أدوات منزلية مستعملة لفقراء غزة في رمضان
يمضي الغزيون في شهر رمضان، فيما الأزمة الاقتصادية على أشدّها والفقر يسجّل نسباً عالية، الأمر الذي يجعل أسراً كثيرة في غزة عاجزة من تأمين حاجياتها الرمضانية، بما في ذلك الأدوات المنزلية، لا سيّما المطبخية. يُذكر أنّه بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، يعيش في القطاع 2.3 مليون فلسطيني، فيما تتجاوز نسبة البطالة بينهم 50 في المائة، علماً أنّ معدّل الفقر يُقدَّر بنحو 60 في المائة.
ووسط هذه الأحوال، أطلقت نساء في مدينة ومخيّم دير البلح، وسط قطاع غزة، مبادرة إنسانية لتأمين بعض من الأدوات المطلوبة للأسر الأشدّ فقراً، من خلال جمع أدوات منزلية مستعملة والتبرّع بها للأسر المحتاجة، في محاولة للتخفيف من أعبائها المعيشية. وجاءت فكرة المبادرة من مسؤولة "ملتقى نشميات دير البلح" فاتن النُقلة، أمّ يوسف، التي نشطت على مدى أكثر من عام بهدف تلبية احتياجات الأسر الفقيرة وسط غلاء المواد التموينية، لافتةً إلى أنّها لاحظت اعتماد هذه الأسر على أدوات بلاستيكية لفترات طويلة، وهو أمر غير صحي. وتوضح النُقلة لـ"العربي الجديد"، أنّ "فكرة هذه المبادرة أتت في أثناء دراسة حالات الأسر الفقيرة لتجديد مشاريع تلبية احتياجاتها في مبادرات جديدة. وقد لاحظتُ في الزيارات أنّ أدوات المطبخ لا تتغيّر، وسط عجز عن شرائها بالمطلق، حتى الطعام تأمينه صعب بالنسبة إليها. وفي المقابل، ثمّة أشخاص قادرون على تجديد أدوات المطبخ لديهم بشكل مستمرّ".
وقد اتّخذت النُقلة موقع "فيسبوك" والصفحة الخاصة بـ"ملتقى نشميات دير البلح" للإعلان عن المبادرة التي لاقت إقبالاً كبيراً من عدد من نساء دير البلح وحتى المناطق القريبة. تضيف النُقلة أنّ "النسوة تَواصلنَ مع الملتقى وقدّمنَ أدوات منزلية مستعملة وأخرى جديدة، وقد لاحظتُ أنّ من بين هؤلاء النساء مَن جمعنَ أدوات من خزانات الزينة في صالونات منازلهنّ وقدّمنَها للأسر التي تحتاجها". وتوضح النُقلة أنّها عملت مع المتطوّعات على مراجعة كلّ اسم أسرة وعدد أفرادها، لتُخصَّص لكلّ واحدة منها كمية الأطباق والأكواب والآنية اللازمة بالإضافة إلى أدوات الأخرى، وذلك قبل غسلها وتوضيبها في أكياس وتوزيعها.
وعن "ملتقى نشميات دير البلح" الذي أسّسته، تقول النُقلة إنّه "يجمع نساء من مخيّم ومدينة دير البلح من دون أن يكون ذلك في إطار ناظم لهنّ، كجمعية خيرية أو مؤسسة ذات مقرّ". فهنّ يتجمعنَ في صالة تدريب تملكها النُقلة أو في المنازل، "للاتفاق على المبادرات الخيرية. أمّا التمويل فهو يأتي بجهد شخصي وتشجيع من قبل المتبرّعات من أعضاء الملتقى ونساء في دير البلح". ولا تخفي النُقلة أنّ "الملتقى يستقبل مناشدات عديدة، تُلبّى من قبل النساء المقتدرات مادياً وغيرهنّ من اللواتي يستطعنَ تأمين ما تحتاجه الأسر المناشدة من شركات أو محلات تجارية. وفي شهر رمضان، تكثر المبادرات الخيرية والإنسانية وكذلك المناشدات".
وتذكر النُقلة أنّ الملتقى نفّذ مع عدد من المتطوّعات من مخيم ومدينة دير البلح سلسلة من المبادرات الخيرية على مدى عامَين، من خلال تقديم مساعدات اشتملت على سلة غذائية وأدوية بالإضافة إلى سداد رسوم تعليم تلميذات في المرحلة الثانوية. ومن بين آخر ما أتى به الملتقى بالتعاون مع المتطوّعات، تشجيع الناس على التبرّع بملابس مستعملة وإعادة تدويرها أو إصلاحها ثمّ توزيعها على المحتاجين.
في سياق متصل، يلاحظ عدد كبير من أصحاب محلات الأدوات المنزلية والكهربائية عزوف الناس عن الشراء بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية وتدنّي الأجور، الأمر الذي دفعهم إلى القيام بتخفيضات على بعض المنتجات التي ظلّت في متاجرهم أكثر من عامَين. لكنّ ذلك لم يلقَ حتى استجابة، بحسب ما يقول عماد عكيلة، وهو صاحب متجر للأدوات المنزلية والكهربائية في سوق الشجاعية في مدينة غزة.
وعكيلة تعرّض لخسائر كبيرة في خلال العامَين الأخيرَين بسبب تشديد الحصار الإسرائيلي وعدم تمكّنه من إدخال بضائع نتيجة عدم سماح الاحتلال المتحكّم بمعابر البضائع بذلك، أو تأخيره بضائع أخرى. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنّ "حالي هي نفسها حال التجّار عموماً الذين يتعرّضون لتقييد إدخال بضائعهم، بالإضافة إلى معاناتنا وسط القدرة الشرائية المنخفضة لدى الناس". يضيف عكيلة أنّ "الناس يبحثون عن أرخص الأدوات المنزلية ثمناً في الأسواق، والباقين لا يستطيعون شراء أيّ أدوات بالمطلق. ثمّة من يعجز حتى عن شراء أطباق صغيرة"، ويرى أنّ الغزيين يعيشون "على حافة مجاعة"، لافتاً إلى أنّ ثمّة "أشخاصاً مسجونين بسبب ديون والتزامات، إذ هم لم يتمكّنوا من سداد ثمن بضائع قديمة".