تتزايد جرائم العنف الأسري ضدّ المرأة في أفغانستان، لتصل أحياناً إلى حدّ القتل، وسط جهلٍ بالقوانين، وغياب التعليم والتثقيف. المجتمع الأفغاني تسوده الذكورية والأعراف والتقاليد.
تكشف نقابة نسائية في شمال أفغانستان أنّ 52 في المائة من نساء البلاد يتعرضن للعنف الأسري، وأنّ شريحة كبيرة منهنّ لا يعرفن حقوقهنّ التي منحهنّ إياها الدستور. وتُعتبر الأعراف والتقاليد السائدة في البلاد، إضافة إلى الحرمان من التعليم، كما الوضع الأمني المتأزم، سلسلة عقبات في وجه حصول المرأة الأفغانية على حقوقها، وحماية نفسها من العنف الأسري وأنواع مختلفة من الضغوطات والعنف. في السياق، تقول مسؤولة التعليم في نقابة النساء، ورانكه صافي، في كلمة لها أمام اجتماع للناشطات من أقاليم هرات، وننغرهار بكتيا، ودايكندي، وبلخ، في مدينة مزار شريف، إنّ 52 في المائة من النساء يتعرّضن للعنف الأسري، وتحديداً الضرب الجسدي. بينما 90 في المائة من النساء يتعرّضن لأنواع مختلفة من العنف الكلامي والشتم، وهو أمرٌ مؤسف للغاية. وتوضح أنّ شريحة كبيرة من نساء أفغانستان يجهلن الحقوق التي منحهنّ إياها دستور البلاد.
من جهتها، تعتبر الناشطة الأفغانية، كل جهره أفغان بيك، في حديث لها مع "العربي الجديد"، أنّ "العنف الأسري معضلة كبيرة في وجه حقوق نساء أفغانستان، وهو مظلم في حقّ المجتمع بأسره، لأنّ النساء يشكلن المجتمع، ويربين الجيل المقبل. فإذا كانت المرأة تتعرض للعنف على هذه الشاكلة، فكيف يُتوقع منها تربية الجيل الصاعد بطريقة سليمة؟". وتشير إلى أنّ المقصرين في ذلك، أكثر من جهة، فالحكومة لم تقم بدورها، ولا المجتمع الدولي، ولا حتى علماء الدين والمثقفون. وتؤكد أنّ أفغانستان مجتمع ذكوري بامتياز والمرأة محرومة من حقوقها.
في هذا الشأن، تقول مؤسسة حقوق الإنسان، إنّه خلال العام الماضي، سُجلت في أربعة أقاليم أفغانية هي: جوزجان، وبلخ، وسمنغان، وسربل، 550 قضية للعنف الأسري، وأنواع أخرى من العنف التي تعرضت لها المرأة الأفغانية. بهذا الخصوص، يقول مسؤول الإدارة المحلية لمؤسسة حقوق الإنسان في إقليم بلخ، سيد محمد سامع، في مؤتمر صحافي في مدينة مزار شريف، إنّ "القضايا التي سُجلت لا يعني أنّه لا يوجد غيرها أيضاً من قضايا عنف أسري تعرضت له المرأة في الأقاليم المذكورة، إذ بسبب الوضع الأمني وتبعات جائحة كورونا لم نصل إلى كلّ القضايا". كما تضيف المؤسسة، أنّ في أقاليم قندوز، وتخار، وبغلان، سُجلت خلال العام الماضي، 204 قضايا عنف، لكنّ المؤسف أنّ من بينها 54 قضية قتل، كما أنّ في 10 قضايا، أقدمت المرأة على قتل نفسها.
في هذا السياق، يقول مسؤول إدارة حقوق الإنسان في إقليم قندوز، حفيظ الله فطرت، في مؤتمر صحافي، إنّ عدد القضايا المسجلة لدى المؤسسة في الأقاليم الثلاثة المذكورة أقلّ من السابق، لكن قضايا القتل فيها أكثر. وتعتبر الأكاديمية والناشطة، مريم أشرفي، في حديث لها مع "العربي الجديد"، أنّ "الأعراف السائدة أحد أهم الأسباب وراء العنف الأسري في أفغانستان". وتؤكد أنّ بحكم الأعراف السائدة في البلاد لا يحق للمرأة أن ترفع صوتها مهما تتعرض للعنف والضرب، كما بات من العرف الرائج أن لا تخرج المرأة من منزلها نحو المحكمة لتسجيل قضيتها. بالتالي، لا يوجد أي رادع يمنع الرجل من ممارسة العنف على المرأة". وتضيف: "الجهل عند النساء كبير، فمعظمهنّ لا يعرفن كيفية الحفاظ على أنفسهنّ من العنف ولا الحصول على حقهنّ. إضافة إلى ذلك، شريحة كبيرة من الرجال محرومة من التعليم، بالتالي، هم يظنون أنّ الطريق الوحيد للتعامل مع النساء هو العنف والضرب"، ملقية بجزء من اللّوم على الحكومة الأفغانية والمؤسسات التي تعنى بحقوق المرأة، حيث إنّ جلّ ما فعلته الحكومة وتلك المؤسسات، على حدّ وصفها، مجرد شعارات ووعود، كما أنّ المؤسسات اكتفت بجمع الأرقام.
الجدير ذكره أنّ الكثير من النساء معوقات بسبب الحرب، وهنّ أيضاً تعرضن للعنف الأسري بأشكال مختلفة. بهذا الخصوص، ذكرت إحصائية أجرتها مؤسسة، ألسو، التي تُعنى بحقوق المعوقين، أنّ 74 في المائة من النساء المعوقات بسبب الحرب يتعرضن للعنف الأسرى بأشكال مختلفة. بهذا الخصوص، تروي نائبة رئيس المؤسسة، آمنة نظري، في تصريح صحافي لها، أنّ المؤسسة أجرت مسحاً ميدانياً بين المعوقات بسبب الحرب في أربعة أقاليم أفغانية، هي: بلخ، وكابول، وباميان، وبروان، وتبيّن أنّ 74 في المائة منهنّ أكّدن أنهن يتعرضن لأنواع مختلفة من العنف والضغوطات الأسرية. وتشير إلى أنّ المعضلة الأساسية هي أنهنّ لا يجرؤن على رفع قضاياهنّ في المحاكم، كما أنهنّ محرومات من كلّ حقوقهن مقارنة بالمعوقين من الرجال، على الرغم من أنّ 14 في المائة منهن متعلمات ومثقفات، لكن بسبب النظام الأسري والأعراف السائدة لا يستطعن رفع صوتهن.
وحول الحلول، تعتبر الناشطة أفغان بيك أنّ الحلّ يكمن في تعليم المرأة، وتثقيف المجتمع، إذ بدون ذلك لا يمكن تغيير حالة المرأة. كما أنّ التنسيق بين الحكومة والمؤسسات التي تعنى في مجال حقوق المرأة قد يغير الكثير. وتشدد على ضرورة تطبيق القانون، الذي تقول عنه الحقوقية، ارزو هوتك، لـ"العربي الجديد": "هناك قانون يسمى قانون حماية المرأة ضد العنف، وفيه عقوبات شديدة على كلّ أنواع العنف، لكن المشكلة أنها لا تطبق، كما أنّ على المرأة إيصال صوتها".