"قتل بطيء" للأسير عبد الناصر الرابي

10 نوفمبر 2021
عبد الناصر الرابي (العربي الجديد)
+ الخط -

تتعامل عائلة الأسير الفلسطيني المريض عبد الناصر الرابي، بجدية مع الاتهامات الموجهة إلى إدارة مصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلية بالتواطؤ مع جهات أمنية إسرائيلية عليا وجهاز مخابرات الاحتلال "الشاباك" لقتله بطريقة بطيئة.
ورغم علم العائلة بالحالة الصحية الصعبة لابنها، لكنها تؤيد تهديده بالقيام بإضراب مفتوح عن الطعام إذا أصرت سلطات الاحتلال على رفض مطالبه، بضرورة توفير العناية الطبية اللازمة له بسبب إصابته بمرض السرطان.
بدأت القصة عندما اتهم محامي الأسير عبد الناصر جهاز "الشاباك" الإسرائيلي بمحاولة تصفية موكله جسدياً داخل السجن، من خلال تعمّد ممارسة استراتيجية إهمال توفير الرعاية الطبية لصحته. ويقول شقيقه الأكبر، عرفة عدنان الرابي لـ"العربي الجديد": "فشلت كل المحاولات لدفع الاحتلال إلى معالجة عبد الناصر، فهو لم يخضع منذ نحو شهرين لفحوص طبية، فيما ما زال يعاني من آثار مرض السرطان الذي أصيب به قبل سنوات، ومن تبعات العمليات الجراحية التي خضع لها قبل اعتقاله في أوائل سبتمبر/أيلول الماضي". يضيف: "يحتاج أخي إلى متابعة طبية متقدمة على مدار الساعة، تشمل تناول الأدوية وإجراء صور أشعة وصور نووية ومنظار للقولون بانتظام. وكل ذلك لا يحصل".

ويؤكد عرفة أنّ عبد الناصر طالب منذ اعتقاله الأخير، عبر محاميه، بالسماح له بتلقي العلاج المناسب، لكن إدارة السجن لم تبدِ أي اهتمام، ما دفعه إلى اتهامها بالتخطيط لاغتياله بالتواطؤ مع جهاز "الشاباك"، والتهديد بإطلاق إضراب عن الطعام والشراب".
ويبلغ عبد الناصر 51 عاماً، وهو من مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية المحتلة، وأمضى نحو 9 سنوات في سجون الاحتلال. وكان أحد جرحى الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993)، علماً أنه حاصل على شهادة بكالوريوس من جامعة القدس المفتوحة، ولديه 6 أبناء، وكان أعد دراسات عدة تحمل أبرزها عناوين "السعادة الأسرية" و"السقوط الأمني" و"غرف العصافير".
وأصيب عبد الناصر بالسرطان قبل ثلاث سنوات حين كان معتقلاً أيضاً في سجون الاحتلال. ورغم ظهور أعراض المرض عليه، بقي معتقلاً عامين إضافيين.
تقول زوجته ميسون لـ"العربي الجديد": "بعدما خرج زوجي سابقاً من السجن، أجرى فحوصات وتلقى علاجاً كيماوياً وخضع لعدة عمليات جراحية شهدت استئصال 20 سنتيمتراً من أمعائه. ثم أعاد الاحتلال اعتقاله في ذروة رحلة علاجه". وتشدد على أن الاحتلال "ينفذ اغتيالات بطيئة لمعتقلين فلسطينيين، من خلال تعمّده إهمالهم طبياً". وتكشف أن زوجها يحتاج إلى عملية لتغيير مفصل في ركبته مرتبطة بإصابة تعرّض لها خلال الانتفاضة الأولى، لكنه يتعرض لتهميش كبير جعل وضعه الصحي أكثر سوءاً". وتؤكد أنّه "أمام هذه الحالة الصعبة، يجب القيام بتحركات قوية وفاعلة للضغط على الاحتلال الذي ترقى تصرفاته إلى مستوى جرائم. ومن الضروري أن تلعب الفصائل الفلسطينية دوراً في ممارسة هذا الضغط من أجل تحقيق هدف الإفراج عن المرضى على الأقل".

الصورة
بين الماضي والحاضر (العربي الجديد)
بين الماضي والحاضر (العربي الجديد)

وتحذر من أنّ اعتقال زوجها تحت بند "الملف السري" وآخرين تحت بند التوقيف الإداري يزيد قلقهم. وتشير إلى أنّه بعد أكثر من شهر من الانتظار والمعاناة وسياسة الإهمال الطبي، ألغى الاحتلال الفحص المقرر لعبد الناصر بعد وصوله إلى مستشفى في القدس، بحجة أن طبيب السجن لم يتابع ملفه ويعطيه الأدوية اللازمة التي يجب أن يتناولها عشية الفحص. وهذا التأجيل زاد سوء مرضه، ومعاناته من نزيف معوي لا تعرف أسبابه. والمرض يشتد عليه يوماً بعد يوم".
أما النجل الأكبر لعبد الناصر، علي، البالغ 16 عاماً، فيدرك ما يحصل لوالده رغم أنه من الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ لديه إعاقة بصرية وسمعية، واستغل قدرته على استخدام منصات التواصل، لإطلاق حملات لمساندة أبيه. وتترجم والدته لـ"العربي الجديد" ما يقوله بلغة الإشارة بالقول: "يحرمني الاحتلال من والدي منذ الطفولة. فهو يتعرض للاعتقال منذ صغري حين كان يأخذني إلى أطباء ويتابع ملفي الصحي. وفي كل مرة كان يعتقل فيها كنت أحرم من مواصلة العلاج. ولا ينحصر الأمر في ذلك، إذ ظل أبي غائباً عن معظم مناسبات النجاح والأفراح والأعياد التي مرت علينا".

الصورة
أمضى نحو 9 سنوات في سجون الاحتلال (العربي الجديد)
أمضى نحو 9 سنوات في سجون الاحتلال (العربي الجديد)

ورغم حالته الصحية الصعبة، لاحقت أجهزة الأمن الإسرائيلية عبد الناصر واعتقلته مرات. وقبل توقيفه الأخير تعرض لاعتداء جسدي من عناصر أمنية استدعى نقله إلى المستشفى.
وينقل الأسرى عادة، وبينهم المرضى، لحضور جلسات المحاكمة أو لتلقي العلاج، مكبلين بأصفاد في أيديهم وأرجلهم، وعبر مركبة سيئة التجهيز تحمل اسم "بوسطة"، ما يزيد من معاناتهم.
ووفق مؤسسات تُعنى بشؤون حركة الأسرى الفلسطينيين، قتل الاحتلال الإسرائيلي 226 أسيراً منذ عام 1967. وبين الشهداء الأسرى، قضى 75 بإطلاق النار عليهم مباشرة، و71 نتيجة الإهمال الطبي. ويعاني حالياً 750 أسيراً من أمراض مزمنة كالسرطان والكلى والقلب، منهم 34 في خطر شديد.
وخلال السنوات العشر الماضية، استشهد 29 أسيراً في سجون الاحتلال، بسبب الإهمال الطبي بالدرجة الأولى، وآخرهم نور الدين البرغوثي، وسعدي الغرابلي، وداوود الخطيب، وكمال أبو وعر عام 2020.

ويواصل الاحتلال احتجاز جثامين 7 أسرى شهداء، أقدمهم الأسير أنيس دولة منذ عام 1980، إضافة إلى عزيز عويسات المتحدر من القدس الذي استشهد عام 2018، وفارس بارود ونصار طقاطقة وبسام السايح الذين قضوا جميعهم عام 2019، وسعدي الغرابلي وكمال أبو وعر اللذين توفيا عام 2020.

المساهمون