أكاديميو غزة... إسرائيل تقتل عقول القطاع

16 مارس 2024
ما بقي من الجامعة الإسلامية في غزة (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الاحتلال الإسرائيلي استهدف بشكل ممنهج القطاع التعليمي في غزة، شاملاً الجامعات والأكاديميين، مما أدى إلى تدمير المنشآت التعليمية ومقتل وأسر طلاب وأكاديميين، في محاولة لإضعاف البنية التعليمية.
- قبل الهجمات، كان الأكاديميون يعانون من ضغوط مادية وحياتية بسبب الأزمات المالية والحصار، لكن العديد منهم رفضوا عروض العمل الخارجية، مفضلين البقاء لدعم التعليم في غزة.
- الاحتلال لم يقتصر على الاستهداف المادي بل تعمد قتل الأكاديميين وتدمير مسيراتهم العلمية، مثل استشهاد الدكتور عمر صالح فروانة والبروفيسور شاهر ياغي، في محاولة لتشويه صورة أهالي غزة.

منذ بدء عدوانه الوحشي على قطاع غزة حرص الاحتلال الإسرائيلي على استهداف الجامعات والأساتذة والأكاديميين، في محاولة لضرب القطاع التعليمي وقتل العقول.

في ظل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة المستمرة للشهر السادس على التوالي، حرص الاحتلال الإسرائيلي على إلحاق الضرر بجميع المنشآت التعليمية والجامعات، ومنها ما دُمّر بالكامل. كما لاحق طلاباً جامعيين وقتلهم بشكلٍ متعمد وأسر آخرين. ولم ينس الأكاديميين المعروفين في قطاع غزة وحملة الدرجات العلمية.
كان الأكاديميون والأساتذة الجامعيون يواجهون ضغوطاً حياتية ومادية حادة قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في ظل تقليص رواتبهم بالتزامن مع الأزمات المالية والاقتصادية التي شهدتها الجامعات والكليات العملية، وعدم قدرة الطلاب على تسديد كامل الرسوم الجامعية المتراكمة عليهم، وسط حصار إسرائيلي مستمر. وكان العدد الأكبر يرفض عروض العمل التي يتلقونها من دول عربية وأجنبية أخرى، وقد فضلوا البقاء في قطاع غزة لتطوير القطاع التعليمي فيها، إيماناً بالرسالة التعليمية وإدراكاً لحاجة القطاع لهم، من بينهم البروفيسور وعميد كلية التربية بالجامعة الإسلامية إبراهيم الأسطل (62 عاماً).
في 23 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، استشهد الأسطل، وهو أحد أهم الأكاديميين في الجامعة الإسلامية وعميد كلية التربية فيها، بسبب قصف إسرائيلي مباشر استهدف منزله، بالإضافة إلى زوجته وابنتيه ابتهال وأفنان وعدد من أقاربه وعائلة زوجته. كان الأسطل حريصاً على تطوير القطاع التعليمي وإجراء الأبحاث، كما يشير صديقه الأكاديمي في كلية التربية فرع اللغة العربية محمد فروانة، مضيفاً أن الأسطل كان قد تلقى عدداً من عروض العمل في جامعات عربية إماراتية وقطرية، وكان يرفض العروض حباً بطلاب قطاع غزة وحرصاً على إفادتهم وتطويرهم.
حصل الأسطل على درجة الدكتوراه في مناهج وطرق تدريس الرياضيات عام 1996، وعمل أستاذاً في جامعات إماراتية مثل جامعتي العين وعجمان، وعاد إلى قطاع غزة مطلع عام 2004، ثم عمل أكاديمياً في الجامعة وأصبح رئيساً لقسم المناهج وطرق التدريس، ثم نائباً للعميد وعميداً لكلية التربية عام 2019. 
ويشير فروانة إلى أن الأسطل عمل منسقاً لبرامج ومشاريع عدة ساهمت في تحسين جودة التعليم المدرسي والتعليم الأكاديمي، منها مشاريع ممولة من الاتحاد الأوروبي. أحد هذه المشاريع حمل اسم "تحسين جودة برامج إعداد معلمي التعليم التكنولوجي في جامعات وكليات قطاع غزة" عام 2010. وكان عضو اللجنة التوجيهية لمشروع "برنامج تطوير تعليم معلمي الرياضيات قبل الخدمة"، بإشراف الجامعة العربية الأميركية في جنين. وعمل مستشاراً للمؤسسة العربية للعلوم والنشر والأبحاث، وكانت له مؤلفات عن مهنة التعليم ودور المعلمين في مدارس المستقبل، وقد بيعت في العديد من المكتبات العربية.

ويقول فروانة لـ "العربي الجديد": "استشهد عدد من أهم الأكاديميين في قطاع غزة، وتعمد الاحتلال قتلهم مع تدمير الجامعات. وكان الأسطل يقول دائماً إنه يريد الموت هنا (في غزة) بدلاً من العيش في نعيم الغربة. كان يحمل رسالة لكل طلابه، وقد نصح الشباب بعدم الهجرة وبذل ما استطاعوا من جهود في قطاع غزة، ومات حاملاً رسالته". يضيف: "ساهم الأسطل في تخريج أهم المعلمين الفلسطينيين والعرب". كما قتل الاحتلال الإسرائيلي الدكتور عمر صالح فروانة برفقة زوجته وأبنائه وأحفاده في غارة جوية إسرائيلية على منزلهم في حي تل الهوى بمدينة غزة في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وفروانة من مواليد العام 1956، وهو أحد أشهر أطباء النساء والعُقم في غزة، وعمل أستاذاً مساعداً في كلية الطب البشري بالجامعة الإسلامية في غزة وكان عميدا لها.
كما استشهد شاهر ياغي (59 عاماً)، أحد الأساتذة العاملين على تطوير مناهج وأساليب التدريس للأشخاص ذوي الإعاقة في غزة. خاص رحلة علمية وعملية كما يشير نجله المهندس أحمد استمرت أكثر من 30 عاماً. أورث أبناءه العلم، وقد نال جميعهم شهادات علمية متقدمة، وعملوا في مجال الطب والهندسة، منهم أحمد وهو مهندس برمجيات.
في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، استشهد ياغي برفقة زوجته فاطمة (52 عاماً) وستة من أبنائه، وبقيّ أحمد وزوجته. كان أحمد على تواصل مع والده قبل المجزرة، وطلب الوالد من ابنه حفظ جميع شهاداته العلمية. يقول أحمد لـ "العربي الجديد": "أرسلت زوجتي وطفلي إلى مخيم المغازي نتيجة التهديدات المتواصلة من جيش الاحتلال. كنت على تواصل معهم على مدار الساعة حتى وصلنا نبأ استشهادهم. كأن والدي كان يريد توثيق درجاته العلمية قبل الشهادة. كان يعمل منسق وحدة جودة التعليم ومشرف ذوي الاحتياجات الخاصة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، ومحاضراً في مواد التأهيل والتعليم للأشخاص ذوي الإعاقة في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية". 

هنا كانت جامعة الأقصى (فرانس برس)
هنا كانت جامعة الأقصى (فرانس برس)

في إبريل/ نيسان 2019، حصل ياغي على درجة الدكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف في التربية من قسم بحوث ودراسات التربية (علم نفس) من معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ألكسو، وكان بحثه عن برنامج تدريبي للمعلمين لتيسير إشباع الحاجات النفسية للتلاميذ ذوى الإعاقة الحركية المدمجين قد اعتمد كمرجع مهم في التربية. 
ويؤكد أحمد أن والده حصل على عروض عدة للتدريس في جامعات عربية معروفة، ونقل عائلته إلى خارج قطاع غزة، لكنه فضل البقاء فيها. ولطالما حفز أولاده على الحصول على شهادات علمية متقدمة، وكان آخرهم ابنته ولاء (29 عاماً) التي حصلت على درجة الماجستير في التحاليل الطبية الكيميائية، لكنها استشهدت مع والدها. يضيف: "كان والدي محباً لكل تفاصيل غزة، ويثمن وجوده فيها لإفادة الجميع، وقد رفض ترك مخيم جباليا، ولطالما سعى إلى تطوير المناهج الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، وشارك في العديد من المبادرات التي تدعم حقوقهم".  
إلى ذلك، قتل الاحتلال الإسرائيلي البروفيسور إسماعيل أبو سعدة الذي كان محاضراً في عدد من الجامعات الغزية. فضل البقاء في غزة والعمل محاضراً وقد رفض عروض العمل في الخارج. كما عمل أستاذاً محاضراً في كليات متخصصة في إدارة الأعمال في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

ويشدد ابن عم وصديق الشهيد الذي يعمل محامياً، على أنه خلال العامين الماضيين، فضل أبو سعدة العمل في جامعات غزية عدة رغم عدم حصوله على الراتب الذي كان يحصل عليه في ماليزيا وجامعات أخرى. لكنه كان يحب غزة وكل شيء فيها، وقد عمل في عدد من الجمعيات الخيرية في غزة لمساعدة الأهالي والطلاب الفقراء لتأمين مصاريفهم الجامعية والمنح لهم. ويقول لـ "العربي الجديد": "كل من يحمل هوية علمية مميزة في غزة هو خطر على الاحتلال الإسرائيلي، الذي يرغب في تصدير صورة مشوهة عن أهالي غزة، علماً أنه في ظل سنوات الحصار الـ 17، زادت نسبة المتعلمين وحملة الدرجات العملية في غزة. ابن عمي هو أحد أقرب الناس إلى قلبي، وقد حصل صديقي على عروض كثيرة للعمل، لكنه كان يقول دائماً: لن نجد مثل زيت وزعتر غزة ولا حتى هواء غزة". 
وبحسب بيان أصدرته وزارة التعليم العالي والبحث العملي الفلسطينية في الثامن من مارس/ آذار الحالي، فإن جامعات قطاع غزة فقدت أهم الكوادر التعليمية والأكاديمية التي أعدت أهم الأبحاث العلمية الفلسطينية، وكان لها مساهمة في تطوير وتأسيس أقسام أكاديمية في قطاع غزة وتطوير القطاع البحثي على المستويات المحلية والعربية والعالمية، وقد سجل للبعض براءات اختراع. وأشار البيان إلى استشهاد 74 شخص من الأكاديميين ورؤساء وعمداء جامعات القطاع حتى إجراء آخر إحصائية، منهم ثلاثة رؤساء للجامعات و7 عمداء لأهم كليات قطاع غزة. وجميع هؤلاء يحملون درجة الدكتوراه ومرتبة البروفيسور، لكن العدد غير نهائي في ظل تلقيهم معلومات عن آخرين لا يزالون مفقودين أو معتقلين. 

المساهمون