأن سفره قد يجعله يعاود نشاطه السياسي، يضيف: "لو كنت أريد تجديد نشاطي واتصالاتي التي أتهم بها لقمت بذلك من الداخل. لكن القضية فقط هي خلق مبررات".

وتعرض أسعد للابتزاز حين احتاج إلى السفر للعلاج، إذ قال أحد ضباط الاحتلال عبر الهاتف إنه شارك بجنازة شهيد، فنفى أسعد ثم عاود الضابط الاتصال ليخبره بأنه علم فعلاً أنه لم يشارك بتلك الجنازة، ثم طلب ضابط جهاز المخابرات من أسعد إبلاغه هاتفياً قبل المشاركة بأي مؤتمر وطني أو جنازة أو شيء من ذلك القبيل، فرفض وقال إنه سيقوم بحظر الرقم المتصل، مؤكداً أن كل ما في الأمر محاولة لإذلاله وإهانته، ومحاولة ابتزاز الفلسطينيين ومساومتهم، مشيراً إلى أن الأمر لا يقتصر عليه بل على معظم الأسرى المحررين، وكذلك تتم محاولات ابتزاز للعمال والموظفين وحتى طلبة امتياز الطب في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.
ويقول مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية حلمي الأعرج لـ"العربي الجديد"، إن "المركز وثق حتى اللحظة 8500 مواطن ومواطنة منعوا من السفر"، لكنه يؤكد أن التقديرات تشير إلى وجود عشرات آلاف الممنوعين من السفر"، مشيراً إلى جهود للوصول إلى أكبر عدد منهم من أجل التحرك بقضيتهم بقوة أكبر تحديداً على الصعيد الدولي، وتحويل القضية الفردية إلى قضية وطنية ببعد دولي، يضيف: "لأننا ندرك أنه من دون تحرك المجتمع الدولي والضغط على الاحتلال وإدانة هذه السياسة التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل سافر، فلن يغير الاحتلال منها".

الصورة
من الندوة (العربي الجديد)
من الندوة (العربي الجديد)

وتبدو المسالك القانونية في ملف منع السفر محدودة رغم وجود نجاحات، فيحصل المركز، بحسب الأعرج، على حوالي 60 قراراً برفع منع السفر عن فلسطينيين وذلك بعد جهود مضنية وبعد الوصول للمحكمة المركزية الإسرائيلية.
لكن يبدو العدد ضئيلاً رغم أهميته حقوقياً نظراً إلى وجود عشرات الآلاف من الممنوعين من السفر. والقاسم المشترك لهؤلاء الذين يسمح لهم بعد معاناة بالسفر، هو وجود ذرائع أمنية ليس لها أساس، وأحياناً، بحسب الأعرج، تكون الملفات مركونة أو منسية، ويتم اكتشاف أن لا أسباب حقيقية لذلك المنع.
ويمكن تفسير ذلك بحسب الأعرج من خلال معرفة أهداف منع السفر، وهي تضييق الخناق على الفلسطينيين، وممارسة عقوبات جماعية بحقهم. وأحياناً، يمكن أن تكون الأهداف الابتزاز الأمني أو ممارسة الضغوط أو فرض عقوبات أو إرهاب الناس حتى لا يفكروا بمقاومة الاحتلال أو مجرد الحديث عن ضرورة رحيل الاحتلال، مؤكداً أن عدد الممنوعين من السفر إلى ازدياد.

وتبدو التحديات أكبر من مجرد منع سفر، إذ شهدت الأعوام الماضية تطوراً لافتاً في سياسات عرقلة دخول الأجانب إلى فلسطين، لا سيما الأكاديميين. كما تنظر المراكز الحقوقية إلى اعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين كجزء من تحديات عرقلة حق الحركة بحرية، سواء داخل الضفة الغربية أو إلى القدس.
وفي ما يتعلق بقطاع غزة، يقول مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس إن قطاع غزة أصبح منغلقاً على ذاته يعيش همومه الداخلية وحصاراً وقيوداً على حرية الحركة؛ فالأمر العسكري رقم واحد لعام 1967 أعلن أن منطقة قطاع غزة منطقة عسكرية لا يجوز الخروج منها والدخول إليها، واستمر هذا الوضع حتى عام 1969، ثم تغير تحت ضغط حاجة سوق العمل الإسرائيلية للعمالة، فأعطت سلطات الاحتلال أهل القطاع موافقة عامة على دخول المناطق الإسرائيلية بتصاريح خاصة، وقيدت سلطات الاحتلال الحركة من قطاع غزة إلى خارجه لدرجة أصبح بها التقييد هو العام والسماح بالحركة والسفر خارج القطاع الاستثناء ومن خلال إجراءات معقدة، حتى لمن يحتاج إلى العلاج.

المساهمون