يعيش أهالي الشمال السوري ظروفاً صعبة في ظل استمرار الاشتباكات بين الفصائل، بالإضافة إلى الانتهاكات، الأمر الذي يؤثر على الأهالي بشكل كبير
تُؤثّر الاشتباكات الداخليّة بين الفصائل العسكرية في مناطق شمال وشمال غرب سورية على سكّان المدن والبلدات، نظراً لحالة التوتر والخوف التي يعيشونها جراء هذه الاشتباكات، فضلاً عن انتهاكات ترتكبها هذه الجهات بحق المدنيين على نحو مباشر أو غير مباشر.
محمد السيد نازح مقيم في مدينة أعزاز بريف حلب شمال سورية، يشكو عدم استقرار الوضع الأمني في المنطقة وتعدد الجهات العسكرية. ويقول في حديثه لـ "العربي الجديد" إن "المنطقة تحولت إلى ساحة يكثر فيها إطلاق النار والحوادث"، لافتاً إلى أن السكّان لا يعرفون أين يذهبون مع تطور هذه الأحداث.
نور الدين العبد الهادي يقيم في ريف حلب الشمالي، ويتحدث أيضاً لـ "العربي الجديد" عن الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكبها الفصائل العسكرية في المنطقة. ويقول: "بحكم تنقلي، أرى أن الاشتباكات بين الفصائل بريف حلب الشمالي أكثر منها في إدلب. في ريف حلب، فإن مظاهر حمل السلاح في الشارع شائعة ومزعجة. منذ مدة، اعتقل جهاز مكافحة المخدرات في أعزاز رجلا وامرأة لأمر يتعلق بالمخدرات. وبعد اعتقالهما، حدثت اشتباكات في المنطقة، وأطلقت مجموعة على فرع مكافحة المخدرات في أعزاز الرصاص العشوائي، وحدثت حالة من الذعر. كان الوضع مخيفاً".
ولا يتطلب الحصول على هدوء واستقرار في المنطقة وفق العبد الهادي، سوى توقف هذه المواجهات العسكرية، وعدم دخول عناصر الفصائل في المنطقة للأسواق والشوارع وهم يحملون السلاح الفردي. يوضح أن "غالبية سكّان المنطقة من النازحين والمهجرين وأنا من بينهم. نزحت بحثاً عن الأمان والاستقرار لأجد أن الأمان بات مفقوداً".
وتخترق مظاهر الأمن في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون من قبل فصائل المنطقة أو مجموعات مسلحة، وتندلع بين هذه الجهات مواجهات لأسباب عدة، وتحدث المواجهات في شوارع المدن والبلدات، وغالباً ما تسبب سقوط إصابات بين المدنيين وقتلى. ولا تقتصر المواجهات على الفصائل فقط بل تشمل أيضاً "قوّات سورية الديمقراطية" (قسد) والنظام السوري، والتي تقصف الأحياء السكنية والمخيمات. وتكرر قصف مخيم الكويتي بريف عفرين من قبل قسد مرات عدة هذا العام.
يعمل سليم العبدو بالمياومة، ويوضح لـ "العربي الجديد" أنه يخاف من استهداف مدينة عفرين حيث يقيم، مضيفاً: "في أكثر من مرة، تعرضت المدينة للقصف، وخصوصاً السوق، كما شهدت في إحدى المرات قصفاً على مدينة أعزاز وسط السوق. وقتل طالب جامعي وقتها، وأصيب عدد من رفاقه في الحافلة نفسها. منذ مدة أصيب نازح من ريف دمشق برصاصة طائشة في عفرين وتسببت بمقتله، وكاد الأمر يتطور لاقتتال بين عائلات من ريف دمشق وحلب، على خلفية انتماءات فصائلية. لكن تدخل قضاة في القضية وجرى توافق على دفع دية لذوي القتيل وهو أب لعدة أولاد. الرصاص العشوائي مخيف ويسبب الموت، نرجو ألا تتكرر هذه الحوادث. في بعض الأحيان أصاب بحالة من القلق كوني أعمل بعيداً عن البيت وأخاف قطع الطرقات في حال حدوث اشتباكات".
ويقول الناشط مصطفى الحلبي لـ "العربي الجديد": "تحدث الانتهاكات من كل الفصائل التي تُسيطر على المنطقة دون استثناء، بمن فيهم الحكومة السورية المؤقتة، لا سيما الاعتداء الأخير قبل يومين على مجموعة من النشطاء أمام قصر العدل في مدينة الراعي بريف محافظة حلب الشمالي، وتكسير معدات وضرب الإعلاميين من قبل عناصر الشرطة".
يتابع الحلبي: "في كل مرة تستبيح هيئة تحرير الشام المنطقة بحجج مختلفة تهدف إلى زيادة الخرق الأمني في المنطقة. وفي كل هجوم أو اقتتال يكون هناك ضحايا مدنيون، كما أن القتالات تتسبب بنزوح عشرات العائلات من المنطقة، مع العلم أن معظم سكان مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي هُم بالأصل نازحون ومُهجرون من مختلف المحافظات السورية. هذه الفصائل والحكومات أصبحت عالة على الشعب في المنطقة".
ويوضح الناشط يوسف خرفان لـ "العربي الجديد"، أن "الانتهاكات الداخلية مستمرة بشكل دوري وشبه يومي، هناك أكثر من حادثة قتل سجلت في مناطق أعزاز وجرابلس وكفرة وأخترين بسبب خلافات مادية أو خلافات فصائلية أو مشاكل عشائرية. كما أن حالات الاعتقال التعسفي دون توجيه تهم محددة تحدث أيضاً، عدا عن الإتاوات المحسوبيات".
ويقول: "ندين كنشطاء الانتهاكات التي تقوم بها الجهات المسيطرة على الحياة المدنية في المنطقة، ونطلب العمل على إيقافها وخصوصاً في ظل الانتهاكات الخارجية التي تمارسها قوات النظام السوري وروسيا على المنطقة. طبعاً، السبب الرئيسي غياب المحاسبة الفعلية عن الانتهاكات المستمرة، التي أدت إلى زيادتها إلى حد بعيد مع غياب كامل لأي سلطة فعلية لإيقاف هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها".
ويلفت حسين أبو علي وهو من سكّان منطقة عفرين، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أنه خلال المواجهات بين الفصائل العسكرية يكون هناك قطع للطرقات وخصوصاً بين منطقة عفرين وأعزاز، وتتضرر أملاك المدنيين أيضاً جراء هذه الاشتباكات، ولا أحد يعترف بهذه الأضرار من قبل الأطراف المتصارعة، بالإضافة إلى تسجيل إصابات بين المدنيين في مخيمات المنطقة. ويقول: "ضحايا هذه المعارك دائماً مدنيون. لا أحد يعترف بالأضرار أو الإصابات التي جرت جراء الاشتباكات لا من حيث السكان ولا من حيث ممتلكاتهم".
يشار أن فريق منسقو استجابة سورية وثق في تقرير صدر عنه يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري أكثر من 234 انتهاكاً في المنطقة منذ بداية العام الحالة سببها الجهات المسيطرة على المنطقة في شمال غرب سورية، ضد المدنيين والمواد الإنسانية والإعلامية. ويشير التقرير إلى 12 حالة قتل خارج القانون، و4 حالات نزوح جماعي سببت نزوح أكثر من 22 ألف مدني نتيجة أعمال العنف بين الجهات العسكرية. ووثق الفريق 41 حالة اعتقال دون توجيه تهم محددة، و18 حالة إخفاء وتغييب قسري، و3 حالات خطف بدافع الحصول على فدية مالية، و112 حالة اعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة.