"قسد" تسمح للمرة الأولى لنازحي دير الزور بمغادرة مخيم الهول... والعراق يشترط التدقيق الأمني

16 أكتوبر 2020
المخيم هو واحد من المخيمات الفقيرة وضعيفة الخدمات (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

بعد قرابة شهرين على سيطرة قوات سورية الديمقراطية "قسد" على بلدة الباغوز، آخر معاقل تنظيم "داعش" في دير الزور، شرقي سورية، سمحت قسد للمرة الأولى لعوائل نازحة من مناطق المحافظة بمغادرة مخيم الهول، جنوبي محافظة الحسكة، بعد التنسيق مع وجهاء عشائر المنطقة، تحت بند الكفالة.

وتوالت القرارات الصادرة عن "قسد" بهذا الخصوص، وآخرها صدر عنها يوم الأربعاء، وجاء فيه: "بناء على مقتضيات المصلحة العامة، يُسمح بإخراج العوائل السورية النازحة والمقيمة في مخيم الهول الراغبة بالخروج من المخيم والعودة إلى مناطقها، بعد استكمال الإجراءات اللازمة لذلك أصولاً".

تحدّثت الصحافية ابنة دير الزور راما العبوش، لـ"العربي الجديد"، عن قرار "قسد" الأخير  وانعكاساته على أهالي دير الزور المحتجزين في المخيم، موضحة أنه من الأفضل لأفراد العوائل مغادرة المخيم، فهم في الأساس ليسوا معتقلين،  إنّما هم نازحون من محيط المناطق التي كان يقصفها التحالف، من الرقة والباغوز وأرياف دير الزور بشكل عام. وكان قرار قسد بالتحفظ عليهم بصفتهم معتقلين أو إرهابيين يسير ضمن مخطّطها للتهويل بشأن وضع انتشار تنظيم "داعش".

وتابعت العبوش: "إعلان الانتصار  بعد عمليات الاغتيالات والتصفيات، والهجوم على الحواجز الذي كان يتبناه تنظيم "داعش" كل فترة، واحتجاز قسد لهؤلاء الناس، عادت عليها بالمنفعة، إن كان من خلال سلب المساعدات الموجّهة للأهالي بالمخيم، أو تهريب الموجودين مقابل مبالغ مالية من قبل عناصرها نفسهم. الواقع أثبت أنّ المحتجزين من الأهالي في مخيم الهول ليسوا مجرمين، بل نازحون وقعوا في الظلم جرّاء احتجازهم في المخيم، المعروف بأنه واحد من مخيمات الموت.

ويُعرف المخيم بأنه واحد من المخيمات الفقيرة وضعيفة الخدمات الموجودة ضمن مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية، وهو مكوّن من ستة قطاعات، سُجّلت فيه وفيات كثيرة بسبب الأمراض وسوء التغذية، منذ إعادة افتتاحه من قبل "قسد"". 

مضر حماد الأسعد، رئيس الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة، قال لـ"العربي الجديد" إنّ "هناك العديد من الانتهاكات المروّعة التي ارتكبت بحق النازحين في المخيم، فهناك عمليات اغتيال يومية وتجنيد للأطفال وتجويع، وحالات وفيات بسبب عدم الاهتمام بالصحة والتغذية، ومنظمات إنسانية كثيرة أصبحت ترفض العمل في هذا المخيم، بسبب إدارته التي ضلعت بعمليات سلب للمواد الطبية والإغاثية المرسلة لقاطنيه".

وأكّد الأسعد أنّ عودة الأهالي في مناطق دير الزور لمناطقهم هي أفضل من البقاء في المخيم. وأضاف: "وضع المخيم سيئ، وكان هناك ضغط من قبل العديد من الجهات، من وجهاء العشائر والأهالي والهيئة السياسية في محافظة الحسكة، من أجل تفكيكه والسماح بعودة الأهالي، كون حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د" كان يستغل هؤلاء النازحين في الكسب المادي والإعلامي، وهذا الموضوع انعكس سلباً بسبب ممارساته التعسفية بحق الأهالي في المخيم".

كما أضاف الأسعد: "نحن في الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة، أرسلنا عدة كتب للأمم المتحدة والمنظمات الدولية من أجل تفكيك هذا المخيم، والسماح للأهالي بالعودة لمناطقهم وكذلك إعادة مستمسكاتهم، من أوراق شخصية وأوراق ملكية لمنازلهم وأراضيهم، بالإضافة لسياراتهم وأموالهم، كون حزب "ب ي د" عمل على احتجازها من الأهالي".

وختم الأسعد: "هناك مخيمات أخرى تعاني من الإجراءات التعسفية في محافظة الحسكة، في توينة والعريشة والسد، والرقة وبقية مناطق المحافظة، وباتت تعرف بـ"مخيمات الموت" لما تعانيه من ممارسات من قبل تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د"".

الناشط الإعلامي عهد الصليبي أكّد لـ"العربي الجديد" أنّ أغلب المغادرين هم من مناطق ريف دير الزور الشرقي، تحت وساطات عشائرية في السابق، ولا توجد إحصائية محلية دقيقة عن مغادري المخيم. والمغادرون هم من الشعيطات والباغوز وقرى ريف البوكمال وهجين والشحيل والبصيرة وخط الخابور. هناك عوائل ظلمت وصنفت عوائلَ مرتبطة بتنظيم داعش واحتُجزت في هذا المخيم.

وتابع الصليبي قائلاً: "ما يحدث في هذا المخيم يحدث في معظم المخيمات شرق الفرات، والمغادرون يعودون لمناطقهم كما باقي العوائل التي عادت من مناطق ريف حلب، وهناك نظرة إلى أنّ هؤلاء العائدين من مخيم الهول هم عوائل تنظيم داعش، بحكم صلة القرابة".

وكانت جهات إعلامية تابعة لـ"قسد" أشارت إلى أنّ قرار السماح للعوائل السورية بمغادرة مخيم الهول، هو لتخفيف الأعباء عن المخيم وإدارته، كون المقيمين فيه يجب أن يعودوا لمناطقهم.

وأشار مصدر محلي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ الحياة صعبة في المخيم، خاصة لمن ليس لديه مصدر دخل، أو يعتمد على المساعدات الإنسانية فقط، كونها شحّت خلال الفترة الماضية، مع تراجع الخدمات الطبية في المخيم بشكل كبير، في ظلّ تفشي فيروس كورونا في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية. وأضاف أنّه لا ذنب لوالدة عنصر كان قد انتسب لتنظيم داعش، أو زوجته أو أطفاله حتى لا يعودوا إلى مناطقهم.

وشهد المخيم عام 2019 وفاة أكثر من 500 شخص، معظمهم من الأطفال، جرّاء نقص الغذاء والأمراض وضعف الرعاية الصحية. ويضمّ في الوقت الحالي نحو 60 ألف شخص، بين نازحين سوريين ولاجئين عراقيين وعوائل تنظيم "داعش".

تدقيق أمني لعودة النازحين العراقيين

من جهتها، أكدت وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية إيفان فائق ضرورة إجراء تدقيق أمني للأسر العراقية النازحة في مخيم الهول، الواقع داخل الأراضي السورية قرب الحدود مع العراق.

وأشارت إلى أن عمليات عودة النازحين من مخيم الهول كانت قد استؤنفت في وقت سابق، إلا أنها توقفت بسبب جائحة كورونا، موضحة، في تصريح صحافي، أن جميع أسماء الراغبين بالعودة ستخضع للتدقيق، وشددت على ضرورة الانتهاء من ذلك.

ولفتت فائق إلى وجود مخيم آخر يوجد فيه نازحون عراقيون، هو مخيم أكدة الواقع على الحدود السورية التركية، مبينة أن وزارة الهجرة العراقية بدأت تعمل على إعادة النازحين منه إلى مناطقهم بشكل مجاني، وأغلبهم كانوا نازحين عام 2014، وهو تاريخ اجتياح تنظيم "داعش" لمدينة الموصل شمالي البلاد ومناطق عراقية أخرى. 

وأكدت وزيرة الهجرة العراقية وجود تنسيق مع القوات (قوات سورية الديمقراطية) التي تسيطر على المنطقة التي يقع فيها مخيم الهول من أجل تسهيل عودة النازحين، شريطة خضوع الجميع للتدقيق الأمني. 

ولفتت الوزيرة إلى وجود تنسيق كبير بين وزارتها وإقليم كردستان من أجل تشكيل لجنة مشتركة من شأنها المساهمة في العودة الطوعية للنازحين من مخيمات الإقليم إلى مناطقهم، لافتة إلى عزوف كثير منهم عن العودة كون إقليم كردستان أكثر استقراراً من بقية المناطق. 

وأوضحت أن وزارة الهجرة والمهجرين لن تقوم بإرغام أي أسرة على العودة من دون وجود رغبة طوعية بذلك. 

مسؤول بوزارة الهجرة العراقية أكد، لـ"العربي الجديد"، أنّ التدقيق الأمني للنازحين، الذين يرغبون بالعودة من مخيم الهول الواقع داخل الأراضي السورية، يجب أن يتم بالتنسيق مع الوزارات والأجهزة الأمنية مثل وزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة الاستخبارية، موضحا أن دور الوزارة يقتصر على التنسيق والحصول على موافقات رسمية لعودة النازحين بشكل عام، أما مهمة التدقيق المفصل، فإن ذلك يعود للأجهزة الأمنية. 

وأوضح أن الوزارة حريصة على إغلاق ملف النازحين بشكل كامل، مستدركا "إلا أن كثيرا من العقبات تحول دون ذلك، منها عدم إعمار المناطق التي شهدت نزوحا كبيرا خلال سنوات الحرب على تنظيم داعش الإرهابي (2014 – 2017)، فضلا عن رفض عدد غير قليل من الأسر العودة إلى مناطقها لاعتقادها بأن هذه المناطق لم تستعد الاستقرار الأمني بشكل كامل". 

يشار إلى أن مخيم الهول، الواقع إلى الشرق من مدينة الحسكة السورية، كان قد أنشئ عام 1991 من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لإيواء العراقيين الفارين من حرب تحرير الكويت، ثم أعيد افتتاح المخيم بعد حرب احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية عام 2003، وبعد الأزمة السورية، خضع المخيم لسيطرة تنظيم "داعش"، قبل أن تسيطر "قوات سورية الديمقراطية" على الهول وتعيد افتتاح المخيم عام 2016.

المساهمون