أرضك "عرضك"

01 يونيو 2022
أرض زراعية في السودان (عبد المنعم عيسى/ Getty)
+ الخط -

لأنّ الأرض تتعدى في الثقافات المحلية مجرد المساحة من المباني أو المزروعات أو الفضاء، كونها سلاحاً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، ومؤشر قوة، فقد ارتبطت ملكيتها بـ"العِرض" الذي يذود عنه الفرد والجماعة بالمال والأرواح. فالعِرض في القاموس هو ما يمدح ويذم من الإنسان، سواء كان في نفسه، أو سلفه، أو من يلزمه أمره. وذوو العِرض هم أشراف القوم. وظلت الأرض مساوية في القيمة والأهمية للعِرض، في إشارة لأهميتها لمعاش الإنسان، خصوصاً في المجتمعات البسيطة حيث يعيش معظم السكان على ما تنتجه أرضهم، وما تمنحه لهم من حق في الحياة، والعيش الكريم، حد أنّ تجري على لسانهم مقولة: ما تفرط في الأرض ولا في العرض. فالأرض تمثل جزءاً من وجدانهم وإحساسهم على المستوى الجمعي والفردي. وارتباط الإنسان الأزلي بالأرض موجود في كلّ مكان من العالم، لأنّه خُلق منها وإليها يُعاد ومنها يخرج تارة أخرى. 
لم يكن غريباً أن يلقى يوم الأرض على مستوى العالم صدى كبيراً لدى جموع المهتمين بقضايا البيئة والمناخ، إذ يحتفي به ملايين الأشخاص حول العالم في 22 إبريل/ نيسان من كلّ عام. ويصادف هذا العام الذكرى الـ52 ليوم الأرض، وكان شعار "استثمروا في كوكبنا" بمثابة دعوة لإظهار الدعم لحماية البيئة والمناخ. احتُفل بيوم الأرض لأول مرة عام 1970، وكان الناشط في مجال السلام جون مكونيل قد اقترح، في مؤتمر يونسكو الذي عُقد عام 1969، يوماً لتكريم الأرض ومفهوم السلام، ثم أصبح يوماً عالمياً للتوعية البيئية منذ عام 1990.

موقف
التحديثات الحية

في السودان، حيث المساحات الشاسعة، ومختلف أساليب ملكية الأرض، نجد أنّ الاهتمام الجاد بالجذور التاريخية لملكية الأرض ونظمها وأوجه استغلالها وتحليل النزاع حولها قد بدأ مبكراً. ونشر البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم مؤلفاته "الفونج والأرض - وثائق تمليك - 1967"، ثم "الأرض في المهدية – 1970" و"الفور والأرض – 1975"، وتشارك مع د. ج. ل. اسبولدنق في نشر "وثائق من سلطنة سنار في القرن الثامن 1992" لتصبح تلك الوثائق من المصادر الأولية في دراسة تلك الفترات في تاريخ السودان. وتناولها الكثيرون في أبحاثهم والمجلات الدورية للدراسات التاريخية والسودانية. ولحقت بها العديد من المؤلفات، ليس آخرها "كفاح من أجل الأرض والهوية" لمؤلفه عادل شالوكا عام 2016.
أما كتاب د. محمد سليمان محمد "السودان صراع الموارد والهوّية - دار كمبريدج 2000" فقد تناول جانباً من مآسي نهب الأراضي والحروب الأهلية بعد هجمة الزراعة الآلية منذ العام 1968. وبدأ تعدي الجلابة (كبار الموظفين والتجار وضباط الجيش المتقاعدين) على أراضي المجتمعات الريفية، بما يشبه الإقطاع في دول أخرى، ما ولّد غبناً اجتماعياً جعل من الصراع على ملكية الأرض يطفو على السطح حاملاً بذرة حروب الهوية والإقصاء الاجتماعي، الأمر الذي يستوجب النظر إلى شعار "استثمروا في كوكبنا" بما يعود على الجميع بالسلام والعيش الكريم.
(متخصص في شؤون البيئة)
 

المساهمون