أكد مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي عاموس هوكشتاين، مساء الخميس، إمكانية "العمل الآن" على ملف ترسيم الحدود البرية بعد التمكّن من إنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قبل نحو عشرة أشهر.
وقال هوكشتاين، في مؤتمر صحافي من مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في بيروت، بعد زيارة استمرّت يومين، إنه أتى ليستمع إلى الرؤى حول موضوع ترسيم الحدود البرية وما يمكن تحقيقه في هذا الإطار، مشيرًا إلى أنه سيستمع إلى رؤية الطرف الآخر (الإسرائيلي) بشأن الموضوع، وما إذا كان الوقت مناسباً لفتح نافذة فيه، مشدداً على أن "أميركا دائماً ما تدعم سياسة الأمن والاستقرار".
ولفت إلى أنه على مدى يومين من زيارته، جرى الحديث مع المسؤولين اللبنانيين عن الحاجة إلى تحريك العجلة الاقتصادية، وإتمام الاستحقاقات الدستورية التي تضمن الاستقرار، منها وجوب انتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة جديدة، لتفعيل عمل المؤسسات، ضمنها البرلمان اللبناني، مشيرًا إلى تداعيات الشغور في موقع الرئاسة الأولى السلبية على لبنان وشعبه "الذي يدفع ثمن ما يحصل".
وأشار هوكشتاين، الذي يُعرَف بـ"عرّاب اتفاق ترسيم الحدود البحرية"، إلى أن اللبنانيين يعوّلون على البرلمان لانتخاب رئيس يضع مصلحة البلد في صلب أولوياته، ويكون قادراً على التواصل مع البرلمان والحكومة لإتمام العمل اللازم وإنجاز حزمة صندوق النقد الدولي.
ولفت إلى أن لبنان يمكنه الاعتماد على دعم الولايات المتحدة له عندما يخطو لوضع البلاد على مسار الاستقرار الاقتصادي والأمني، مشدداً على أنه يجب إظهار أن لبنان أصبح ملائماً للاستثمار على اعتبار أن "هذا من شأنه أن يخدم الجميع".
وكان مصدر دبلوماسي في السفارة الأميركية في بيروت قد أكد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهدف الأساسي لزيارة هوكشتاين هو الإشراف على أعمال التنقيب عن النفط في البلوك رقم 9 بعد الدور الذي لعبه في حلّ النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل، وهو أمرٌ كان متفقاً عليه مسبقاً، لمواكبة العملية، عدا عن التأكيد على أهمية الاستقرار جنوباً في هذه المرحلة التي ستكون دقيقة كما ومهمّة جداً لبنانياً".
كما أكد المصدر أنه "سيتم التطرق إلى ملف الترسيم البري من بوابة استطلاع الآراء بشأنه، والنقاط التي لا تزال عالقة وهناك خلاف حولها، ولا سيما بعد التوترات الأمنية الأخيرة التي حصلت بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي".
وقال المصدر الدبلوماسي إنّ "هوكشتاين سيؤكد للمسؤولين الذين سيلتقيهم أهمية الاستقرار في لبنان على كامل أراضيه، وعدم حصول أي تصعيد لبناني إسرائيلي، لا سيما أنه سيؤثر على أعمال التنقيب وينعكس سلباً على الشركات المعنية وذات الصلة الطامحة للاستثمار، والتي تبحث عن مناخ آمن للعمل، وسيشدد على ضرورة التنسيق الكامل بين الجيش اللبناني وقوات يونيفيل جنوباً لتعزيز هذا الاستقرار، كما سيصار إلى بحث ملف الطاقة والكهرباء في لبنان".
In Baalbek, @amoshochstein viewed remarkable historical artifacts at this @UNESCO World Heritage Site. The United States is committed to UNESCO and the importance of preserving irreplaceable cultural heritage. pic.twitter.com/RoA6dGFyDi
— U.S. Embassy Beirut (@usembassybeirut) August 31, 2023
وكانت السفارة الأميركية في بيروت قد قالت في بيان إنّ "هوكشتاين، يزور لبنان من 30 إلى 31 أغسطس/آب الجاري، لمتابعة اتفاق الحدود البحرية التاريخي الذي جرى التوصل إليه في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وسيبحث أيضاً في المجالات ذات الاهتمام المشترك والإقليمية".
هوكشتاين، وخلال زيارته لبنان التي لم تخلُ من جولة سياحية في بعض مناطقه، أبرزها في بعلبك التي تعدّ من معاقل "حزب الله"، حيث زار القلعة إلى جانب السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، عقد سلسلة اجتماعات مع مسؤولين لبنانيين، أبرزهم رئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، ووزير الطاقة وليد فياض، كما قام بجولة ميدانية جنوباً، وتفقد أعمال قوة حفظ السلام التابعة لـ"يونيفيل".
واستهلّ هوكشتاين جولته اللبنانية في الاجتماع ببري في لقاء استمرّ نحو ساعة، ووصفه كبير المستشارين الأميركي بعد مغادرته بـ"الإيجابي"، مكتفياً بالقول إن "الاجتماع استكمل متابعة ملف الترسيم الحدود البحرية، ومسائل أخرى"، مضيفًا: "كالعادة، كان الاجتماع ممتازا، والنقاشات إيجابية".
وأكد بري خلال لقائه هوكشتاين أن "جهود المجلس النيابي ستبقى منصبة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية واستكمال إنجاز التشريعات المطلوبة في المجال النفطي، وفي مقدّمها الصندوق السيادي، كما التشريعات المطلوبة لإنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي".
وشدد بري أمام الموفد الأميركي على "ضرورة وقف الانتهاكات الإسرائيلية للقرار الدولي 1701 وعلى عمق العلاقة مع قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل) منذ عام 1978 وحتى الآن، وعلى أن لبنان حريص جداً على المحافظة على الاستقرار، كما حرصه على سيادته على كامل التراب اللبناني".
وقالت لوري هايتايان، الخبيرة في مجال حوكمة النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في وقتٍ سابقٍ، لـ"العربي الجديد"، إن موضوع ترسيم الحدود البرية في حال أثاره هوكشتاين سيكون من بوابة جسّ النبض وسماع آراء الأفرقاء اللبنانيين، خصوصاً أن هناك إشكاليات وعوائق سياسية تحول دون إتمام الاتفاق، أو التطرق إليه وبدء مشاورات فيه.
ولفتت هايتايان إلى أن "ملف ترسيم الحدود البرية لا يقتصر على لبنان وإسرائيل، فهناك جزء أساسي منه يستدعي التشاور مع السوريين، أي بما خصّ شبعا"، مشيرة إلى أن ذلك يتطلب من الحكومة الأميركية القيام بمفاوضات مع السوريين، معربة عن اعتقادها أن الأمر ليس بالسهل، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وأضافت: "رأينا كيف حصلت معركة ضروس من الجمهوريين على الديمقراطيين عندما فُتح موضوع إيصال الغاز المصري إلى لبنان عن طريق سورية، كما لم تتمكن أميركا من إعطاء ضمانات للمصريين والأردنيين بعدم فرض عقوبات عليهم لتعاملهم مع النظام السوري، مع الإشارة في المقابل إلى أن الديمقراطيين قد يلعبون ورقة الترسيم قبل الانتخابات من بوابة تعزيز أمن إسرائيل، لكن ذلك أيضاً مستبعد"، بحسب قولها.
كذلك، ترى هايتايان أن "الإسرائيليين لا يبدو أنهم يريدون فتح هذا الملف في المرحلة الراهنة، خصوصاً الجولان وشبعا، كما أن (حزب الله) يربط سبب وجوده وسلاحه بتحرير كامل الأراضي اللبنانية، فهل من صالحه بتّ هذه القضية بشكل نهائي، خصوصاً اليوم في ظلّ الضغط الذي يعانيه الحزب، ولا سيما داخلياً، ضد سلاحه؟.. هذه كلها علامات استفهام يمكن التعويل عليها لاستبعاد وضع الترسيم البري على طاولة المفاوضات بشكل جدّي، إلا إذا كان هناك شيء يُبحث تحت الطاولة أصبح في مرحلة متقدمة".