يتفاقم الوضع الصحي في أفغانستان يوماً بعد يوم، وتطاول تأثيراته جميع الشرائح بعد تعليق عدد من المؤسسات الإنسانية الدولية أعمالها في البلاد بسبب فرض حكومة حركة "طالبان" التي تتولى السلطة منذ أغسطس/ آب 2021 قيوداً جديدة على النساء، ومساهمتها من خلال تدابير طاولت المؤسسات الحكومية في جعل أشخاص كثيرين بلا عمل.
وتعتبر شريحة الأطفال الأكثر تضرراً من الوضع الصحي السيئ، خاصة مع حلول موسم فصل الشتاء وتساقط الثلوج والأمطار في كثير من المناطق، والعيش وسط الغلاء المستشري والفقر المدقع.
ويفيد تقرير نشرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن 55 في المائة من مرضى مستشفى تدعمه في كابول هم أطفال تحت سن الخامسة يتعالجون من مرض الالتهاب الرئوي.
ويشير إلى أن حالات سوء تغذية الأطفال التي استقبلها 33 مستشفى في أنحاء أفغانستان ارتفعت من 33 ألفاَ عام 2021 إلى 63 ألفاً العام الماضي، في زيادة نسبتها 90 في المائة مقارنة بعام 2021. ويحلل بأنه "رغم أن حدة القتال انخفضت بشكل ملحوظ في أفغانستان ما زال الوضع الإنساني يثير مخاوف كبيرة في ظل حاجة أكثر من نصف عدد السكان (24 مليوناً) إلى مساعدات إنسانية، ومعاناة 20 مليوناً من انعدام حاد في الأمن الغذائي، ما يعني انسداد سبل تأمين الاحتياجات الأساسية أمام ملايين الأفغان في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة التي تتفاقم بسبب العقوبات الدولية على البلاد، والتداعيات الاقتصادية للنزاع المسلح الدائر بين روسيا وأوكرانيا الذي رفع أسعار القمح والزيت والأسمدة".
يضيف: "لجأ بعض الأفغان بعدما فقدوا مصادر دخلهم إلى الإنفاق من مدخراتهم المالية، فيما تعرض القطاع الزراعي إلى أضرار جراء الزلازل وموجات الجفاف والفيضانات".
وينقل تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن مدير عملياته مارتن شويب قوله خلال زيارته لأفغانستان إن "العائلات الأفغانية تواجه خيارين أحلاهما مر، ويتمثلان في الإنفاق على الغذاء أو مستلزمات التدفئة، علماً أن العائلات عاجزة في الواقع عن شراء أي من هذه المستلزمات الحياتية الضرورية، ما يؤدي إلى ارتفاع مخيف في حالات مرض الالتهاب الرئوي وسوء التغذية. ومنظمات الإغاثة غير قادرة على الاستجابة للنداءات الهائلة التي تطالب بتوفير مساعدات، لذا نحث الدول المانحة ووكالات التنمية على العودة إلى أفغانستان، واستئناف تقديم الدعم الذي يحتاج إليه ملايين السكان".
وما يورده تقرير اللجنة يؤكده جميع الذين يراقبون الوضع الصحي في أفغانستان، خاصة المعنيين بالقطاع والعاملين فيه. ويقول الدكتور المتخصص في أمراض الأطفال شبير فاروق لـ"العربي الجديد": "التهاب الرئة عند الأطفال مرض روتيني وموسمي، لكن عدد المصابين شهد ارتفاعاً كبيراً خلال الشهرين الماضيين بسبب ضعف المناعة الناجم عن سوء التغذية وتلوّث الهواء والفقر، وعدم توفير طعام مناسب للأطفال. أما طريق الخروج من الوضع الصحي السيئ فيتمثل في احتواء الأزمة عبر تقوية مناعة الأطفال وحمايتهم من المخاطر الصحية لتلوّث البيئة والهواء، لكن الفقر المدقع يمنع الآباء عن توفير طعام مناسب للأطفال، وحتى الحفاظ عليهم من البرد القارس في موسم الشتاء، ما يرفع عدد المصابين بالتهاب الرئة".
وتقول فريبا جان، التي أصيب عدد من أولادها بالتهاب الرئة والحمى هذا الشتاء، لـ"العربي الجديد": "استدعت إصابة أحد أطفالي بالتهاب رئوي دخوله المستشفى حيث كان يوجد عدد كبير من أقرانه الذين يتعالجون من المرض ذاته، علماً أن العائلات الفقيرة والمعوزة لا تملك أموالاً كي تأخذ أطفالها إلى مستشفيات خاصة ذات تكاليف علاج مكلفة جداً. أما في المستشفيات الحكومية فالعلاج مجاني لكن لا عناية بالقدر الكافي في ظل افتقاد الأطباء والممرضين، علماً أن عدد المرضى الكبير في هذه المستشفيات يشكل مشكلة كبيرة أيضاً بسبب الإمكانات المحدودة التي تملكها. وهكذا عندما يستقبل مستشفى واحد عدداً كبيراً من المرضى لا يمكن أن تقدم كوادره الخدمات لجميع المرضى بشكل جيد، وهناك مشكلة أيضاً في درجات وعي المواطنين لمخاطر استخدام أدوية في المنزل بعد شرائها من صيدليات، أو أعشاب. وعندما لا تنفع هذه الأدوية والوصفات وتتدهور صحة الطفل تجلبه عائلته إلى المستشفى".
ويقول محمد عصمت، الذي توفي ابنه البالغ من العمر ستة أشهر نتيجة إصابته بالتهاب في الرئة قبل شهرين، لـ"العربي الجديد": "لم يكن ابني مريضاً بشكل جدي وخطير قبل نقله إلى المستشفى حيث أعطانا الأطباء دواءً جعل صحته تتدهور بعد يومين فقط من تناوله، فأخذناه مجدداً إلى المستشفى ذاته، وفي اليوم التالي توقف عن التنفس، ودخل في غيبوبة وتوفي".