أضحى المغرب... تمسك بالعادات رغم ضغط الغلاء

16 يونيو 2024
يتمسك المغاربة بشراء الأضاحي رغم الصعوبات المادية (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في المغرب، تبدأ استعدادات عيد الأضحى منذ الأسبوع الأخير من ذي القعدة، حيث تنتشر أسواق الأضاحي والبهارات والأواني، وتزدهر مهن موسمية كشحذ السكاكين وبيع أعلاف الأضاحي، معبرةً عن أهمية هذه المناسبة الدينية.
- رغم الصعوبات الاقتصادية، يحافظ المغاربة على تقاليدهم في الاحتفال بالعيد، مثل شراء طاجن ومجمر جديدين لإعداد أطباق خاصة، مؤكدين على أهمية الطقوس في تعزيز الروابط الأسرية.
- تلعب المرأة المغربية دورًا محوريًا في الحفاظ على التقاليد العيدية، من خلال طقوس "العواشر" واقتناء الأزياء التقليدية، مع تأكيد على أهمية الأضحية دينيًا واجتماعيًا، وتوريث العادات للأجيال القادمة رغم الضغوطات الاقتصادية.

يعيش المغرب منذ الأسبوع الأخير من شهر ذي القعدة على وقع الاستعداد لعيد الأضحى. وتنتشر في غالبية المدن والقرى أسواق مخصصة لبيع الأضاحي  والبهارات والأواني، كما تنتعش مهن موسمية مثل شحذ السكاكين وبيع أعلاف الأضاحي.

يتمسك المغاربة، في استقبالهم عيد الأضحى هذا العام، بالحفاظ على مكانته باعتباره من أبرز المناسبات الدينية بالنسبة لهم، ويحرصون على إحياء عادات وطقوس متوارثة، رغم الصعوبات المعيشية التي يواجهونها من جراء ارتفاع الأسعار وتراجع القدرات الشرائية.

تقول كريمة الوافي، وهي ربة بيت، لـ"العربي الجديد": "رغم الغلاء، حافظت هذه السنة على عادات عدة مثل شراء طاجن ومجمر جديدين، وباقي مستلزمات الشواء، وكذلك شراء البهارات وكل ما أحتاجه لإعداد الأطباق الخاصة بعيد الأضحى مثل المروزية والتريد والمقيلة".
وتؤكد كريمة أن استعداداتها شهدت تراجعاً هذا العام على صعيد الكمّ بسبب ارتفاع تكاليف الأضحية التي تطلبت دفع أسرتها أكثر من 4 آلاف درهم (400 دولار)، لكنها تشدد على أنها تتمسك بإحياء التقاليد التي ترسخت في الذاكرة الشعبية، وبات التخلي عن بعضها أمراً ينغص نشوة هذا العيد الذي تستأثر فيه الأضحية بالنصيب الأكبر من الاهتمام، سواء لدى الأطفال أو الآباء أو ربات البيوت.
وتقول: "سأعد كل الأطباق التي تطبخ في عيد الأضحى خاصة أكلة بولفاف (تحضر بقطع صغيرة من كبد وقلب الأضحية ممزوجة بتوابل تلفّ في قليل من الشحم من أجل شيها بواسطة قضبان رقيقة السمك توضع فوق نار هادئة تنبعث من الفحم الخشبي، وتقدم لأفراد الأسرة مع كؤوس الشاي المنعنع)، والمروزية (تحضر من رقبة خروف الأضحية وبخليط من التوابل يضم الثوم والزعفران الحر والزنجبيل ونبات الكزبرة، إضافة إلى خليط خاص من التوابل يسمى برأس الحانوت، ويتضمن 34 صنفاً من التوابل والأعشاب الغذائية".

وتلفت إلى أن عيد الأضحى يبرز دور المرأة المغربية في حضور واستمرار التقاليد والعادات المتوارثة المرتبطة بهذه المناسبة الدينية. وتخبر أن استعداداتها للاحتفال بعيد الأضحى بدأت قبل حلول يوم العاشر من ذي الحجة، واندرجت ضمن طقوس "العواشر" التي تشمل تنظيف المنزل وإعادة ترتيبه، واقتناء أزياء وألبسة تقليدية، مثل الجلابة والقفطان والتكشيطة.
ولا تقتصر عادات المغاربة في استقبال عيد الأضحى على تنظيف البيوت وصنع الحلويات، بل تشمل أيضاً اقتناء الأضحية التي تُعتبر طقساً اجتماعياً يخلق فرحة مختلفة يحرص الأهل على نشرها بحسب القدرات المادية المتوفرة.
وبينما يحاول المغاربة بمختلف فئاتهم الحفاظ على عادات العيد في حدّها الأدنى، تدفع الأوضاع المالية بعضهم إلى التخلي عن عادات وطقوس ألفوها، وهو ما حصل لأحمد الحمراوي، وهو عامل في شركة خاصة، الذي اعتاد أن يشتري سنوياً خروف عيد الأضحى، لكنه اضطر للمرة الأولى هذا العام إلى الاستغناء عن هذا الأمر بسبب غلاء الأضاحي. ويشير إلى أن العديد من الأسر اضطرت إلى التقشف في مصاريفها، ما أثّر على استعداداتها للعيد الذي بات حكراً على "ما تستطيع إليه سبيلاً".

فرحة العيد (جلال مرشدي/ الأناضول)
فرحة العيد (جلال مرشدي/ الأناضول)

ويقول الحمراوي لـ"العربي الجديد": "فرض غلاء الأسعار في عيد العام الحالي الاستغناء عن العديد من العادات والتقاليد التي اعتدت عليها مثل اقتناء الأضحية والحلويات والملابس الجديدة، واكتفيت بتوفير كمية لحوم لا تتجاوز قيمتها 700 درهم (نحو 70 دولارا). وقد وصلت أسعار الأضاحي إلى أرقام قياسية هذا العام، وبات عدد من الأسر الفقيرة والمتوسطة يعمل في ظل الوضع الحالي بمبدأ التخلي عن أشياء أو على الأقل المشاركة في شراء أضحية واحدة وتقسيمها".
يتابع: "ما غيّب فرحة اقتناء أضحية العيد هو الزيادة المرتفعة في الأسعار التي صارت تشكل عبئاً كبيراً، والفرق في الأسعار بين العام الحالي والعام الماضي يتراوح بين 1000 و2000 درهم (100 و200 دولار)، ما يمثل زيادة كبيرة لا يمكن أن أتحملها بسهولة".
في المقابل، لم يتخلَّ مغاربة آخرون عن شعيرة الأضحية، رغم ارتفاع أسعار الأضاحي، ويؤكدون حرصهم على الالتزام بأداء الشعيرة الدينية والرغبة في مساعدة المحتاجين في الوقت نفسه. ومن بين هؤلاء المدرّس محمد الراوي الذي يقول لـ"العربي الجديد": "لا يكتمل العيد من دون الأضحية وطقوسها التي تعطي طعماً خاصاً له، وتبقى سمته الرئيسية إشاعة الفرح ورسم تعابيره على الوجوه، وتقوية الأواصر بين أفراد العائلات ومساعدة المحتاجين".
ويقول لـ"العربي الجديد": "ليست الأضحية مجرد عادة، بل نسك عبادة. ويعتبر طقس نحر الأضحية الأبرز في العيد علماً أنه لا يتكرر كثيراً في باقي أيام السنة، ويوفر فرصة مهمة لتلاقي العائلات وصلة الرحم، فهو بالتالي من المناسبات السنوية التي يوليها المغاربة عناية فائقة، ويجهدون لإحيائها مع أفراد أسرهم الذين تفرّقت بهم السبل طوال العام".


ويوضح الراوي أن "عادات وتقاليد عيد الأضحى لم تتغيّر في المغرب رغم مرور السنوات، بل زاد التمسك بها وتوريثها لأنها تمثل جزءاً من الثقافة الإسلامية والاجتماعية عموماً. وما ينغص فرحة استقبال العيد هو ما يعيشه إخوتنا في فلسطين من قتل وتهجير وتجويع تحتم غياب كل مظاهر الفرحة والاستعدادات هناك، ويجعل شغلهم الوحيد هو أن يبقوا أحياء ويعودوا إلى منازلهم التي دمر الاحتلال الإسرائيلي معظمها".

وكان استطلاع للرأي أجراه المركز المغربي للمواطنة في يونيو/ حزيران الجاري حول انطباعات المغاربة عن عيد الأضحى، كشف أن 82% من المشاركين يدفعهم العامل الديني إلى اقتناء أضحية، فيما يؤكد 12% منهم أن دافعهم لاقتناء الأضحية هو اجتماعي.
وأبدى 57% من الذين أدلوا بآرائهم رغبتهم في إلغاء عيد الأضحى هذا العام، واعتبروا أن هذا الأمر سيُخفف ضغطاً كبيراً عنهم، في وقت أعلن 44% منهم أنهم يرغبون في الاحتفال بالعيد.
وأظهر الاستطلاع ذاته أن 55% من المستفتين يواجهون صعوبات في توفير مصاريف عيد الأضحى، في حين أعلن 17% منهم أنهم لا يواجهون أي صعوبات.

المساهمون